تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بعد أن أصاب الجنون مختلف المنتجات المحلية ... أنماط استهلاكية جديدة تفرض حضورها لدى الأسر الريفية

دمشق
أسواق
الثلاثاء 16-4-2013
بشار الحجلي

يدرك السوريون جيدا المعاني والدلالات التي ينطوي عليها المثل القائل إن الحاجة أم الاختراع فالتكاسل الذي لحق بمعظمهم نتيجة الأنماط الاستهلاكية التي سادت قبل دخول البلاد في أتون حربها الضروس مع الإرهاب الدولي والعربي على أراضيها الطاهرة التي أصابت دعائم الاقتصاد الوطني

ودمرت البنى التحتية للبلاد وعاثت خراباً وفتكاً ونهباً وسرقة لمعظم المعامل والمصانع السورية حيث لم تفرق بين قطاع عام وخاص المهم أن تعيث خراباً في المنشآت الاقتصادية وتستهدف عمالها وخبراتها وفنييها ، وزادت على ذلك بأن وصلت يد الارهاب الأسود لتطال الحقول والأشجار والمنتجات الزراعية ومحاصيل الفلاحين وثرواتهم الحيوانية التي وجدت لدى تجار الموت طريقاً للتهريب خارج حدود الوطن لتحرم منها أبناء سورية الشرفاء الصابرين.‏

هذا الواقع لم يكسر شوكة السوريين، بل وكما هي عادتهم فقد صقلتهم الأزمة وفجرت ما بداخلهم من مبادرات خلاّقة تساهم في التسامي فوق الجراح النازفة وتقدم الحلول الممكنة لتجاوز تداعيات الأزمة المفروضة عليهم.‏

حلول مبتكرة‏

أبناء ريف دمشق وقرى القنيطرة جعلوا لأنفسهم ومنتجاتهم عدة أسواق ذات طابع شعبي قريبة من مركز العاصمة وقد تمكنوا خلال زمن قصير من اكتساب ثقة المستهلكين الأمر الذي يفسر الزحام الذي تشهده مناطق وجودهم ، حيث تعززت الثقة بين الطرفين المنتج والمستهلك من خلال نوعية وجودة المنتج الذي لا يدخله الغش فالفلاح يبحث عن الرزق الحلال والمواطن يحتاج مادة نظيفة وبسعر معقول وهذا ما توفره الأسواق الناشئة التي باتت تشكل ظاهرة محببة يرتادها الناس مقتنعين بوجودها.‏

الريف والعودة للأصول‏

ليس صحيحاً أننا كنا نعيش حالة مثالية قبل الظروف القاسية التي فرضتها الأزمة وتداعياتها على مختلف القطاعات الإنتاجية ومن المفيد هنا الاعتراف بأن الأسرة في ريفنا السوري عانت طويلاً من حالة الكسل والتراخي التي وفرتها الأنماط الاستهلاكية التي طغت على الواجهة الاجتماعية عموماً ، فهل من المنطقي أن يصبح الريف والقرى السورية تعاني أزمة رغيف في وقت كانت فيه البيوت البسيطة تصنع خبزها بيد أمهاتنا الرائعات فتحول التنور إلى حالة فلكلورية بعد انحساره لصالح المخابز والأفران وصار خبز التنور ضربا من التراث يصعب الحصول عليه لدرجة أن البيوت العامرة في ريفنا والجيل الجديد من الصبايا والأمهات الحديثات من بنات الريف لم يعدن يرهقن أنفسهن في صنع الرغيف وحلويات وفطائر الصاج وغيرها.‏

اليوم وبفعل الحلول الإبداعية عادت الأفران المنزلية وعادت المطاحن البسيطة تدور من جديد في بعض القرى لتصنع الدقيق، والجاروشة عادت للعمل من جديد تعطي البرغل والكشك وغير ذلك من مقتنيات المنزل التي تناساها الجيل الجديد وعادت المجدرة وطبخات البرغل سيدة الموائد كما أن الكثير من السيدات الريفيات عدن تزرعن الحاكورة بكافة أنواع الخضار الطازجة :نعنع ، بقدونس ، خس ، فجل ، بصل أخضر وبندورة وخيار وكوسا وباذنجان وغير ذلك في عودة مهمة للأصول.‏

هل نستفيد من التجربة؟‏

السؤال هنا أمام هذه الصور التي نحنُّ إليها جميعا كأبناء الريف السوري نطلق أمنياتنا بتعميم التجربة والتنبه لأهمية مثل هذه الأنماط الإنتاجية التي افتقدناها كل تلك السنين واستبدلنا كل ما حولنا بالمصنعات والمعلبات والمستوردات والله أعلم ، هي دعوة لإعادة إحياء مثل هذه الأنماط وعدم الاكتفاء بتشيعها عبر تنشيط المشاريع الصغيرة لأنها تمثل شكلا مهما من ابتكارات السوريين وصمودهم في وجه الأزمات التي نعيش اليوم أحد أبشع فصولها.‏

اليوم باتت المرأة في ريفنا تعيد الحياة من جديد للكثير من المسائل التي أهملناها بفعل ما سميناه تطورا وحداثة ومعاصرة وغير ذلك ، وتكفي الإشارة إلى أرقام استهلاك البيض والفروج التي تسجل جنونا استهلاكيا في ريفنا السوري لدرجة انعدام تربية الدواجن في الكثير من بيوت الريف وصار كل الاعتماد على ما تقدمه المداجن من منتجات وعندما كانت الأمور تسير بشكل جيد لم نكن نتخيل حدوث ضائقة في البيض والفروج وخاصة أن سورية تنافس على المراتب المتقدمة في إنتاجهما وتصديرهما حتى خلال الأزمة، والأكثر غرابة أن البيض البلدي صار نادرا في ظل تراجع تربية الدجاج والفروج البلدي ، فهل نستفيد من الدروس ونعود لإحياء ما تناسيناه من أنماط الاقتصاد المنزلي البسيط الذي فيه حل منطقي لمشكلاتنا مع الكثير من المواد الغذائية وأسعارها المرتفعة‏

نترك ما بدأناه لنتحدث عن وضع جديد يفرض نفسه على ساحة الاستهلاك المحلي في ظل قلة المنتجات من الخضار التي تستعد ربات المنازل لمونة الشتاء منها كالبازلاء والفول والبامية وغير ذلك من الخضار التي تشتهر بها بلادنا والتي يجري الاعتماد عليها في استهلاكنا المنزلي من عام إلى عام جديد.‏

والسؤال هل بالإمكان التسوق الجماعي لمواد المونة بشكل مباشر من أماكن انتاجها حيث يتعاون سكان الحي أو البلدة بشراء كميات كبيرة منها بسعر أقل وبذلك يتم التخفيف من غلاء هذه المواد وتوفيرها بأسعار مقبولة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية