الذي تجعله شغلها الشاغل إذا تأخذه إلى أي مكان تذهب إليه وترافقه في غدواته وروحاته وتحرم عليه أن يلهو مع رفاقه ويمارس ألعابه، ويصبح هذا هو نمط الحياة عند هذا الطفل فيحس بشعورٍ طاغٍ بالذنب كلما خطر بباله أن يبتعد عنها.
تعتبر هذه الحالة من الحالات القصوى بالطبع ولكنها تدل على المدى الذي يستطيع الوالدان المضي إليه في خنق رغبات الطفل ومنعه من تلبية الرغبة الملحة التي يشعر بها من أجل أن يجرب جناحيه ويطير في كثير من الأحيان يفعل الوالدان ذلك باسم الحب للطفل.
إن من واجب الوالدين بطبيعة الحال أن يحميا صغيرهما من الأخطار الماثلة ويقدرا ما إذا كان الصغير قد بلغ مجال التجارب الذي يمكنه من التعرف إلى الأخطار الكامنة في كل حالة من الحالات. إن هناك مواقف خطرة غير مرغوب فيها وينبغي أن تهيأ للصغير سبل الحماية منها ولكن كثيراً مايسرف الوالدان في الحيطة فيكون سلوكهما نحو سلوك من لايحس بالراحة إذا ظل الصغر طفلاً لايملك إلا أن يبقى مطلق الاعتماد عليهما، ووالدان من هذا القبيل يرعبهما الشعور بالتخلي عن أي مقدار من الحيطة والحذر.
وهناك عادة سببان رئيسيان لهذا الإفراط من الحماية:
السبب الأول هو أن الوالدة أو الوالد يستخدمان الطفل لإرضاء حاجاتهما، وهكذا يصبح الصغير بديلاً يعوضهما عن جميع الوسائل العادية لإرضاء نفسيهما متخذين الصغير ذريعة، أما السبب الثاني لهذا الحب الخانق فيبدو مختلفاً عن السبب الأول ولكنه نامٍ من الجذور نفسها، إن الاسراف في الحماية كثيراً مايخفي قدراً عظيماً من العداء نحو الصغير، لما كانت مشاعر كهذه غير مقبولة ولما كانت تؤدي إلى الإحساس بالذنب فإنها تدفن بسرعة في العقل اللاواعي. وهناك عدد من الآباء والأمهات الذين يشعرون بالإحباط وعدم الرضى ويخافون فعلاً من أن تلحق مشاعر العداء أو الرفض إلى إلحاق ضرر بليغ بالطفل وهكذا فإن شعور هذه الفئة من الآباء والأمهات بالذنب يحملهم على أن يحسبوا حساب الأخطار حقيقة كانت أم وهمية.
إن هناك شيئاً واحداً نعرفه جميعاً وهو أنه يصعب على الوالدين أن يوجدوا ميزاناً يعملان بمقتضاه في أي ميدان من ميادين تربية الطفل وقد تشعر الأم أنه من الصعب عليها أن ترخي العنان لصغيرها وأن تتجنب المواقف القصوى إذا كانت هي نفسها قد قضت أيام طفولتها ضحيةً لهذا المسلك من جانب الوالدين، أم كهذه لابد من أن تكون قد كرهت حياتها وفي هذه الحالة نراها تقسم الأيمان المغلظة بأنها لن تفعل شيئاً من هذا القبيل مع أطفالها، حتى إذا صار لها طفل أو طفلةً سلكت معه الناحية القصوى المقابلة فأرخت لهما العنان ليفعلا أي شيء ويغامرا ويتخذا القرارات دون إرشاد.. وهذا شيء ضار لأنه يخلق طفلاً رعديداً خوافاً متردداً في اتخاذ القرارات.
إن من الأهمية بمكان أن نعطي لأطفالنا جذوراً قوية ينمون عليها، ولكن ينبغي أن ندربهم على الطيران أيضاً كي يصبحوا شجعاناً كالنسور المحلقة لا كالطيور المهيضة الجناح..