وبين المتقدمين تكنولوجياً, وبين المتخلفين, وبين المزدهرين تعليمياً, وبين العاملين على هذا, وبين الآمنين حياتياً عبر مشاريع قومية تصحح لهم مشكلات البيئة الاجتماعية, والطبيعية, وتوفر لهم الصحة, والأمن الغذائي, ولا سيما الماء النظيف الصالح للشرب, وبين من يحلم بهذه المشاريع, ومنذ العام ألفين إلى العام ألفين وخمسة موعد انعقاد القمة الستينية للاحتفال بالمؤسسة الأهم للشرعية الدولية وللإدارة العالمية الديمقراطية, لم تخف وطأة التأزم الدولي المفتعل أحياناً حتى تنصرف الإدارة السياسية العالمية عن شؤون الالتزامات بالتنمية العالمية المزدوجة للموارد الاقتصادية, والبشرية , وتنشغل بما افترضته القوة العظمى الوحيدة المهيمنة, بأنه من أولى أولويات العمل الدولي, وأطلقت عليه تسمية الحرب العالمية على الإرهاب الدولي المعطل الوحيد للنمو العالمي كما يقولون.وبناء عليه فإن ال/191/ دولة في العالم, قبل انعقاد قمة العالم بيوم واحد تلقت تقرير التنمية البشرية لعام /2005/الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ليكون دليل العمل, ومرشد الحوارات الراغبة في الإصلاح عموماً, بدءاً من حال الأمم المتحدة نفسها, إلى الأطر الديمقراطية في الديمقراطيات الوليدة, إلى مشكلات البيئة, والفقر, والصحة,والخدمات العامة, والتعليم, والتكنولوجيا, والاقتصاد, والتقدم الاجتماعي عموماً.
ومن الواضح أن صورة مزمنة من عدم التناسق في الوجود العالمي لا تزال مصاحبة حياة العالم وسميت بمعضلة عدم المساواة, وتزداد الصورة ذاتها, أو المعضلة بما هو قائم بين دول الأرض حيث يذهب الناتج العالمي بنسبة 80% منه لنحو مليار شخص يعيشون في الدول المتقدمة, وقد اطلق عليهم بالمليار الذهبي, بينما تحصل الخمسة مليارات من البشرية الباقية على أقل من 20% من الناتج العالمي المعني .
وكما قال أوكامبو أمين عام الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية: إن انعدام المساواة في الدخل, والحصول على الخدمات الاجتماعية الأساسية,لا بد أن يكون لهما تأثير على طبيعة اتخاذ القرارات, وملاحق هذا الشأن سنراها في الاستقرار الاجتماعي لدى العالم بأكمله, خاصة أن ما يعادل ربع القوى العاملة في العالم يحصلون على دخل أقل من دولار يومياً.
وما يستدعي النظر في انعقاد هذه القمة العالمية هو طبيعة الحركة التي مارستها الولايات المتحدة الأميركية حين أبلغت عن طريق مندوبها جون بولتون سفراء 191 دولة في العالم أن تعديلات تصل إلى 750 تعديلاً على مشروع الوثيقة النهائية لهذه القمة قبل انعقادها لابد أن تؤخذ بعين الاعتبار. وأقل ما يقال في هذه التعديلات: إن الولايات المتحدة الأميركية غير جادة في احترام إرادة القادة العالميين الذين توافقوا في قمة الألفية الثانية التي توجهت نحو التقليل من نسبة الفقر إلى النصف في العالم, وتخفيض وفيات الطفولة بنسبة 30% وتحقيق شمولية التعليم الابتدائي بحلول سنة 2015 م, وكل الذي أرادته أميركا هو الاكتفاء بالعمل على خفض نسبة الفقر في العالم حتى لا تبقى أكبر الدول المانحة, ولو أن مساعداتها لم تزد على 1% من إجمالي الناتج الوطني, وهذا بدوره يعكس عدم الرغبة في الوصول إلى أهداف قمة الألفية الثانية كما تحدد لها.
وفي تحليل نتائج القمة العالمية احتفالاً بالذكرى الستين للأمم المتحدة كتبت جريدة البرافد الروسية أن أكثر من /150/ رئيس دولة وحكومة كان من المنتظر أن يوقعوا على الوثائق الخاصة بتطوير هذا العالم, وخاصة تلك المتعلقة بتطوير وإصلاح الأمم المتحدة, ومجلس الأمن, لكن شيئاً من هذا لم يحصل, ولا سيما ما كان يتوقع من زيادة أعضاء مجلس الأمن ليصبحوا /25/ بدلاً من /15/, وزيادة الأعضاء الدائمين من /5/ إلى /10/ فلم يتحقق هذا رغم تنويه كوفي عنان في كلمته الافتتاحية بأن شعوب الأرض لن تتفهم إذا لم يتم تبني ولو اقتراح واحد من بين الاقتراحات الخاصة بإصلاح الأمم المتحدة.
ومع ذلك استطاعت الولايات المتحدة بإمطارها الوثيقة الأساسية بوابل من التعديلات أن تفشل في عملية الوصول إلى أي مقترح جديد, حتى ما كان قد تقدم به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول محاربة الإرهاب النووي, حيث اعتبر بوتين أن الإرهاب الحالي هو الوريث العقائدي للنازية, وعلى الأمم المتحدة أن تكون مركز التنسيق للتعاون الدولي في محاربة هذا الإرهاب, لكن الدور الذي لعبته الولايات المتحدة جعل الوثيقة النهائية تخرج في النهاية خالية من تعريف محدد لماهية الإرهاب, الأمر الذي سيجعل نص البيان النهائي مميعاً بحيث تملك كل دولة الحق بتفسير عبارة الإرهاب النووي الواردة فيه على هواها.
وكان الذي أراده الرئيس دبليو بوش في كلمته أمام القمة منصباً على ضرورة أن تتأقلم هيئة الأمم المتحدة مع الاحتياجات والتحديات الحالية, ومن أهمها -كما قال- نشر الحرية والديمقراطية في العالم.
وفي هذا السياق رد عليه الرئيس الصيني هوجنتاو أن الأمم المتحدة يجب أن تتركز جهودها على فتح حوار بين الحضارات في سبيل حل قضايا عديدة مثل: الفقر, والظلم الاجتماعي الذي يشكل التربة المغذية للإرهاب, وبأن هناك حقاً لكل دولة في اختيار نظام الإدارة الذي يناسبها.
ونتيجة لإحساس القادة العالميين أن الولايات المتحدة -وعلى لسان رئيسها- تتجاهل القضايا العالمية العادلة, والمحددة في قمة الألفية الثانية, إذا لم يكن في القمة الأولى في كوبنهاغن الدولية للتنمية الاجتماعية, فإن البعض قد انبرى لإبداء الآراء التي تعكس عدم الرضا على الحالة الراهنة للأمم المتحدة حيث قال رئيس الوزراء الهندي: (إن تشكيل مجلس الأمن الحالي يعكس صورة العالم في عام ,1945 وهو الآن لا يعكس صورة عالم ,2005 وإذا لم تتعرض القمة العالمية لمثل هذه المسألة فمن الصعب أن تنهض الأمم المتحدة بأهداف الألفية الثالثة.
كما أضاف رئيس جنوب أفريقيا بضرورة تحقيق إصلاح الأمم المتحدة, ومجلس الأمن حتى يمكن التوصل إلى الإجماع فيما يتعلق بالأمن العالمي.
وقد حاول الرئيس الفنزويلي تشافيز أن يدعو إلى نقل مقر الأمم المتحدة معتبراً أن الولايات المتحدة هي أكبر مخترق للقانون الدولي, وقد اقترح أن يتم إنشاء مركز دولي خاص غير خاضع لأي دولة من دول العالم.
ومن المعروف -كما ورد في تقرير التنمية البشرية لعام 2005- أن أميركا وبريطانيا من أكثر الدول إنفاقاً على التسلح, وأقلها مساعدة في مجال المساعدات الإنمائية, حيث إن أميركا تنفق على التسليح 25%, بينما يبلغ إجمالي المساعدات التي تقدمها للدول الفقيرة 1%, وبريطانيا تنفق على التسليح 13% وتساعد 1.6% الدول الفقيرة.
وبعد هذا الاستعراض لما توصلت إليه قمة الاحتفال بالذكرى الستين لهيئة الأمم المتحدة نتوصل إلى أن قمة التدخل الأميركي كانت واضحة للعيان, إذ ما معنى أن يتحدث الرئيس بوش, وكأن كل شيء متفق عليه قبل انعقاد القمة, ويقوم بتحديد آخر للقضايا الدولية ذات الأولوية في اهتمام العالم?!
وبناء عليه فقد أصبح الإنجاز الوحيد لهذه القمة هو أن المحتفلين قد توافقوا على استحالة العيش الدولي بهذه الطريقة القائمة في نظام العالم راهناً ومستقبلاً, ولو بدا أن المعنيين لم يتمكنوا من إقناع الولايات المتحدة -كقطب وحيد مهيمن- بقضايا البشرية الملحة من الفقر إلى المساواة, إلى التقدم, لكن المستقبل -رغم محدودية ما اتفق عليه- لن يكون في مصلحة من منع القمة من الوصول إلى حلم البشرية فيها.