تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


وجوهٌ متعددة للهيمنة الأميركية على العالم

شؤون سياسية
الثلاثاء 16-4-2013
د. صياح عزام

تحمل الهيمنة الأميركية على العالم وجوهاً متعددة منها السياسيّ، والعسكريّ، والاقتصادي، والثقافي، وغير ذلك من المسائل والقضايا التي تصل إلى تفاصيل دقيقة في الأمور الحياتية اليومية لبعض الدول.

بحيث تُعتبر السفارات الأميركية في عدّة دول هي صاحبة ومصدر القرار في كل شيء أساسي تقريباً، ودول الخليج العربيّ خير مثال على ذلك!‏

والآن، إذا ما أردنا أنْ نتحدث بالتفصيل عن وجوه الهيمنة هذه يمكن القول بأنّ هذه الأوجه ظاهرة للجميع، ولا تحتاج إلى جهود كبيرة لاكتشافها، أو الاستقصاء حولها.‏

ولنبدأ بالجانب العسكري. في هذا الجانب، أول ما يُلاحَظ هو القواعد العسكرية الأميركية التي تنتشر في العديد من دول العالم، خارقةً سيادة هذه الدول، ومنتهكة لخصوصياتها منذ ما يقرب من ستين عاماً خلت، أي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، حيث ما إنْ وضعت الحرب أوزارها، حتى أُخضِعتْ الدول المهزومة لاتفاقات انتهكت سيادتها، وما زالت تبعاتُها مستمرة إلى اليوم والشيء المُلفت للنظر والمستغرب، أن بعض هذه القواعد موجودة في دول قوية وذات سيادة، ولها تأثير في العالم مثل ألمانيا واليابان رغم انتهاء مفاعيل الحرب وتبعاتها وهنا في وطننا العربي توجد عدة قواعد أميركية في السعودية وقطر والكويت وبقية دول الخليج تقريباً، وأكبرها قاعدة /العديد/ في قطر التي تُعتبر من أكبر القواعد الأميركية في المنطقة. ومن قطر والسعودية انطلقت الطائرات والقوات الأميركية لاحتلال العراق عام /2003/. ونشير هنا إلى ناحية هامة وهي أنه في حال إقامة قاعدة عسكرية من قبل دولة في دولة أخرى، تقوم الدولة صاحبة القاعدة بتمويل إنشاء القاعدة وتأمين ما تتطلبه من نفقات وأحياناً تدفع للدولة المضيفة أجوراً معينة يُتَّفق عليها. أما في قطر، فإن المشيخة تعهدت بكل ما يلزم القاعدة من تكاليف إنشائها إلى رواتب العاملين فيها، وكافة النفقات الأخرى التي تتطلبها القاعدة، حيث تُدْفع هذه الأموال الضخمة على حساب المواطن القَطَريّ ومن جيبه.‏

إضافةً للقواعد العسكرية، هناك اتفاقيات ثنائية وقعتها الكثير من دول العالم مع الولايات المتحدة ومنها دول الخليج، وتشمل إقامة مناورات ومشاريع وتدريبات عسكرية مشتركة وتسليح هذه الدول وتدريب جيوشها إلى جانب صفقات تسليح هائلة لجيوشها وقواتها الأمنية.‏

علاوةً على ذلك، هناك مراكز تجسّس أميركية في العديد من دول العالم أُقيمت تحت أسماء وهمية أو شركات، وتقوم هذه المراكز بالتدخل المستمر في الشؤون الداخلية لهذه الدول، إلى جانب تجاوزات لا تُعدُّ ولا تُحصى تمس بسيادة واستقلال هذه الدول.‏

وهناك تجاوزات للجنود الأميركيين الموجودين في هذه القواعد ومراكز التجسس مثل حوادث الاغتصاب في /كوريا الجنوبية وتايوان واليابان/ حسبما ذكرت أنباء موثوقة من تلك الدول.‏

ومع مرور الزمن تحولت دولة كبرى مثل اليابان التي تنتهك القاعدة الأميركية في «أوكيناو» سيادتها، من اتفاق فُرض عليها بقوة السلاح بعد هزيمتها في الحرب التي أنهتها واشنطن بقصف وإبادة مدينتي /هيروشيما وناغازاكي/ بالقنابل النووية، إلى تحالف لا يتزعزع مع واشنطن والإدارة الأميركية، رغم الرفض الشعبي والاحتجاجات التي تخرج بين الحين والآخر رفضاً للوجود الأميركي العسكري.‏

كذلك اتضحت الحقائق أكثر بعد أن أصبحت دول العالم عُرضةً لعبث أميركا، بعد ما تمَّ كشفه من أن /152/ دولة تواطأت مع الإدارة الأميركية في قضية السجون السرية التي أثار كشفها فضيحة مُدويّة في العالم لواشنطن وسياساتها، مع العلم أنّ الدول الأعضاء في الأمم المتحدة /194/ دولة!‏

سياسياً، تفرض الولايات المتحدة هيمنتها على الكثير من الدول بإجبارها على تبنّي سياسة تخدم مصالحها، ولا تستجيب لتطلعات وآمال شعوب تلك الدول، وتأتي هذه الهيمنة بعد أن تُغدق الولايات المتحدة الأميركية عطاياها على الأنظمة، وتُشجعها على قمع شعوبها، وتوهمها بأنّها هي الضامن الوحيد لبقائها واستمرارها في الحكم، وإذا لم تستجب بعض الدول للقبول بهذه الهيمنة تُسارع الولايات المتحدة إلى خلق المشاكل عليها وتضييق الحصار عليها بمختلف السبل، وقد تلجأ إلى خَلْعها واستبدالها بأنظمة حكمٍ أو بوجوهٍ أكثر طاعة لها والتزاماً بأوامرها وبمصالحها.‏

