تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


في الميدان.. تتصارع بنيتان.. الوطنية والخارجية

شؤون سياسية
الثلاثاء 16-4-2013
بقلم: د. أحمد الحاج علي

يكشف الصراع الدائر في وطننا عن أبعاد مهمة ومتوالية تتوضح معالمها مع كل يوم في الصراع و من سمات هذه الأبعاد أنها اجتماعية أيديولوجية سياسية أي إنها تشكل المنصات الكبرى لفهم حقيقة ما يجري والاحتمالات الأكبر لما سوف تستقر عليه نهايات المعارك الطاحنة.

وهذه الأبعاد ليست مستحدثة أو مضافة إلى الجسد الاجتماعي والسياسي السوري و لكنها كانت في منطقة الظل وكانت محكومة بالآلية الفاشلة التي اعتمدتها أجهزة النظام في سورية والقائمة على أسلوب التلقين واحتجاز مهمة التحولات بالقنوات الرسمية و الحزبية للدولة والنظرة إلى المجتمع على أنه وعاء كبير مهمته أن يتلقف ما يصدر من الدولة وأن يسبح بحمد الإنجازات دون أن تتاح له الفرص المعادلة لقوة التحولات الكبرى للمشاركة في البناء و في التقويم معاً لقد طغى منهج فرض الكفاية على أسلوب العمل و التعامل مع الجماهير في حين أن الحياة الوطنية تبنى أساساً بطريقة فرض العين، و القاعدة تقول في ذلك أن ملكية الوطن لجميع أبنائه وإن مهام بناء الوطن لابد أن تأتي من جميع أبنائه أيضاً وبالتالي فإن سياق السؤال المهم هو أن نقول ما هي نسبة الطاقة المعطلة من أبناء الشعب وليس الاكتفاء بالتغني والاعتداد بالأعداد التي تمارس مهمة البناء.‏

وإن الطاقة التي لم تندمج في بناء الوطن وهي ذات مساحة واسعة إنما تجعل الناتج العام منقوصاً بنسبة الطاقات المعطلة ذاتها وفي الحياة السياسية والاجتماعية كما أسس لها الحزب و لاسيما بعد التصحيح كانت راسخة نظرياً على قيمة المشاركة وقيمة التأسيس باستمرار لما يجب أن يكون باستثمار ما هو كائن ومتحقق وبالتالي فإن المدى مفتوح على الزمن فلا إغلاق ولا تسوير للبناء ومفتوح على المجتمع، على الوطن بكامله فلا استئثار ولا احتجاز لدور الجماهير، ومن هنا فإن البنية الاجتماعية السورية بدت ناضجة فكرياً و أيديولوجياً ولكن هذا السقف عالِ ولم يتحقق في مستوى التشاركية والنقد ما يتوازى مع هذه البنية الفكرية المشعة وعلى سبيل المثال أهملت قطاعات كبيرة من الشباب سواء بالمقياس الكمي أو المضموني وسرعان ما وقعت شرائح كثيرة من المواطنين في براثن الخواء المسلكي والتيارات التجهيلية ولا سيما عبر أنماط متناثرة ومتكاثرة من الخطاب الديني الاسلاموي الذي يقوم على فكرتين متلازمتين، الأولى توسيع الهوة ما بين النظام السياسي وقيمه الثابتة حتى لقد عمم نمط من هذا الخطاب الديني فكرة فحواها أن لا علاقة للكثيرين بالنظام السياسي وكل علاقتهم بعد ذلك هي مع المريد الشيخ ومع ما يطرحه من انتماء للمجهول عبر السماء المفتوحة لكل من أراد، أما الفكرة الثانية فهي أن الخطاب الديني المزور والمشوش كان يفك العلاقة ما بين الشباب والنظام السياسي ويختطف الصبوة والفاعلية منهم إلى مجاهل أخرى ونسارع للقول بأن هذا الخطاب موزع ما بين النيات الحسنة و التربية المقصورة و المرصودة لهذه اللحظة والأساس في ذلك هو استثمار منطقة الفراغ مابين الفكر والتطبيق في النظام السياسي ومابين العلاقة المتضادة التي تحكم أهواء الشباب وتستولي عليهم وتؤكد لهم أن النعيم المطلق والعدل النهائي والمتعة غير المحدودة وفرص العمل إنما هي ليست على الأرض أو عبر النظام السياسي ولكنها في السماء وهناك موعد لابد أن يأتي عبر فكرة (الجهاد والشهادة) وهكذا فإن البنية الاجتماعية لم تتقدم في التحصين إلى فكرة البنية السياسية والتي أساسها التشاركية وإعطاء الدور وممارسة كل مواطن حصته في البناء وإدخال شرط النقد والتقويم كاتجاه مواكب ومستمر في كل مايعيشه الوطن السوري فعلاً من تحولات بنيوية هامة على المستوى المادي والمعنوي والتربوي ومع ذلك مازال مجتمعنا في بنيته سليماً معافى وقد بدأت في هذه الأيام مرحلة استعادة المقادير الطبيعية وصحوة أبناء المجتمع ممن شردوا إلى سياقهم الطبيعي في وطنهم وفي مواجهة موجة الإرهاب التي تستهدف الجميع الآن لعل الفضل النوعي في ذلك أي في هذا التحول القائم والقادم هو لأداء قواتنا المسلحة على الأرض قبل أي شيء وهو أداء قواعده تقع في الشهادة والانتماء الوطني المتبلور وفي حقائق استيعاب مواد الحياة كالعلم والتكنولوجيا وأساليب العمل السياسي والعسكري لعلنا بذلك نؤشر إلى المعادلة الطردية التي تتوضح الآن فمع اشتداد الهجمة الكونية تنهض عوامل العقيدة والخبرة والتطابق مع الميدان في كل يوم تزداد الهمجية شراسة وتزداد مساحات الانتصار عمقاً وأفقاً أيضاً ثم إن بطبيعة القوى المعادية لنا سياسياً واجتماعياً أثراً كبيراً في صحوة أبناء المجتمع وفي التحرك من منطقة الانحراف أو الانجراف عند البعض إلى منطقة العمل الوطني المسؤول والمحمي بقيم السماء ورسالات الأنبياء وتضحيات الأوفياء ذلك أن كل هذه المعاني يتناقض معها الإرهاب ويتناقض معها أيضاً الاغتراب ونعلم جميعاً بأن البنية السياسية والاجتماعية للقوى الهائجة على سورية من خلال فكرتي الارهاب والاغتراب باتت واضحة المعالم وهي تتناقض إلى الدرجة المصيرية مع البنية الأصيلة للمجتمع السوري ونستطيع أن نورد هنا ثلاث نقاط أساسية أولها أن مصدر التآمر والقتل هو أجنبي خارج حدود الوطن ومنبعه الأساسي في الغرب الاستعماري وفي الصهيونية وفي الماسونية وفي المراكز الرجعية العربية التي لاتجيد سوى شراء الضمائر واستهلاك البشر عبر استحداث الدور بدون مبررات صالحة وثانيها أن القتل والتدمير ونسف وجود الإنسان الحياتي وبنيته الفكرية والثقافية واختطافه إلى مجاهل متحجرة ذلك كله كشف الحقيقة والمستور وثالثها أن الوعي السوري من خلال الذاكرة المتوقدة والراسخة فعل فعله فكانت سيالة التنامي باستحضار مخاطر المؤامرة الكبرى من جهة وضرورات الانخراط في المواجهة الشعبية لموجات هذه المؤامرة من جهة ثانية وفي المصحلة فإن الصراع محتدم بين بنيتين وطنية سورية تتكامل الآن وهمجية أجنبية تتكشف وتتضاءل بصورة متزايدة الآن أيضاً.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية