بتاريخ مشاركة سورية في دورات الألعاب الأولمبية إذا ما استثنينا مشاركتنا في أولمبياد موسكو عام 1980 حيث تمتّ دعوة بعض منتخباتنا لهذه النهائيات بعد مقاطعة غربية لتلك الألعاب، وتأمل الرياضة السورية من خلال هذه المشاركة أن تضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، ولعلّ رفع العلم العربي السوري في القرية
الأولمبية في لندن هو الأبرز والأحلى وكلّ ما سيأتي بعد ذلك مجرّد تفاصيل تهمّنا كثيراً لكنها كما أسلفتُ لا ترتقي إلى مستوى وقوف العالم احتراماً للعلم العربي السوري وهو يمرّ أمام المقصورة الرئيسية في حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية القادمة..
منذ أن بدأت الأحداث في سورية في آذار 2011 بدأت خيوط المؤامرة الكونية بالتكشّف لدى كلّ السوريين، واتضح منذ البداية أن هذه المؤامرة لن تترك شيئاً من شرّها، من السياسة إلى الاقتصاد، ومن الثقافة إلى الإعلام، ومن رغيف الخبز إلى دواء الأطفال وأغذيتهم، ومن الأشخاص إلى المؤسسات، ومن السياحة إلى الرياضة، ولأن كلّ الجوانب المذكورة كانت ضمن التوقعات باستثناء الرياضة التي غالباً ما شكّلت القاسم المشترك الوحيد بين الأمم على الرغم من اختلافها وتناقضها
وتضارب مصالحها وتعارض مواقفها فإننا سنتوقف في هذا المقال أمام المشاركة السورية في أولمبياد لندن 2012 باعتبار هذه المشاركة تحديّاً سورياً وطنياً لمحاولات تغييب سورية عن كلّ الميادين العالمية، والنجاح المضاعف الذي حققته الرياضة السورية في هذا التحدّي من حيث العناوين والنتائج دون الخوض في المستويات أو بما قد تحققه رياضتنا في هذه الاحتفالية الأولمبية العالمية معرّجين على بعض حالات الهيمنة التي حاولت المنظمات الرياضية العالمية فرضها على الرياضة السورية وكيف تصدّت رياضتنا الوطنية لهذه المؤامرة...
مؤشرات ودلالات..
بعد أقلّ من شهر على بداية الأزمة في سورية بدأت بعض الأقلام المأجورة في صحف ناطقة بالعربية الحديث عن غياب الأمن والأمان عن الملاعب السورية، وبدأت هذه الأقلام الحاقدة تتحدث عن ضرورة نقل مباريات الفرق والمنتخبات السورية خارج سورية، ولأن كلّ شيء مخطط له في دوائر الإثم والعدوان، ولأن الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" ليس أكثر من أداة فقد كان قراره بمنع المنتخبات السورية من اللعب في ملاعبها، وكان امتصاص الرياضة السورية لهذا القرار جيداً ومدروساً وكان القرار استمرار المشاركة على الرغم من الظلم الذي تعرضت له الرياضة السورية وعلى الرغم من مطالبة بعض الإعلام الرياضي السوري بالانسحاب احتجاجاً على هذا الظلم، لكن مناقشاتنا كرياضيين بعيداً عن الإعلام أجمعت على ضرورة قلع عين المؤامرة، فاستمرت منتخبات كرة القدم في تصفيات كأس العالم وتصفيات أولمبياد لندن ولعبنا جميع المباريات خارج سورية وكاد منتخبنا الأولمبي أن يصل إلى لندن، لكن ما عجز عنه منتخب كرة القدم نجح في تحقيقه أبطال الفروسية وألعاب القوى والسباحة والملاكمة، الأمر الذي أزعج أولاد الشيطان وأعوانه فتحرّكوا لعرقلة سفر بعض القياديين السوريين المرافقين للبعثة إلى لندن من خلال تأخير منحهم الفيز في مخالفة واضحة للقانون الأولمبي ومن خلال منع سفر والد بطل الفروسية أحمد حمشو، وقد توقعنا هذا قبل أن يحدث وقد حدث، ونكرر أننا لسنا في سياق قراءة هذه المشاركة فنياً أو استعراضها تاريخياً وما نريد التركيز عليه هو وعي الإنسان السوري وقوته من جهة، وبشاعة وقرف المتآمرين من جهة أخرى لنصل إلى السؤال الأهم وهو: هل ستقف المؤامرة عند هذا الحدّ؟
إلى لندن
بذكريات جميلة
ستحضر البعثة السورية في منافسات دورة الألعاب الأولمبية بعشرة لاعبين إن شاء الله، وسنكون مع هؤلاء الأبطال قلباً وقالباً فتحقيق أي ميدالية أولمبية في لندن سيكون نصراً سورياً حقيقياً بكل ما للكلمة من معنى، ومن محاسن صدف الألعاب الأولمبية بالنسبة للرياضة السورية هو أن أول ميدالية سورية بتاريخ الألعاب الأولمبية والتي حققها المصارع الذهبي جوزيف عطية كانت في أولمبياد لوس آنجلوس في الولايات المتحدة الأمريكية وكانت ميدالية فضية وكان مصارعنا الذهبي جوزيف عطية يستحقّ الميدالية الذهبية بشهادة جميع المراقبين ولكن حكام النهائي انحازوا بشكل فاضح لمنافسه الأمريكي خاصة وأن اللجنة الأولمبية الأمريكية حاولت قبل الأولمبياد المذكور أن تغري المصارع جوزيف عطية باللعب باسم أمريكا لكنه رفض وتمسّك بجنسيته العربية السورية وباللعب تحت العلم الأغلى في العالم، وقد استقبله بعد الأولمبياد الرئيس الخالد حافظ الأسد رحمه الله ووجّه بتأسيس ناد في قرية عمار الحصن التي ولد فيها المصارع عطية وقد حمل النادي اسم البطل الأولمبي جوزيف عطية، ومن صدف دورات الألعاب الأولمبية الجميلة للرياضة السورية هي أن ثاني ميدالياتنا الأولمبية وأول ميدالية ذهبية تحققت أيضاً على الأراضي الأمريكية في أولمبياد أطلنطا 1996 عبر الغزالة السمراء بطلة السباعي غادة شعاع والتي فرضت على الأمريكيين أن يقفوا بخشوع ويستمعوا للنشيد العربي السوري " حماة الديار عليكم سلام" وتلفّ غزالتنا السمراء جسدها وروحها بالعلم العربي السوري وتطوف متشحة به أمام الجمهور الأمريكي الذي اضطر للوقوف احتراماً للبطلة العربية السورية غادة شعاع والتي استُقبلت استقبال الأبطال المتميزين حين عودتها من الولايات المتحدة الأمريكية بموكب سيّار لم تشهد له دمشق مثيلاً، حتى أن إذاعة "مونتي كارلو" قالت في نشرتها الصباحية في اليوم التالي لفوز غادة شعاع بالميدالية الذهبية: ( استبدل السوريون كلمة صباح الخير بكلمة مبروك بعد فوز غادة شعاع بذهبية مسابقة السباعي في أولمبياد أطلنطا) وقد حظيت البطلة غادة شعاع بكل التكريم الذي يليق بها واستقبلها القائد الخالد حافظ الأسد..
السيناريو الذي ننتظره
في أولمبياد أثينا 2004 حضرت الرياضة السورية على منصات التتويج أيضاً عبر الملاكم ناصر الشامي الذي أحرز الميدالية البرونزية وهي ثالث ميدالية أولمبية لسورية، وننتظر أن تحضر الميدالية الأولمبية السورية الرابعة في أولمبياد لندن ونتمناها ميدالية ذهبية ليُعزف النشيد العربي السوري هناك، كأحسن ما يكون الردّ على المؤامرة الكونية التي تتعرض لها سورية من جميع الأبواب والمنافذ، ولدينا ثقة كبيرة بأبطالنا المشاركين في الأولمبياد وبالروح الوطنية التي يتحلون بها والتي ستثمر بإذن الله ميدالية أولمبية على أقلّ تقدير، لا لنفاخر بها كإنجاز رياضي وحسب، بل لأن ذلك سيكون موقفاً وطنياً ونصراً حقيقياً نثبت من خلاله أن المتآمرين لن ينالوا من الإنسان السوري مهما كان الميدان الذي يتواجد فيه..
المؤامرة لم تنتهِ
لم تقف المؤامرة عند ما عرضناه وسردناه ولن تتوقف عنده، وسيحاولون باستمرار الضغط على السوريين بمختلف المحافل، وهذا يفرض على رياضتنا والتي تضمّ بين جنباتها خيرة الشباب السوري أن تبقى على وعيها وتحفزّها للردّ على كل المحاولات، وأن تبقى واجهة نقدّم أنفسنا من خلالها بـ " أخلاق الرياضة" وبقوة تحفّزها وقدرتها على كسب رهان المنافسة..
هكذا نفهم الرياضة وهذا هو الدور المطلوب منها، وهكذا يقود شبابنا هذه الرياضة ويؤطرونها بروح المسؤولية وبالوعي الذي أذهل العالم وتصدّى لكل محاولات النيل من سورية الحبيبة.