لكن, وإن اعتبر البعض بأن الترجمة خيانة للعمل المترجَم, إلا أن البعض يعتبر بأن التصرُّف بها ضرورة تتطلّبها الموسيقا والألفاظ العربية, ليكون لكلِّ مترجمٍ رأيه في هذا الموضوع, وسواء اختار ما يترجمه لقارئٍ أراد منحه الفائدة الأدبية أو حتى بما يعود عليه شخصياً بالفائدة المادية..
إذاً, ولأننا نريد توخي الحذر في هذا الموضوع, سألنا بعض المترجمين عن ذلك مثلما عن نوعية الكتب التي يفضِّلون ترجمتها, وأيضاً, عما إذا فكَّروا بالترجمة من العربية إلى اللغة التي يقومون بترجمتها..
أترجم الكتب الفكرية الصعبة, ويعنيني القارئ العربي
عبود كاسوحة - مترجم عن الفرنسية:
القسم الأكبر مما أترجمه يتعلق بالكتب الصعبة, أي الفكرية, علماً أن ترجمة الروايات والمسرحيات أجمل وأسرع لكن, قد تكون حاجتنا لتلك الكتب الفكرية, أكبر بكثير.
أنا أترجم حسب حاجة مكتبتنا العربية لهكذا كتب, أو حسب حاجة المجتمع, ودون أن أنسى القارئ الذي أضعه بالدرجة الأولى من اهتماماتي لطالما, هو من يجعل المترجم إما متميزاً أو فاشلاً..
أما عن الخيانة في الترجمة, فالخيانة تعود إلى أيام الرومان وهي ليست جديدة العهد لكن, إذا كان المترجم أمام نصٍّ مكتوب, تظهر قدرته وبراعته, وأنا أراعي في تعاملي مع النص الأصلي, أن تعجب ترجمتي القارئ العربي عموماً..
ربَّما ولأن لغتي الفرنسية كلها من صنع سورية - جامعة دمشق, ولأني لم أغادر إلى فرنسا, انصبَّ كل تفكيري على الترجمة إلى العربية. لغتي التي لا أفكر إلا بها عندما أكون وحيداً, علماً أنني أعمل كدليل سياحي, وأعتقد بأن عليّ أن أعيش في فرنسا سنوات طويلة لأفكر بالترجمة عن العربية, وبعد أن يُدهشني النص بالدرجة ذاتها التي يدهش فيها القارئ الفرنسي.
بالنسبة لترجماتي, فكما قلت فكرية ككتاب «ما الديمقراطية» وهو لـ «ألان تورين» أحد أشهر العلماء الفرنسيين في القرن العشرين. أيضاً, كتاب «فيلسوف عصر الأنوار ديدرو» هذا الفيلسوف الذي تجاوزت شهرته في فرنسا وأوروبا, شهرة «فولتير» و«روسو» و»مونتسيكو» الذين تُرجموا في مطلع القرن العشرين إلى العربية, لكنه اعتبرَ ملحداً رغم احترامه للإنسان ودعوته لإعمال العقل, أي نفس فكر «أبو العلاء المعري»..
أيضاً, ترجمت كتاب «رسالة حول العميان» والآن عادت هذه الفكرة إلى ذهني, بعد قطع رأس تمثال «المعري» و«طه حسين» ولو كان هنالك تمثال للشاعر «بشار بن برد لقطعوا رأسه أيضاً, وبعد أن اتهموه بالزندقة. كذلك, ترجمت كتاب «ابن شقيق رامو» وهو يعالج المجتمع الفرنسي بطريقة قريبة من القارئ, وهو لـ «ديدرو» الذي لقِّب بسقراط لأن جميع كتاباته ورواياته قدِّمت مسرحياً لما فيها من حواريات.
الكتاب الذي ترجمته بعدها هو رواية «جاك المؤمن بالقدر» ومن ثم «حلم دالامير» وهو فيلسوف عصر الأنوار ومن صانعي الموسوعة الفرنسية.
أخيراً, ولأن العالم بات عبارة عن قرية واحدة, أرى بأن من الضرورة أن يعرف كل منا الآخر ويغوص في أعماق فكرهِ وحياته, وحتماً لا يكون ذلك إلا عن طريق الترجمة التي هي السبيل الأمثل لحوار الحضارات..
أترجم حسب اهتماماتي وغامرتُ بالترجمة من العربية
ملكة أبيض - مترجمة عن الفرنسية:
أختار الكتاب الذي سأترجمه حسب اهتماماتي التي هي, التربية وعلم النفس وأدب الشباب وأدب الأطفال, وكل ما ترجمته كان حسب اهتماماتي لكن, أضطرُّ أحياناً, وحسب الظروف والمناسبات التي يمرُّ بها الوطن, لترجمة ما يناسب تلك الظروف والمناسبات..
مثلاً, عندما كانت «دمشق» عاصمة للثقافة العربية, ترجمتُ كتاب «الإبداع الروائي المعاصر» وهو للكاتبة الفرنسية «إليزابيت فوتييه».. وبمناسبة إعلان «حلب» عاصمة للثقافة الإسلامية, ترجمت كتاب «المدينة العربية حلب, في العصر العثماني»..
إذاً, الظروف تفرض أحياناً على المترجم انتقاء كتابٍ معين, وهو ما فعلته من أجل الفائدة الأدبية والعلمية عموماً ومن ثمَّ فائدة القارئ الذي ترجمت له أيضاً, الكثير من الكتب العلمية والأدبية والتربوية. طبعاً حسب حاجته.
أيضاً, أضع في اعتباري حاجة السوق, فإذا كان ينقصه كتب في أدب الأطفال أترجم كتب الأطفال وإذا كان ينقصه كتب في أدب الشباب أترجم كتب الشباب..
أما عما إذا كانت الترجمة خيانة فأقول: الترجمة ليست خيانة وإنما هي خدمة كبيرة جداً, يؤديها المترجم لثقافته الخاصة بالدرجة الأولى ومن ثم للثقافة عموماً وللقراء والأدب.
من هنا, ولأني لستُ متخصِّصة بترجمة نوع واحد من العلوم, أفضل ترجمة كل شيء وفي كلِّ المجالات, فلقد ترجمت كتب علمية كثيرة من أجل دراستي ومن أجل أطروحة الماجستير وبعدها الدكتوراه.
بعد دراستي تابعت الترجمة ودرست علوماً جديدة قادتني للشعور بحاجتنا لترجمة كل مجالات العلوم والفلسفة والآداب والتربية.
لم أتوقف لدى ترجمة الكتب العالمية إلى العربية. ذلك أنني غامرتُ وترجمتُ من العربية إلى الفرنسية, وكان ذلك لكتب أدبية منها للشاعر اليمني «عبد العزيز المقالح» و لزوجي, «سليمان العيسى» الشاعر الذي ترجمت له سبع كتب كانت شعرية ونثرية, بالإضافة إلى كتاب «أوراق من حياتي» وكل هذا جعلني أشعر بأن عليّ أن أنشر ثقافتي في العالم الذي أترجم عنه وأُغني بعلومه ثقافتي.
يستحيل نقل نصٍّ من لغةٍ إلى أخرى, بأمانةٍ مطلقة
عياد عيد - مترجم عن الروسية:
الاختيار أو الانتقاء, هو المرحلة الأصعب في الترجمة لأن الترجمة تختلف عن التأليف, وإذا كانت المادة المترجمة حيوية فالانتقاء له أهمية في الشيء المكتوب, ومن المهم جداً وسواء كانت المادة المترجمة أدبية أو فكرية, أن يشعر المترجم بها وبكيفية نقلها كصيغةٍ أدبية وفنية للغة العربية, علماً أنني أتصور أن عملية انتقاء الترجمات الأدبية أصعب.
بالنسبة لوصف الترجمة بالخيانة, فأعتبر بأنه من المستحيل نقل نصٍ من لغة إلى أخرى بأمانة مطلقة, وغالباً مانضع في النص المترجم شيئاً من ذاتنا. ذلك أن ليس المهم في العمل المترجم وخصوصاً الأدبي, نقل الكلمات فقط, إضافة إلى أن المترجم الذي يعيش في البلد الذي يترجم لغته ويعرف عادات وتقاليد ومعاناة شعبه, يكون أكثر أمانة في النقل بمصداقية أكبر.
أحياناً, أضطر للترجمة من الروسية إلى العربية, فأنا لا أتخيل حواراً بين الحضارات دون ترجمة, والترجمة بحدِّ ذاتها مؤشر على ازدهار أي أمة, وعندما كانت الدولة العربية بكل قوتها, كانت الترجمة بأوجها وانحدار الثقافة يعني انحدار الترجمة.
من ترجماتي, رواية للروسي «يوري بوندون» وهي «الاختيار» وأيضاً «مثلث برمودا». وفي العلوم السياسية والفلسفية, ترجمت كتاب «الإغواء في العولمة» وآخر كتاب «التلاعب بالوعي».. وكذلك قصص للأطفال واليافعين ومنها «رحلة السهم الأزرق» و«كوكب شجيرات رأس السنة» و«القافلة»..
بكلِّ الأحوال, يُعتبر عمل المترجم عمل فردي وليس مؤسساتي أو جماعي, فهو ينتقي المادة على مسؤوليته الشخصية, وبما قد يعرِّض العمل للرفض, وهو أمر غير جيد لكن, إمكانيات وزارة الثقافة لاتسمح بعمل مؤسساتي للترجمة التي تلعب دوراً هاماً في حوار الحضارات, والتي تساعدنا على معرفة الآخر ومن خلال قراءة أدبه وفكره وحياة شعبه.