من خلال الغوص في تفاصيل البيئات والحضارات وما تحمله من نمط معيشي وتفكيري وتراث وعلوم، وقد استطاع المترجمون كل من موقعه أن يأخذ على عاتقه وبأمانة كبيرة أن ينقلوا آثار الآخرين وتقديمها لنا بالشكل الموضوعي، والمهني المطلوب، فما هي معاييرهم في اختيار ترجماتهم وهل حقاً يستطيع المترجم أن يكون موضوعياً..
د.حامد فرزت أستاذ اللغة الفرنسية في جامعة دمشق والبعث اختصاص لسانيات» تحليل خطاب السيميائية» له العديد من الترجمات في الأدب والسياسة و له ثلاثة كتب مترجمة من العربية إلى الفرنسية يقول: إن ثمة معايير ثلاثة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند اختيار الكتاب المترجم وهي» القارء، البيع، الفائدة العلمية» أي كان المجال الذي يتم الترجمة منه أدبياً أم علمياً أم سياسياً، ولكن بالطبع توضع الفائدة في قائمة الخيارات مع أننا لاننكر أهمية الفائدة المادية، وهناك العديد من المشاكل التي تصادفنا وهي متعلقة بالكتاب بحد ذاته فالمترجم لايعمل لوحده بل يعمل مع دار الطباعة والناشر وأصحاب المكاتب وجميع من لهم علاقة في ايصال الكتاب إلى القارئ وعلى المترجم أن يوازن بين كل هذه العوامل فربما ارتأى فائدة كتاب معين فلا يجاريه الناشر في ذلك فما يهم الناشر في الغالب الفائدة المادية لذا تظهر هنا أهمية المؤسسات العامة في تبني طبع ونشر الكتب، بغض النظر عن ريعها المادي لذا نتمنى أن يتعمق دورها وأن تتجاوز الضوابط الموضوعة عليها إلى حد ما، وأن تولي أهمية أكبر لموضوع الكتاب ونشر المعرفة، ويضيف:
أن الترجمة ليست خيانة بالمعنى المفهوم للكلمة بل ربما هو عجز عن تأدية المعنى كما هو وعن تأثيره على المستمع، فمهما كان المترجم دقيقاً يصعب عليه أن يؤدي المراد الأساسي للكاتب المؤلف فالمشكلة تتعلق قبل كل شيء باللغة والتفكير الاجتماعي، فمثلاً علاقة الكلمات بالنحو يعطي بعداً للمعنى وهذا البعد قد لانجده في نحو اللغة الأخرى لأن النحو بحد ذاته يختلف من لغة إلى لغة، فما يمكن أن يؤديه تركيب جملة ما في لغة لايمكن أن يؤديه تركيب مماثل في لغة أخرى، من مثل» ترتيب الكلمات في اللغة العربية يعطي صدر الجملة للفعل ثم يأتي الفاعل فالمفعول به فالظروف المكانية، أما في اللغة الفرنسية مثلاً فتعطي صدر الجملة للفاعل وتسميه موضوع الجملة، هذا الاختلاف الذي يراه البعض بسيطاً يؤدي دوراً أساسياً في تكامل عملية انتاج المعنى..»
بغض النظر عما تعنيه الكلمة في بيئة ما وما تعنيه في بيئة أخرى من مثل كلمة محبة في اللغة العربية التي تعطي دلالات واسعة ولا نجد ذلك في الفرنسية، هذا بالطبع إن بقينا في عالم النثر، أما إذ انتقلنا إلى عالم الشعر فالترجمة تواجه مشكلة أكبر بدءاً من الأوزان الشعرية مروراً بالصور البلاغية، فالمشكلة ليست في معاني الكلمات ولكن في صيغ اللغة الأخرى المختلفة عن لغة الأم. فالترجمة هي خيانة لكن المترجم الفنان يحاول قدر الإمكان أن يعيد إنتاج النص بأكثر ما يمكنه من وفاء لفكرة الكاتب، لأن للكاتب طقوصه في كتابة نتاجه لايستطيع المترجم استعادتها.
وبالنسبة لي أسعى دائماً إلى ترجمة ما يتعلق باختصاصي في الأدب لأني أعتبر أن المترجم هو جسر بين الحضارات وأجمل ما أنتجت الحضارات آدابها، وهذا لايعني بالطبع أني لاأعطي للعلوم الأخرى أهمية ولكني أجد نفسي في عالم الأدب الذي يصور بشكل أو بآخر المجتمعات الأخرى بكل تفاصيلها، فالأدب هو وعاء لكل العلوم، نجد فيه السياسة وعلم الاجتماع والعلوم التطبيقية، فمثلاً لانستطيع ونحن نقرأ روايات هيغو إلا أن نتذكر تاريخ الثورات الفرنسية وفي قصة البؤساء لايمكن إلا أن نشعر حالة البؤس التي تمر بها فرنسا، وهذا ليس تقليلاً بالعلوم الأخرى.
نحن بحاجة لإيجاد مراكز متخصصة ودور للترجمة تلاحق كل جديد في العلوم التطبيقية والاجتماعية التي تكتسب أهميتها من سرعة متابعتها، وأذكر هنا أن في اتحاد الكتاب جمعية ترجمة لكنهم يعيرون الاهتمام الأكبر للكتب المترجمة للعربية، لكني تمنيت على رئيس الاتحاد أن ينظر لأهمية الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى لأن المترجمون هم جسور بين الحضارات وجسر يعبر عليه بإتجاهين وهذا يكون بحق العمل الحقيقي للمترجم ولا أنكر أن مجتمعنا وعى هذه القضية لذا نشهد حركة كبيرة للترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى لنعمم ثقافتنا وحضارتنا إلى الآخرين لأن المستشرقون هم من كانوا يقومون بهذه المهمة ولا شك أنهم لعبوا دوراً ليس بالمحمود وكتبوا تاريخنا بحبر زائف بل بحبر حاقد، وإن كان منهم موضوعياً إلى حد ما، أليس الأحرى أن نقوم نحن بهذا العمل.
ربما يكون العمل بالترجمة عملاً غير رابح وهذا يتطلب وجود مؤسسات كبرى من القطاع العام أو المشترك تشجع هذه العملية وتتبنى هذه القضية لكي لا يتم تشويهها ولكي لا تكون عملية الترجمة انتقائية تركز على جانب وتنسى الآخر كما يحدث الآن لنبين أن وسطنا الثقافي منذ القديم كان وسطاً منفتحاً متنوراً وجد فيه الغزالي وابن رشد وغيرهم الكثير.
وحقيقة أنا من أول المشجعين لهذا الأمر وأطالب دائماً بذلك وحديثاُ تقدمت إلى اتحاد الكتاب بكتاب مترجم من العربية إلى الفرنسية.