شهدت وزارة المالية خلال السنة الأخيرة, نشاطاً ملحوظاً للنهوض بالبنية التشريعية الناظمة لعملها, أنتجت مجموعة غير قليلة من القوانين التي يفترض بها تخفيف عبء التعقيدات على المكلفين, وعلى الرغم من ذلك, بقيت بعض الفجوات (من وجهة نظر المكلفين) والتي من شأنها تسجيل بضعة علامات استفهام, سواء من ناحية إغفال بعض الحالات 0من إعفاءات رسم الطابع للمعوقين, أو ناحية البحث عن مطارح ضريبية جديدة.
لمناقشة هذه النقاط والاستفسار عن أخرى سواها, حول ذلك التقت (الثورة) السيد محمد خضر السيد أحمد معاون وزير المالية لشؤون الضرائب والرسوم, وكان اللقاء التالي:
* صدر بلاغ بإعفاء المعوق من رسم الطابع, ليشمل بعض الحالات, ويغفل البعض الآخر لماذا?
** البلاغ الذي تضمن الإعفاءات كان صريحاً, من حيث تشميل المعاملات ذات الصفة الشخصية للمعوق بالإعفاء من رسم الطابع ولكن عندما يقوم أحد ذوي الاحتياجات الخاصة باستخراج سجل تجاري, أو تأسيس شركة فتلك معاملة ليست لها الصفة الشخصية البحتة.
ونحن للتوضيح نقول: المعاملات الشخصية فقط, ولا يمتد الإعفاء لكافة المعاملات المتعلقة بالمعوق, أي لا يشمل الإعفاء البيوت والشركات والنشاطات التجارية.
فالغاية من الإعفاء هي تقديم نوع من المساعدة للمعوق في أموره الشخصية, ولا يمتد إلى باقي نشاطاته لأنه من الممكن أن يستخدم أحدهم اسم المعوق وحالته الخاصة لإصدار سجل تجاري يمارس بموجبه نشاطاً ما, ما يستوجب عدم الإعفاء وتسديد ما عليه من التزامات لجهة هذا الرسم, حتى لا يكون نوعاً من التميز تجاه المواطن العادي, فطالما معاملته تجارية أو حتى غير شخصية فهو يخضع للقانون العادي الساري على الجميع, طبعاً مع التنويه لنقطة مهمة, هي أنه حتى ضمن المعاملات التجارية, إذا كان لبعض أوراقه صفة الشخصية فإنه يعفى من رسم الطابع.
* ينسبون إليكم التقصير في خفض أسعار السيارات على الرغم من تخفض الرسوم الجمركية بمعدلات عالية فهل من خطوات جديدة لتثبيت جهودكم على أرض الواقع?
** ببساطة سعر أي سلعة يرتبط بأكثر من عنصر, و تحديداً تكلفة السلعة وقانون العرض والطلب, مع الأخذ بعين الاعتبار مرونة هذا القانون في السوق.
وإذا أخضعنا السيارات كسلعة لهذين العنصرين, نجد أن وزارة المالية قد قامت بدورها في تخفيض كلفة استيراد السيارات, بتخفيض الرسوم الجمركية بنسب عالية جداً, وصلت في حالة السيارات مادون (1600CC) إلى 75%, والسيارات فوق (1600CC), لأكثر من 85%, وفقاً للدراسات الرقمية والبيانات المقدمة من الدوائر الجمركية بأسعار هذه السيارات.
فكانت النتيجة انخفاض الأسعار بمعدل وسطي وصل إلى 30-40%, وإذا أخذنا هذه السلعة المخفضة, ووضعناها في السوق المحلية وأخضعناها لقانون العرض والطلب, فالمنطق يقول بانخفاض الأسعار, أسوة بتكلفة استيرادها, إلا أن تحرير أسعار السيارات في سورية, وخضوعها لقانون العرض والطلب الذي لا يتمتع بالمرونة الكافية, جعل الأسعار تبقى على حالها دون انخفاض سعري يذكر.
طبعاً ليس لوزارة المالية أي دور بمراقبة الأسعار, والحكومة بشكل عام لها أن تراقب جودة ومواصفات السلعة, وقد قامت المالية بدورها كاملاً دون نقصان في هذا الإطار, ليتمكن كل مواطن من اقتناء السيارة, على أن الأمر منوط بالنسبة للسوق الداخلية أولاً وآخراً بوزارة الاقتصاد.
* أليست ملاحقة التهرب الضريبي أجدى للمواطن أولاً وللخزينة العامة ثانياً من البحث عن مطارح ضريبية جديدة, في ظل تدني الدخول والركود الاقتصادي?
** أنا أرى أن كليهما مهم جداً للحفاظ على موارد الخزينة العامة, ونحن في وزارة المالية نعمل على المحورين, حيث نستمر ومن خلال مديرية الاستعلام الضريبي, في ضبط حالات التهرب الضريبي, خاصة وأن سوية الأداء قد ارتفعت بعد إعادة تأهيل هذه المديرية بالكوادر اللازمة, ما زاد من فعاليتها ونشاطها.
وعلى الرغم من قناعتنا أن ملاحقة التهرب الضريبي يستلزم جهوداً كبيرة, إلا أننا مستمرون بذلك بما ينص عليه القانون 25 لعام ,2003 وقانون الدخل رقم 24 لعام ,2003 لما يسببه التهرب من نزيف للخزينة العامة وإلغاء فرص المنافسة المتكافئة بين المتنافسين بما يفرز ظلماً لطرف على حساب طرف آخر.
أما عن المطارح الضريبية الجديدة, فهي أيضاً ضمن السياسات الضريبية, فكل الإدارات والسلطات الضريبية في العالم, يعتبر من أولوياتها البحث عن مطارح ضريبية جديدة, إنما استناداً إلى أسس محددة, انطلاقاً من كونها مطارح موضوعية, تفرض عليها الضريبة بشكل عادل و متوازن, وأن يكون الفرض مبرراً اقتصادياً أو اجتماعياً أو بكليهما, مع التأكيد على عدم جدوى التركيز على الضريبة إذا لم تكن ذات بعد اقتصادي مفيد.
* تحدثتم سابقاً عن حملة لتوعية المواطن ضريبياً, أين أنتم منها الآن, وما فائدتها, وما انعكاس ذلك على المواطن?
** يلعب الوعي الضريبي لدى المواطنين دوراً كبيراً في إنجاح خطط الإدارة الضريبية, لتنفيذ برامجها بالشكل الأمثل, بمعنى أن حملات التوعية الضريبية ضرورية جداً للمواطن والمكلف اللذين يعانيان نقص الوعي الضريبي.
وعندما يدرك المواطن ما خلفية وماهية الضريبة, لماذا تفرض وأين تذهب, وكيف تصرف سيكون التجاوب أكبر مع الدوائر المالية, أما عندما يعتبرها المواطن أتاوة غير مبررة, فيلجأ إلى التهرب بكافة الوسائل.
وقد بدأت وزارة المالية حملة توعية ضريبية عن طريق دائرة الإعلام الضريبي ضمن مديرية الاستعلام الضريبي في وزارة المالية, وبإشراف مباشر من السيد وزير المالية, ثم إصدار العدد الأول من مجلة عالم المال, والتي تعنى بالشؤون المالية والضريبية.
والوعي الضريبي له انعكاسات مهمة جداً, تتمثل بتقليل تعرض المواطن للجزاءات والغرامات التي تفرضها القوانين والأنظمة النافذة, لما يحقق مورداً ثابتاً وسهلاً للخزينة العامة التي تتحمل أعباء كبيرة عن المواطن, عن طريق سياسات الدعم التي تقدم لأكثر المواد أهمية في الحياة اليومية للمواطن.
* بعد عام من النشاط الماراثوني, كيف ترون واقع التشريع المالي في سورية ولا سيما أن الوزارة طورت حزمة من التشريعات المالية خلال هذه المدة?
** لقد تمكنت وزارة المالية من إصدار /15/ نصاً تشريعياً جديداً خلال الفترة الماضية, منها ما تناول تشريعات جديدة, ومنها ما تضمن إلغاء بعض المطارح الضريبية مثل ضريبة الآلات والاغتراب والرسم القنصلي على الفواتير التجارية, وإلى حد كبير أؤكد أن تعديل ضريبة التركات, وصل إلى مشارف الإلغاء وأصبحت رمزية جداً, وتناولها تعديل جذري في الآليات ببساطة ويسر.
أضف إلى هذا وذاك, إصدار نصوص تشريعية جديدة تماماً, أي محدثة.
وأعتقد أن ما تم على مستوى البنية الضريبية في سورية مقبول, ولكنه غير كاف, قياساً إلى نظرتنا بما يجب إنجازه خلال الفترة القادمة, من استكمال تحديث ما تبقى من تشريعات وهي قليلة جداً, والنهوض بعلمية الإصلاح الإداري, على نحو أفضل مما كنا عليه في الفترة الماضية.
وبشكل عام تشكل بنية التشريعات الضريبية الحديثة في سورية وحدة متناسقة, منسجمة مع بقية التشريعات التي صدرت في بقية المجالات على صعيد المصارف أو التأمين, ما يشكل نقطة جذب للاستثمارات لأن هذه التشريعات حملت في طياتها بعداً اقتصادياً بحتاً, بدأنا فعلاً نلمس انعكاساتها على الاستثمارات التي تدخل الآن إلى القطر, وبعبارة أخرى فقد أدى المناخ الذي هيأته هذه التشريعات إلى تسريع الدورة الاقتصادية, وعدد كبير جداً من الشركات والأخوة العرب أبدوا رغبة بالاستثمار في سورية وسألوا عن تشريعاتنا الضريبية وأعطيناهم فكرة كاملة, فوجدنا ترحيباً منهم, ولما تم إنجازه على صعيد الضرائب, التي حافظت في نفس الوقت على موارد الخزينة العامة, وخففت العبء الضريبي عن المواطنين.