تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


خفايا الزمن

علوم وبيئة
الثلاثاء 16-4-2013
د. طالب عمران

رغم أن الزمن هو عامل رئيسي في حياة الإنسان، فإنه من أكثر العوامل المتعبة في حياته فهو يحاول من خلاله تحقيق أكبر قدر من المطالب والطموحات، ولو على حساب صحته وجهده وعرقه.

ويحاول بذلك الانتصار على ضعفه تجاه الزمن.. فمع مرور السنين يضعف جسمه وتتضاءل قوته ويشيخ.. مهما حاول لأن يحد من تأثير هذه العوامل. يرى أن النهاية محققة ومهما طال عمره أو قصر فنتيجته الموت، ولا يمكن أن يدفع الموت عنه.‏

ورغم محاولات الإنسان الانتصار على الزمن بالغذاء الجيد والمتعة والرفاهية، عند من يملكون قوة المال، فإن الزمن عدو تكبره وعجرفته ومهما قوي جسمه ونفسيته، بالمقويات والأغذية المختارة، والاحتراس من المرض، فلن يستطيع أن يؤخر أجله المحتوم.‏

وإيقاعات الزمن لها وقعها الهائل على الإنسان، فالعام به أربعة فصول واثنا عشر شهراً و(152) أسبوعاً و(365) يوماً و(8760) ساعة و(525600) دقيقة و(31536000) وواحد وثلاثون مليوناً وخمسمائة وستة وثلاثون ألف ثانية. عدا ربع اليوم الزائد في السنة وكلها إيقاعات الزمن، تمر الثواني والدقائق والساعات والأيام والأسابيع والشهور والسنوات.. بإيقاع متسارع أحياناً..رتيب أحياناً أخرى.‏

وكلها تقتطع من حياة الإنسان، فالإيقاع في الزمن يأكل من عمر الإنسان بتوتر متصاعد وكلما أحس بدنو أجله زاد خوفه إن كان شريراً...واستسلم باطمئنان إن كان خيراً.. وكما تنقضي الطفولة ثم الشباب ثم النضج والكهولة والشيخوخة تكبر الأرض وتشيخ وتكبر الشمس وتشيخ.‏

إيقاعات الزمن تدخل في كل ما حولنا، من دقائق الذرة التي تظهر لثوان ثم تختفي إلى البكتيريا التي قد لا تعيش أكثر من ساعات.‏

إلى الزرع الموسمي الذي يعيش لأشهر، ثم إلى الحيوانات المتباينة في أعمارها، ثم الإنسان الذي يصل متوسط عمره إلى (70) عاماً.. وبعد ذلك تأتي التوابع والكواكب والنجوم.. إنها إيقاعات الزمن المرعب...‏

رغم أن الخيال هو سر الإبداع الإنساني، وهبه الله للإنسان ليغنيه عن عجزه وعمره القصير، وعدم قدرته على النفوذ إلى المجهول البعيد فإن هذا الخيال حين يرتبط بالعوالم الحسية، يخبو وهجه.. إنه يتألق ما دام يحلق في عوالم غير منظورة.‏

يوغل في الماضي البعيد. والمستقبل البعيد.. يوصل الإنسان إلى دقائق الذرات..والجراثيم والطفيليات وتكاثرها ومضارها وأمراضها، ويوصله إلى الكون الواسع ويجعله يحس ببرودة الكواكب البعيدة، أو سخونة النجوم الملتهبة..‏

الخيال إحدى ملكات العقل– وبه قامت الحضارات وتمت وتطورت وتعاظمت، وامتد التراث الإنساني عبر آلاف السنين غنياً بنتاجه وآثاره الباقية.‏

الخيال هو جزء من واقع محسوس، فمهما جنح يظل مرتبطاً بعالم الإنسان وحقائق وجوده.‏

إنه جزء من الإنسان.. جزء من تكوينه وفكره الوقاد ودون خيال يصبح الإنسان كالسائمة. مخبولا عديم الأفق.‏

وعوالم الإنسان الخفية ما زالت لغزاً، لم يصل العلم إلى فك طلاسمها بعد إلا قليل ولولا الخيال، لأصبح الخوف حاجزاً يمنع الإنسان من البحث في تلك الأسرار.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية