تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تناقضات السياسة الفرنسية

شؤون سياسية
الاثنين 4-3-2013
 د . أحمد نزار الوادي

إن فرنسا هولاند لا تختلف كثيراً عن فرنسا ساركوزي ، إذ إن السياسات والاستراتيجيات الكبرى تحدّدها المصالح الحيوية للدولة، وإذا كان ساركوزي قد أرسل طائراته وعينه على آبار النّفط الليبية ، ما حدا ببارلسكوني أن يصرّح ودون مواربة:

«ما حدث في ليبيا جرى وفق قرار للحكومة الفرنسية بالذهاب إلى هناك والتدخّل في نزاع داخلي وتقديمه أمام المجتمع الدولي في إطار ثورة»، فإنّ فرانسوا هولاند أرسل قواته لوضع اليد على مقدّرات مالي وثرواتها الطبيعية مثل مناجم اليورانيوم المالية النيجيرية بحجة القضاء على التهديد الإرهابي للقاعدة والجماعات الداعمة له لذلك فإن استهداف الإرهابيين في مالي هو تناغم مع الدولة وبنفس الوقت فإن فرنسا تمارس عكس ذلك من خلال دعمها للإرهابيين في سورية وهذا دليل واضح على الانتقائية والتناقض في الأداء دفاعاً عن المصالح الاستراتيجية الفرنسية والأمريكية والغربية وليس بدافع الديمقراطية وحقوق الإنسان وبالتالي فإن العملية في مالي تشير بوضوح إلى التوجه الفرنسي نحو الحركات الأصولية الراديكالية، ففي البلدان التي تكون فيها المصالح الجيوسياسية والاقتصادية لباريس تتعارض مع خطط الحركات الأصولية الراديكالية يتم استخدام القوة العسكرية للقضاء على تلك الحركات وقد اتضح ذلك في مالي من خلال القضاء على التهديد الإرهابي للقاعدة، فالفرنسيون الذين يوهموننا أنهم بعدوانهم هذا إنّما يحاربون «الإرهاب» ويجتثّون حركات تهدّد الأمن والسلم العالمي هم أنفسهم مع أمريكا والغرب من زرعوها ودرّبوها وسلّحوها ولم يعد خافياً أن الدول الغربية الاستعمارية التي تتلطى بشعارات الديمقراطية والحرية وحرصها على الأمن والاستقرار تعمل في حقيقة الأمر على دعم العدوان والإرهاب وتمول مرتكبيه بكل أدوات القتل والتدمير بصورة مباشرة أو عبر عملائها وأدواتها حماية للمصالح الرستراتيجية .‏

فالاستراتيجيون وصنّاع القرار في الولايات المتحدة ، أسّسوا لسيطرة هذه الجماعات «الجهادية» المتمركزة في المنطقة، على قوس يخترق أهم المصالح الاستراتيجية الفرنسية والغربية عموماً ، في منطقة تتجاوز مساحة القارة الأوروبية ذاتها بدءاً من مالي فموريتانيا فالنيجر نظراً لوجود مناجم ضخمة لليورانيوم حيث حصلت هناك شركة أريفا الفرنسية على امتيازات استغلال مناجم اليورانيوم منذ عقود، وهي التي تزوّد ثلث المفاعلات المنتجة للطاقة في فرنسا بالوقود النووي وهذا ما يفسّر الإنزلاق الفرنسي فوق رمال مالي الحارقة وتكبّد مغامرة الغرق في حمم «قوس الأزمات المجهول» كما توصّفه صحيفة الأندبندنت البريطانية في افتتاحيتها، قوس مُمتدّ من باكستان إلى سورية .‏

صحيح أن «مالي قد تشكّل ملاذاً للقاعدة وللحركات المسلّحة لفترة وجيزة فقط» وذلك لأن «تضاريسها تختلف عن تلك الجبلية الوعرة الموجودة في أفغانستان» كما يتوقّع مارك شرودر محلّل شؤون أفريقيا في مؤسسة ستراتفور للتوقّعات الاستراتيجية والأمنية، إلاّ أنّ التداعيات الخطيرة للتدخّل العسكري الخارجي، «ستؤجّج التوتّرات المحلّية وتترك ارتدادات دموية تنتشر إلى ماوراء حدود البلاد، مما قد يزيد من خطر امتداد الهجمات «الإرهابية» إلى دول أخرى وسيفرض تحدّيات جسيمة ليس فقط على الولايات المتحدة وأوروبا فحسب بل على كلّ الدول المجاورة. ولعلّ هذا ما دفع بمدير مجلس الناتو بواشنطن المعني بأفريقيا بيتر فام إلى اعتبار أن ما يجري في مالي «شبيهاً إلى حد كبير بما كان يحدث في أفغانستان في الفترة التي سبقت هجمات 11 ايلول، في ظل تدفّق تنظيم القاعدة وجماعات أصولية أخرى من دول مجاورة إلى مالي», كما أن روبرت فيسك هو الآخر يوصي «بعدم المراهنة على نهاية سارّة» حيث يعتبر «أنّ الفرنسيين بغطرستهم التي تشبه غطرسة الأميركيين والبريطانيين في حربهم العبثية على «الإرهاب» لم يفكّروا عندما أرسلوا جنودهم للقتال في مالي في الوقت نفسه فإن القيادة الفرنسية تستمر في دعم العصابات المسلحة في سورية التي يقاتل في صفوفها عدد كبير من الأصوليين الإرهابيين التكفيريين وإرهابيي القاعدة الساعية لإقامة الخلافة الإسلامية في سورية وهذا بعيد المنال عنهم , وبالتالي فإن هذا الإرهاب الذي تدعمه وتباركه فرنسا وأمريكا والغرب وتركيا ومشيخات الخليج العربي هو الذي يريد تدمير سورية اليوم وهذا بعيد المنال عنهم أيضاً ، أليسوا هم من رعوه ووفروا له سُبل التناسل كالفطر السام، يستثمرون فيه ويبتزّون به ,هذا عن الإرهاب، فماذا عن الاستقرار الإقليمي؟ أليست الولايات المتحدة الأميركية وحلف شمال الأطلسي من أغرقوا ليبيا بالأسلحة بل تركوا عمداً مخازن العتاد للنّهب والسرقة دون رقيب أو حراسة وفّروها سريعاً لآبار النفط أياماً قبل التدخّل، حتى بلغ بعضها تونس والجزائر ومصر ونيجيريا أيضاً. ألم تعمد وزارة الدفاع الأميركية إلى رصد ميزانية قُدّرت بحوالي 40 مليون دولار من أجل شراء أو استرجاع صواريخ ستينغر الضائعة والتي بلغ عددها 20 ألفاً ولا تزال تشكّل كابوساً أمنياً؟ لماذا تعاموا عما لا يقلّ عن 250 سيارة مشحونة بالأسلحة خرجت من ليبيا وتوجّهت إلى شمال مالي وهم من يملكون إضافة لكل أقمارهم وأساطيلهم ووكالات استخباراتهم أسراباً من الطائرات دون طيار المُعلن منها والمخفي، تتنصّت وتمسح وتراقب كل صغيرة وكبيرة, فلماذا لم يعلن الغرب وخاصة فرنسا عن تقديم الدعم اللوجستي للقوات السورية وهي تخوض حرباً كونية هي الأشرس من نوعها ضد الإرهاب الذي تجذر بعد مرور عامين على قدومه من الخارج فازدواجية المعايير التي يمارسها الغرب تمثل السبب الرئيسي لكل الأزمات في العالم ،ومع هذا فإنه يصبح من الواضح بشكل متزايد أن الولايات المتحدة وفرنسا وغيرها من الدول الغربية تعتبر هذه الحركات الراديكالية الأصولية حليفاً مؤقتاً ووسيلة لتحقيق أهدافهم في سورية .‏

ويمكن القول إن المعارضة المسلحة وإرهابيي القاعدة تستخدمهم أمريكا وفرنسا والغرب وتركيا«وقوداً للمدافع كلحم مدمر» في سورية حيث إنه من الواضح أن الغرب لن يسمح للحركات الأصولية بتنفيذ مخططها في تحويل سورية ومنطقة الشرق الأوسط إلى منطقة أصولية وخاصة مع وجود إسرائيل فيها وسيتم القضاء على هذه الحركات الأصولية لاحقاً ، ومن الممكن أن يتم ذلك وفقاً لسيناريو مالي بعد توفير ذريعة لذلك , حيث إن المنظمات الإرهابية الأصولية المشاركة في سورية وعلى رأسها جبهة النصرة التي هي في رأس قائمة الإرهاب تتلقى الدعم المالي واللوجستي والمادي والأسلحة وبالإضافة إلى تشجيع عملية انتقال الأصوليين إلى سورية من مختلف أنحاء العالم وذلك بتمويل من مشيخات الخليج العربي وتسليح من إسرائيل وغيرها وبنفس الوقت فإن الغرب يضعهم تحت المراقبة اللصيقة حتى يمكنه التغلب عليهم في أي وقت يريد , مع ملاحظة أن فرنسا استغلت تنامي وجود هذه التنظيمات المتطرفة والإرهابية السلفية التكفيرية في سورية فوضعت برنامجا لاستخدام تلك التنظيمات بما يخدم مصالحها , فالقوى الرئيسية للأصوليين بمن فيهم من القارة الإفريقية تم توجيه فكرهم الجهادي باتجاه سورية وبناءً على ذلك اختارت باريس الوقت المناسب لعمليتها في مالي بهدف الاستيلاء على ثرواتها الطبيعية .‏

وهكذا نجد أن الولايات المتحدة تشارك في كافة الصراعات المسلحة في العالم حماية لمصالحها الاستراتيجية من خلال تكليف الدول الحليفة لها للقيام بهذه المهمة :فرنسا في مالي وتركيا وقطر في سورية على سبيل المثال بمساعدة من الدول «المحلية» القريبة من مواقع الصراعات والأعضاء في التكتلات الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية