تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أمل ما بين العيــــديــــن

الخميس 27-12-2012
شهناز صبحي فاكوش

في الأيام العصيبة نفقد قامات وطنية فهذا فقيد الكرسي الأنطاكي «هزيم» ويليه في مسير القافلة شيخ العقل «حسين جربوع» لننظر في قساوة الأزمة التي تعصف بالوطن الغالي.

في تعزية البطريرك هزيم كانت تتبادل الكلمات بين المعزين والمتلقين المسيح قام.. حقاً قام.. عبارة أخذتني إلى حال الوطن اليوم هل يمكن لنا تيمناً برسول المحبة أن نقول في لحظة فيها الكثير من نكران الذات، سورية قامت.. حقاً قامت.. فيما نردده بيننا لابد أن تقوم سورية وتنهض من جديد لتكون المتجددة في غدٍ يمحو مرارة عصاب هذه الأيام...‏

في الأعياد كان التهافت إلى دمشق وحلب ومدن سورية جميعاً من أبنائها في الخارج.. حيث يلتئم شمل الأسر ويشعر المغتربون بدفء الأهل والوطن، وجمال سورية في زينتها في الأعياد الإسلامية والمسيحية فالكل يحتفي بالكل، شجرة الميلاد تزين بيوت المسلمين كما المسيحيين لأنهم يستشعرون أن هذه الشجرة المباركة عندما تشعل أضواءها تنم عن نور غامر لعام قادم وخير كثير... والكل يحتفي بدخول سنة جديدة يكبر فيها المرء بانتظار عطاء الرب حيث الخير الذي لا ينضب...‏

ويستذكر المرء أن رحمة الله من السماء هي الغيث الذي يرطب الترب والقلب، ليمسح بعضاً من معاصي المرء الكثيرة. لكن المتقدمين في السن يقولون دائماً لولا الزرع والضرع، والشيخ الكبير، والطفل الصغير، لما نزلت رحمة الله على الأرض ويعنون المطر... فليغثنا الله برحمته مطراً وحباً لهذا الوطن ببركة دعاء كل الأفواه الطاهرة المتضرعة في الأيام المباركة..‏

هل من أمل في ما بين العيدين ونحن نعيش رحابها اليوم، أن تضاء في القلوب شموع المحبة فَتُلقِي الأكف السلاح لترتفع في ضراعة إلى الله عز وجل أن يغفر الذنوب والآثام جميعاً ويرحم الجميع بغفرانه... وتقوم سورية من جديد وندرك بالملموس والمحسوس أنها حقاً قامت..‏

أذكر في ما بين الأيام عندما فقد الراحل الأديب الدكتور عبد السلام العجيلي ولده رحمهما الله في مثوى الجنان، عَزَّته رفيقة القلم والأدب السيدة كوليت خوري بكلمات ثلاث كانت أبلغ من معلقة، قائلة (عاد السيف لغمده). كم من السيوف عاودت أغمادها اليوم. صحيح أننا من التراب خلقنا وإلى التراب نعود، لكن التراب السوري اليوم ناء بما حمل، وارتوى لحد الإشباع من الدماء. فقد تغمد التراب الطاهر في كل بقعة منه سيفاً، في الجنائن والساحات وفي البقع الخضراء والحقول والبساتين. ما عادت الدروب سالكة لتصل الرفاة حيث يجب أن تكون..‏

من قال إنها أيامٌ سوريّة.. هي خارج السياق والتاريخ.. خارج الطبيعة والعرف.. لها ما شابه ولكن ضد عدو ظاهر وما أصعب الأيام مع عدو خفي، تتهيب ظهوره في أي لحظة وتَحْذَر وجوده ذات اليمين وذات الشمال.. عبوة هنا وسيارة مفخخة هناك، مقذوف هنا وطلقة من بعيد.. ورائحة الحريق والشواء لأجساد غادرتها أرواحها قسراً بلا ذنب... الشهادة مطلب ومراد... ولكن لنوفرها في مواجهة عدو درسنا الاستعداد لمواجهته مع حليب الأمهات وبين ضفاف الكتب. لكن أن يتحول العدو إلى شبح بِلَبوس أبناء الوطن، متخفياً خلف أرواحهم ووجوههم، يرفع سلاحه بأكفهم فيقتل بعضنا بعضاً، فما كان لِيُرى في الأحلام هذا المشهد إلا كابوساً يستفيق منه المرء فَزِعَاً..‏

أما هؤلاء الملأى بالمثالب، الغثاء الذي يزحف إلى أرضنا فيدنسها تحت شعار الجهاد فليرمهم الله بما يشاء وليحممِ سوريةَ سهماً في كنانته وليتقبل الصلوات والدعاء.‏

وليثوب الضالون عن غيّهم وليسمع العقلاء والحكماء وليهتدي كل إلى رشده.‏

وليسقط السلاح إلى حين يوجه إلى حيث ما يجب أن يكون، إلى عدو سرق الأرض والشجر واغتصب التراب والحجر.. ويمارس اليوم لؤمه وخبثه في انتزاع الخير من القلوب والحكمة من العقول، ويدس السم الآفن بين الأهل وأبناء الوطن حيث لا غالب ولا مغلوب. فالخاسر الوطن والرابح هو العدو التاريخي الذي نعرف، وكبرنا على ضرورة دحره. وإذ بنا نَدْحر ونَغْتال بعضنا بعضاً، وهو يشرب أنخابنا، وينتظر يوم ينتصر علينا عندما يتحطم الوطن، ونعود إلى القرون الوسطى، أو إلى مبتغاه حيث العصر الحجري، ما قبل الجاهلية الأولى...‏

في لحظة صحوة نترك فيها كل ما كان في طي صفحة، ولنشعل شمعة للعام الجديد. بعيداً عن مزيد من الخراب والدمار وتكسير السيوف.. فلحظة التوقف خير ألف مرة مع ما حصل من خراب، من التمادي في الغيّ لمزيد من الدمار وإزهاق الأرواح. هي لحظة نحتاج فيها فقط للعقل ننتصر فيها للوطن وأهله. ونصلي ليحفظه الله بأبنائه.‏

ونطبّق الدعاء على الأرض فيحل السلام... وتنتهي رحلة الآلام...‏

هل من فرح في العام الجديد.‏

سؤال ينثره أبناء الوطن باستجداء.. لمن يهمه الأمر.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية