تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الأحمر..رمز الكرامة وعزة الوطن

مجتمع
الاثنين 21-10-2013
ابتسام هيفا

ها هي المآذن تعلن كل يوم بدء المراسم, وها هي المقابر تعج بأهالي الشهداء.. نساء متشحات بالسواد , وأطفال يحملون باقات الأزهار , شباب في مقتبل العمر, وآباء مفجوعون بأبنائهم الشهداء..

هكذا كانت أجواء العيد وسط ازدحام دموع أمهات الشهداء وذويهم في يوم غياب الأحبة.. فهنا أم شهيد تجلس بجوار ضريح ولدها تترحم على شبابه وتبكيه قهرا ومرارة وبقربها إحدى قريباتها تربت على كتفها قائلة لها احمدي الله أن ولدك لديه قبر تزوريه فأنا ابني استشهد منذ أشهر والمسلحون يرفضون إعطاءنا جثمانه الطاهر..‏

كم تمنيت أن أدفنه في قريته يحتضن ترابها ويتفيأ بسنديانها.. وتخاطب ابن قريبتها الشهيد قائلة: بلغ ولدي الشهيد التحية في الجنة وقل له والدتك مشتاقة اليك وحزينة على فراقك.‏‏

وأمام ضريح آخر زوجة في مقتبل العمر استشهد زوجها وترك لها ثلاثة أطفال أمانة في عنقها تبكي بحرقة وتخاطب زوجها الشهيد قائله له بأنها أنجبت صبيا بعد استشهاده يشبهه كثيرا وهي حزينة بأن هذا الطفل سيكبر ولا يتذكر والده .. يذكر شيئا واحدا فقط بأنه ابن الشهيد.. وزوجة أخرى في العشرين من عمرها تترحم على حبيبها الشهيد وتقول بعد قصة حب دامت تسع سنوات لم أكمل الشهر في زواجي منه كنت أتمنى لو بقي زوجي معي فقط لنكمل العيد مع بعضنا وفي بيتنا الذي طالما حلمنا به .‏‏

وفي مكان آخر صبية لم تتجاوز الثامنة عشرة، الدموع تملأ عينيها مخاطبة والدها الشهيد .. لطالما كنت تقول لي يا والدي أنك تريد رؤيتي وأنا في الجامعة .. الآن تحقق الحلم وأصبحت طالبة جامعية وسأحقق حلمك بأن أجتهد وأتخرج وأكون ناجحة ومخلصة في عملي خدمة لبلدي .. فأنت علمتني الحب والإخلاص والوفاء لوطني.‏‏

وبقربها شاب يافع والحزن يملأ قلبه .. يترحم على والده البطل الذي روى تراب وطنه بدمه الطاهر ويقول له لقد اخترت الطريق الذي سلكته يا والدي بانتسابي إلى الكلية الجوية لأصبح نسرا سورياً أدافع عن سماء بلادي ولأكمل مسيرتك بالدفاع عن تراب سورية الغالية على قلوبنا جميعا.‏‏

وفي مكان آخر من مقبرة القرية رجل سبعيني يجلس بقرب ضريح ولده الشهيد يدخن سيجارة ويحدث ولده لقد اشتقت إليك يا ولدي ايها البطل الذي ضحى بروحه من أجل أن يحيا أبناؤه بعزة وكرامة .. وعزائي الوحيد بأن الله سبحانه وتعالى اختارك شهيدا ترقد إلى جوار ربك في الجنة وبتضحياتك أنت ورفاقك ستنتصر سورية على الأعداء.‏‏

أما الأطفال الذين جاؤوا في صباح العيد لزيارة أضرحة آبائهم الشهداء وبداخل كل منهم شيء يريد البوح به .. منهم من يريد القول لوالده بأنه أصبح في الصف الأول وكان يتمنى لو أن والده يراه يرتدي المريول الأزرق ويحمل حقيبة المدرسة ويوصله إلى مدرسته .. وطفلة أخرى تقول لم تعد ساحات العيد تعني لنا شيئا .. ولا الملابس الجميلة التي كان يشتريها لي والدي قبل كل عيد .. واخرى تقول كنت أذهب أنا وأخي إلى المراجيح ونرتدي ثيابا ملونة ولكن أخي واحد من الأبرياء الذين قضوا في تفجير إرهابي وقت ذهابه إلى المدرسة.. وتضيف والدتها ..الشهداء في سورية ليسوا فقط مَن ارتقوا جراء المعارك الميدانية, فهناك من أعلن جهادا باطلا في بلادنا فقتل الأبرياء من المدنيين نساء وأطفالاً وشيوخاً.. وقد فقد بعض أطفال سورية ربيع أعمارهم وماتت كل أمنياتهم أمام رصاصة منعتهم على الأقل من التفكير بالعيد الذي كانوا ينتظرونه.. وتقول ابنتها الصبية يحللون قتلنا وحرماننا من أبسط حقوقنا في الحياة ويتهموننا بالكفر. . مصابنا نحن السوريين كبير وجرحنا عميق.. لقد غابت عنا الفرحة, فمع كل يوم تتجدد أشكال القتل والخطف والعنف.‏‏

يأتي العيد الذي من المفترض أن يكون سعيداً في حين هو ليس كذلك لم يعد يحمل من السعادة غير اسمها.. يأتي العيد حزيناً متثاقلاً أعرج على عكازة لم يعد يبهرنا بما يحمل فالكل تآمر عليه، البعض يحاول قنصه والبعض ألقى القبض عليه بتهمة نشر الفرح وتهريب الحلوى، والبعض الآخر فخخ مراجيحه، والبعض الآخر زرع العبوات الناسفة في طريقه، والبعض الآخر طلب منه العودة من حيث جاء.‏‏

لم يعد العيد ينثر عطر المحبة كما كان يفعل في السابق بكل بيت يزوره.. لم يعد ينسج من أفراحه بيتاً سعيداً كما فعل في السابق.. كنا نترقبه وبكل شوق يزيد.. وقد جهزنا له كل لبس جديد.. وكل حلوى واكل لذيذ.. كنا نسعد بلقاء الاهل والصديق.. فكل عائلة تجلس حيث تشعر بالأمان بعيدا عن الأهل وخوفا من مخاطر السفر.‏‏

لم يعد العيد معمول بالجوز والتمر.. وأطفال تسرح وتمرح في ساحات العيد وثياب ملونة ..أما اليوم فالعيد أصبح فقيراً كحالنا وحزيناً كعيوننا وكئيباً مثل وجوهنا.. عيد لا يرسم البسمة على وجوه أطفالنا عيد لا نرى فيه زينة.. عيد نتمنى أن يكون سعيداً لكنه يأبى إلا أن يكون حزيناً في كل مرة يأتي.. لقد اخذوا سعادة العيد وما أبقوا لنا من سعادته شيئاً إلا اسمه.. يأتي العيد هذه المرة، وهو يرجو منّا استقبالاً على غير العادة، ونحن نرفض أن نلبس له الزاهي والملون، ولكننا نستقبله بألوان الشهادة التي تمتزج بتراب الأرض، نستقبله بالشهداء الذين يرتقون إلى العلياء فرادى وجماعات.‏‏

فمع كل عيد نرفع هذه اللافتة التي تقول باسم الشعب السوري: العرب تشتري ثياب العيد..ونحن نشتري أكفان الشهيد ,انها الكلمات التي تعبر عن الحزن الذي يعيشه أهلنا في سورية وهي رسالة الى قلوب لا ترحم ولا تعرف معنى الرحمة.‏‏

لقد استبدلت كل علامات العيد والفرح بهموم وقلق.. وتحول الاستعداد للاحتفال بالعيد الى نضال من أجل وجود الاستقرار في البلاد.‏‏

إنه الشعب الذي قرر خوض معركته حتى النهاية إلى جانب الجيش والقائد.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية