إن تلك المساحة من الرمال والكثبان كانت يوماً أشبه بالغابات ويستشهدون على ذلك ببقايا الأشجار الحية التي ترفض الاستسلام..ويحكون عن أن هارون الرشيد كان يترك بغداد ويقصد الرقة للاصطياف فلا يخرج في طريق عن ظلال الأشجار.
أين ذهب ذلك كله..
إن التصحر..وهو ليس بجديد..
ولقد استفاقت الدولة على هذا الخطر الداهم..فأقامت أكثر من مشروع لوقف زحف رمال الصحراء.إنعاش البوادي وإقامة المحميات لحماية الكائنات الحية.. وقد بسقت عالياً أشجار البطم في البلعاس وأصحاب محميات تدمر مقصد السياح..
واستهدى مكافحو التصحر إلى أكثر من نوع من الأشجار يستطيع وقف هذا الزحف الخطر.. في طليعتها شجرة الزيتون دائمة الخضرة المقاومة للجفاف.
لكن ظاهرة التصحر مستمرة..ونحن لسنا الدولة الوحيدة التي تعاني منها.. ولاهو التصحر الذي يتحدانا بالأشد والأخطر. لأن بوادينا هي بين الصحراء والأراضي الزراعية..وهي قابلة للإنعاش ذاتياً..وهناك مشاريع كثيرة بهذا الخصوص.
والتصحر حسب التعريف الحديث والمعتمد من قبل هو:(تدهور الأراضي) في المناطق الجافة وشبه الجافة, وشبه الرطبة, الناتجة عن عوامل مختلفة, منها التغيرات المناخية والنشاطات البشرية.
ويعاني الوطن العربي من هذه الظاهرة بشكل خاص نظراً لامتداد الصحارى وبين الأراضي العربية.
خلال فترة ما بعد الثمانينات,بدأت الظاهرة بالتفاقم والسبب في ذلك يعود بشكل أساسي إلى الزيادة الكبيرة لعدد السكان, وزيادة الطلب على الغذاء , التوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية والتوسع والتكثيف غير المرشد في استثمار الأراضي, وإلى غير ذلك من جوانب الضغط على موارد الأراضي.
أسبابه
يمكن أن تعزى ظاهرة التصحر إلى مجموعتين من الأسباب:
أسباب ناتجة عن الظروف الطبيعية:
يقصد بالأسباب الطبيعية, التغيرات المناخية التي حصلت خلال فترات زمنية مختلفة, سواء تلك التي حصلت خلال العصور الجيولوجية القديمة والتي أدت إلى ظهور وتشكل الصحارى التي غطت مساحات واسعة مثل الصحراء الكبرى في أفريقيا, والربع الخالي في الجزيرة العربية.
أسباب ناتجة عن النشاط الإنساني:
يمكن أن تعود هذه الأسباب إلى الزيادة الكبيرة في عدد السكان, والتي رافقتها زيادة في الاستهلاك وكذلك التطور الاقتصادي والاجتماعي, أدى إلى زيادة الطلب على المنتجات الزراعية, هذه العوامل دفعت الإنسان إلى زيادة استغلاله للموارد ا لطبيعية والتي جاء في غالب الأحيان بشكل غير مرشد, إضافة لذلك فقد بدأ نشاط الإنسان مؤخراً يمتد إلى المناطق الهامشية ذات النظام البيئي غير المستقر والهش.
مكافحته
إن معالجة هذه المشكلة يحتاج إلى وقت طويل, ولا توجد حلول سريعة لها, لكن يجب البدء باتخاذ الإجراءات الأولية التي تحد من تسارع هذه الظاهرة, ومن ثم وضع الخطط اللازمة لمكافحتها على المدى البعيد.
ومن المبادىء الأساسية التي يمكن الاسترشاد بها لوضع خطط عمل لمكافحة التصحر, وذلك حسب المؤتمرات الدولية المعنية بذلك:
استخدام المعارف العلمية المتاحة وتطبيقها, خاصة في تنفيذ الإجراءات الإصلاحية العاجلة لمقاومة التصحر, وتوعية الناس والمجتمعات المتأثرة بالتصحر.
القيام بإجراءات متكاملة لاستخدام الأراضي, بحيث تضمن إعادة تأهيل الغطاء النباتي, وخاصة للمناطق الهامشية مع الاستفادة بشكل خاص من الأنواع النباتية المتأقلمة مع البيئة.
يجب أن تكون خطة عمل مكافحة التصحر, عبارة عن برنامج عمل لمعالجة مشكلة التصحر من كافة جوانبها.
دور الأفراد والمجتمعات المحلية
لقد أكدت الاتفاقية الدولية لمكافحة التصحر على أهمية النهج التشاركي في عملية مكافحة التصحر, واعتبرت أن هذا النهج يجب أن يبدأ من القاعدة إلى القمة, لأن في السابق, جرت العادة أن يقوم خبراء ببدء العملية وتحديد الأهداف والأنشطة والنتائج المتوقعة, ويقوم هؤلاء الخبراء بدعوة المجتمع المحلي للاطلاع على الخطة و المساعدة فيها.
وعزت الاتفاقية أيضاً فشل جزء كبير من مكافحة التصحر, إلى عدم أخذ أفكار وقدرات الناس المحليين من البداية, لأن هؤلاء, أي السكان المحليين, هم الأكثر قدرة وخبرة في فهم بيئتهم واحتياجاتها.
هذا وتشرف وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي على عدة مشاريع لمنع التصحر ومقاومته وإيقاف حركة الكثبان الرملية.. كما أن الاهتمام بالتوازن البيئي بدأ يأخذ دوره بشكل أفضل في السنوات الأخيرة.