هي التعليم فقد تم إنشاء جامعات أميركية مستعدة لاستقبال العقول المتعطشة للعلم والقادمة من مختلف أنحاء العالم إذ إن العديد من الأجانب الذين التحقوا بالجامعات الأميركية اثبتوا نجاحهم في القطاعات الخاصة والعامة.
واستطاعوا القيام ببعض التغييرات الدراماتيكية في بلدانهم بعد أن استفادوا من تجربتهم في الولايات المتحدة الأميركية لكن وبعد هجمات الحادي عشر من أيلول أصبحت أميركا وجامعاتها أقل ترحيباً بالطلاب الأجانب.
ولسوء الحظ فإن الجامعات المنتشرة في أرجاء الولايات المتحدة الأميركية تشهد انخفاضاً ملحوظاً في اعداد الطلاب القادمين من خارج أميركا وفي ذات الوقت فإن العديد من الجامعات تواجه تحديات عدة تعود إلى التغييرات الملحوظة في الدراسة الاحصائية للسكان وتناقص أعداد الطلبة إذ ينظر إلى الطلاب الأجانب على أنهم قوة التوازن التي تحافظ على استمرارية العديد من المدارس والكليات خصوصاً من الناحية المادية.
وهكذا فإن بعض الجامعات مثل جامعة جنوب كاليفورنيا -جامعة نيويورك- وأخيراً جامعة بوسطن تعتمد وبشكل كبير على الأقساط التي يدفعها الطلاب الأجانب وتشير التجربة إلى أن هؤلاء الطلاب الذين تعرضوا لتجربة العيش في المجتمع والنظام الأميركي وجدوا النظام التعليمي أكثر تفهماً للمبادىء والقيم الأميركية من غيرهم فهم علاوة على ذلك أكثر احتراماً واستعداداً للتحالف مع أميركا والوقوف بجانبها أمثال نائب الرئىس المكسيكي وكلوريا أرويو رئىسة الفيلبين.
هذا بالإضافة إلى أن بعض هؤلاء الطلاب يكتسبون العديد من المهارات العلمية والتكتيكية ويساهمون في خلق جو مميز ومتنوع ومليء بالفروقات داخل الحرم الجامعي.
ورغم أن بعضاً منهم يفضل البقاء داخل الولايات المتحدة الأميركية والانخراط بشكل كامل في مجتمعها إلا أن معظم الطلاب يفضلون العودة من حيث أتوا ويعملون -في بعض الأحيان وبشكل غير رسمي- كسفراء للنوايا الحسنة ما بين أميركا وبلادهم.
إن ما يقارب نسبة ال 20% من العلماء والمهندسين الأعضاء في كلية العلوم الوطنية بالإضافة إلى ما يقارب ثلث اللجنة الأميركية غرباء المولد.
إن هذه الحقيقة هي أيضاً أساسية لتدريب قادة الولايات المتحدة الأميركية الجدد على الميزات الحضارية للحضارات الأخرى والتي تحتاج إليها الولايات المتحدة تماماً كما يحتاج إليها أي بلد من أجل عملية المنافسة السياسية والاقتصادية على المستوى العالمي.
لكن الطلاب الغرباء زائري أميركا يجدون صعوبة بالغة بالحصول على إذن دخول إليها من أجل الدراسة إذ إن سفراء وقناصل الولايات المتحدة الأميركية يمنحون الغرباء أعداداً محدودة من تأشيرات الدخول.
وقد وصل الأمر إلى رفض اعطاء تأشيرات دخول لأعداد كبيرة من المرضى الراغبين في تلقي العلاج في عيادة مايو أو في مشفى ماساشوسيت أو غيرها من المشافي الأميركية الشهيرة.
هذا بالإضافة إلى أن عملية الحصول على تأشيرة دخول إلى الأراضي الأميركية معقدة ومذلة أحياناً وتحتاج إلى وقت طويل ما جعل معظم الطلاب المرضى يتجهون إلى بلدان أخرى مثل كندا -استراليا أو المملكة المتحدة وغيرها من البلدان.
والأسوأ من هذا أن بعض البلدان تنصح طلابها وبشكل رسمي بعدم التوجه إلى الولايات المتحدة الأميركية بسبب الصعوبات والعقبات التي قد تواجههم ونتيجة لذلك انخفض معدل طلبات الحصول على شهادة التوفل الانكليزي إلى النصف وهي شهادة الزامية تطلب من الطلاب الأجانب لتحديد مستوى أو مقدرة الطالب الأجنبي الراغب في متابعة تعليمه أو تخصصه في أميركا على تكلم اللغة الانكليزية.
إن انخفاض معدل الاقبال للحصول على شهادة التوفل هو دليل قاطع أو إشارة واضحة إلى أن العديد من الطلاب قد فقدوا ذلك الاهتمام الكبير الذي يدفعهم للالتحاق بالجامعات والكليات الأميركية.
وهكذا فإن كلاً من الصين والهند اللتين كانتا ترسلان أكبر عدد من طلاب العلم للدراسة في الجامعات الأميركية قد توقفتا عن فعل ذلك وبدأتا في منافسة الولايات المتحدة الأميركية عالمياً.
إذ هناك خططا ودراسات جادة لبناء حوالى 100 جامعة جديدة في العقد القادم ما سيلبي الحاجات المحلية وسيقدم للعالم بديلاً جديداً عن الجامعات الأميركية وبكلفة مادية أقل.
أما الهند والتي تدرس المنهاج الانكليزي فهي أيضاً تتوسع وتتطور وتسعى إلى إنشاء جامعات إضافية بحيث تلبي حاجات الطلاب المحليين المتزايدة والتي فرضها النمو الاقتصادي المذهل للهند.
وهكذا فإن سياسة الولايات المتحدة الأميركية وجعل قضية الحصول على تأشيرة دخول للأراضي الأميركية يعدان أمراً شائكاً ومعقداً إن لم يكن مذلاً في معظم الأحيان, وسوف يساعد على تنفيذ إنشاء تلك الجامعات ويسهم في انتشارها ما سيفقد الولايات المتحدة الأميركية إحدى أهم ميزاتها في جذب انتباه أذكى الأدمغة من مختلف أرجاء وأنحاء العالم.
ويجب ألا نقتنع بأن كل تلك الاجراءات المتخذة هي لتحقيق الأمن إذ إنه من الصواب ألا يسمح للأشرار من أن تطأ أقدامهم أرض الولايات المتحدة الأميركية وأنه يتوجب على السلطات المعنية توخي الحذر في تحديد هوية من يسمح لهم بعبور الحدود.
لكن على الحكومة الأميركية بالاشتراك مع السلطات المعنية بالأمر سن طرق أو قوانين جديدة أكثر فاعلية وعليها التدقيق في طلبات الطلاب الراغبين في الالتحاق بالجامعات الأميركية واعطاء الإذن الفوري والعاجل للمرضى من أجل تلقي العلاج اللازم.
وهكذا على صانعي القرار التدقيق في هذه المسألة الشائكة وعلى الكونغرس أن يطرح أسئلة واضحة وصريحة حول كيفية معالجة هذه القضية التي باتت ملحة وإذا تعذر على السلطات المعنية إيجاد حل مناسب أو بديل لمعالجة هذه القضية فإن أميركا دون أدنى شك ستخسر أموالاً طائلة وعقولاً ذكية ستتجه إلى بلدان وأوطان أخرى متعطشة للاستفادة من الأخطاء والعثرات الأميركية.