وعلى سبيل المثال، فإنّ مصر التي تتقاضى /مليار ونصف المليار دولار/ من الهبات والمساعدات الأميركية سنوياً نجدها تمتثل للسياسات الأميركية وتلتزم بها على حساب الشعب العربي في مصر؛ فهذه المساعدات ساعدت على احتواء نظام /حسني مبارك/ احتواءً تاماً، وهي تساعد الآن على احتواء نظام الحكم الجديد في مصر ممثلاً بالرئيس /محمد مرسي/ وجماعة الhخوان المسلمين.‏

فمصر كما نعلم جميعاً، اختُطفتْ من الصف العربي بعد اتفاقيات كامب ديفيد، وحُيِّدت عن الصراع العربي الصهيوني، ولدرجة أن تحوّل نظام /مرسي/ ومن قبله نظام /مبارك/ إلى صديق لإسرائيل ووسيط بينها وبين الفلسطينيين والعرب عامةً. كذلك تتدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية لمصر بعدة أشكال إلى حدّ طَلَب تعديل مناهج دراسية، وإنشاء مجموعات عمل خاصة تحت يافطة دعم وتشجيع المجتمع المدني، دون أن تستطيع مصر أن تحرّك ساكناً تجاه أي تجاوز أميركي أو تدخل في شؤون مصر الداخلية بسبب هذه المعونات أو الهبات التي أصبحت سيفاً مُسلّطاً على رقاب الدول والشعوب ومنها مصر بطبيعة الحال.‏

وفي الجانب الاقتصادي، فإنّ واشنطن يكفي أنها تسيطر على البنك وصندوق النقد الدوليّين، حيث تضعهما تحت جناحها، وتستخدمهما لإذلال الدول وفرض الشروط الأميركية عليها، لقاء منحها بعض القروض والإعانات، مقابل ما تُسميه إصلاحات اقتصادية ومالية، وهي في حقيقة الأمر ليست إصلاحات، بل توجيه كامل لاقتصاد البلد الممنوح مثل هذه القروض بالاتجاه الرأسماليّ القائم على الخصخصة والتجارة الحرة، وكفّ يد الدولة عن التدخل في الأسعار وغيرها لصالح فئات الشعب، وبالتالي ضخّ ما في هذه الدول من أموال لتصبح في البنوك الأميركية والغربيّة، ولتصبح هذه الدول أكبر مدين لهاتين المؤسستين في العالم /البنك الدولي وصندوق النقد الدولي/، وهما في الحقيقة مؤسستان أميركيتان تمَّ إنشاؤهما للسيطرة على دول العالم، كذلك سعت وتسعى الولايات المتحدة إلى إحكام الهيمنة على الثروات النفطية في العراق ودول الخليج وأفغانستان وتسخيرها لخدمة مصالحها. والآن، هناك أخطر بكثير من هذا، حيث تحاول الولايات المتحدة تأمين ما تُسميه حماية دوليّة لنفط الخليج، بذريعة أن النفط ثروة عالمية يجب حمايتها، وهذه الحماية أَمْن للعالم أجمع وليست لدول الخليج حسب الادعاء الأميركي، هذا يعني إحكام السيطرة على هذا النفط لعقود طويلة. ومما يدل على ذلك المؤتمر الذي انعقد مؤخراً في الإمارات العربية وحضره ممثلون عن أكثر من خمسين دولة عربية وأجنبية لمناقشة هذا الأمر. إنه استعمار جديد بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.‏

وفي الجانب الثقافي، تعملُ الإدارة الأميركية على أمركة العالم بمختلف الأشكال؛ من خلال فرض نمط الحياة الأميركية والثقافة الأميركية على الدول والشعوب بذريعة نشر الديمقراطية وحماية الحريات والمساعدة على التنمية. شيء آخر مُهم وهو أن اللغة الانكليزية أصبحت هي اللغة المسيطرة في العالم ولدرجة أنها طغت على اللغات المحلية في العديد من البلدان، كما أن «الفاست فود» بات من أبجديات العالم.‏

وهناك أساليب وطرق أخرى كثيرة تستخدمها الولايات المتحدة للهيمنة على ثقافة العالم ولغاته وتاريخه وفق برامج مدروسة وتحت ذريعة جمعيات ومؤسسات ومنتديات بحجة حماية حقوق الإنسان وتنشيط المجتمع المدني، مع افتتاح مراكز تدريب خاصة للشباب، بحيث يتمُّ إعدادهم ليكونوا قادة يُنفّذون المطالب الأميركية في بلادهم مستقبلاً.‏

وهكذا يمكن القول أنّ العالم أضحى قرية أميركية صغيرة تديرها واشنطن. ولكن بالمقابل، بدأت الشعوب والدول تدرك أخطار الهيمنة الأميركية وانفراد واشنطن بقيادة العالم لاسيما بعد أن استعادت روسيا دورها على الصعيد الدولي بقيادة الرئيس /بوتين/، وبعد نهوض دول كبرى مثل الصين ودول البريكس التي تطالب جميعها بأنْ يتمّ الحرص على القانون الدولي وعلى سيادة دول العالم وعدم انتهاكها من قبل الولايات المتحدة. وهذا الاتجاه المُرحَّب به عالمياً ينمو عاماً بعد عام لينهي الأحاديّة الأميركية الظالمة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية