تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الثورة تتابع تغطية الحراك السياسي والمجتمعي تحضيراً لطاولة الحوار الوطني:الاحتكام للدستور واحترام مؤسساته لأن ممارسة الديمقراطية والحرية حق

الحوار الوطني.. رؤية وآفاق
الاثنين 4-3-2013
سائد الراشد

عامان والأزمة في سورية مستمرة، ولم يعد يخفى على كل ذي بصيرة أنّ السبيل الوحيد للخروج منها، هو من خلال حوار وطني شامل يكون داخلياً يحققه السوريون بأنفسهم، وتجتمع فيه كل القوى الحريصة كلّ الحرص على وقف نزيف الدم السوري الغالي.

ومن خلاله تتوحد رؤاهم ومواقفهم من أجل تشكيل نواةٍ وطنية ديمقراطية صلبة، تساعد على إيصال سورية إلى بر الأمان.‏

وأن يضع المتحاورون فيه نصب أعينهم رفض العنف والتجييش الطائفي، والتمسّك بوحدة واستقلال وسيادة سورية المقاومة والممانعة، ورفض التدخل الخارجي بصوره وأشكاله كافة.‏

عماد يوسف - رئيس تيار سورية الديمقراطي العلماني:‏

توفير بيئة سليمة للحوار تكون حاضنة لإنتاج مشروع مجتمعي شامل‏

تأتي أهمية إطلاق مشروع الحوار الوطني في سورية من كونه يُشكّلُ وللمرة الأولى في تاريخ سورية الحديث بعد ثورة 8 آذار 1963، انتقالاً نوعياً في المستوى السياسي للسلطة الشمولية (التوتاليتارية) التي باتت على قناعة ثابتة أن واقع التغيير العام لنظام الدولة والمجتمع بات استحقاقاً تاريخياً لا يمكن تفاديه أو حتى التصدّي له بوسائل أخرى سوى الحوار، وبأنَّ مسألة استئثار حزب سياسي أوحد، أو جهة سياسية ما على سدّة السلطة بكافة مستوياتها قد أصبح فكراً ينتمي إلى ماض ٍبعيد ولم يعد في الإمكان التنصّل من مشاركة كافة القوى المجتمعية، السياسية والاقتصادية والفعاليات المجتمعية في صنع القرار السياسي والاقتصادي ورسم الخطط المستقبلية لإعادة بناء الوطن.‏

إضافة إلى الأخطاء البنيوية العميقة التي تسببت بها الكثير من سياسات الحكومات السابقة من حكومة محمد مصطفى ميرو والعطري ومعاونه الدردري وما أنتجت تلك الحكومات من دمار اقتصادي في مستوى البنية المجتمعية السورية التي تتميز بأنها بيئة تشكّل فيها الطبقات الكادحة من عمال وفلاحين وصغار كسبة ومهنيين، الشريحة الأكبر، ومن هنا؛ وبما أن سورية شأنها شأن كل دول العالم الثالث كانت تعاني من أزمات ومشكلات في المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وبسبب احتكار السلطة من قبل فريق سياسي واحد خلال الخمسين عاماً المنصرمة، فإننا نجد بأن استحقاق التغيير قد طال المجتمع السوري عندما بدأ التاريخ يهدر بعربته بالقرب منّا.‏

من المؤكد بأن لسورية خصوصيتها، وموقعها وملّفاتها السياسية الساخنة مضافاً إلى ذلك صراعها الوجودي والثابت مع العدو الأكبر إسرائيل وعلاقتها بالمفهوم القومي العروبي وتعييناته التي تتمسك سورية بثوابتها منذ زمن طويل، كل هذه العوامل جعلت من مسألة التغيير في سورية معضلة إشكالية وجدلية كبيرة حول كيفية وشكل وآليات هذا التغيير، وكيف نقوم به دون أن نضحي بما اكتسبته سورية من موقع جيوسياسي ومن مكاسب كثيرة لا يمكن نكرانها خلال الخمسين عاماً الفائتة، بالإضافة إلى الحفاظ على وحدتها ووحدة شعبها المتنوّع وسلامة أراضيها وثوابتها الوطنية والقومية، بما يترتب على ذلك من أثمان باهظة يجب دفعها قد تؤدي إلى خسارة جوانب في غاية الأهمية وخاصة في السياسات الخارجية السورية وخط المقاومة والأحلاف الإقليمية التي رسمت سورية تحالفاتها الإستراتيجية وتوازناتها في صراعها مع إسرائيل على أساسها من جهة السياسة الخارجية، ولكن كان هناك تقصير داخلي أدى إلى تنامي مشاكل الفقر وانعدام الوظائف وانتشار البطالة والتهميش الاجتماعي وشح الخدمات وغير ذلك من مشاكل مجتمعية، بالإضافة إلى عامل التوظيف الديني والطائفي الذي وجد له مرتعاً خصباً في بعض البيئات الحاضنة لمشاريع تمَّ استقدامها من ثقافات خارجية وغريبة عن فكر المجتمع السوري وتربيته، ولكن كما يقول الكواكبي؛ «إنَّ العوام عقولهم في عيونهم»، فقد وجدت هذه المشاريع تربة خصبة بعد أن أنجزت اختراقات كبيرة في بنية المجتمع السوري، مما أدى في النهاية إلى إشعال فتيل احتجاجات كان يمكن تداركها أو معالجتها في بدايتها لو أننا وصلنا إلى فهم الأبعاد الحقيقية لها.‏

إن تأطير المجتمع السوري، وتفعيله، وخلق روح المشاركة فيه، واستنباط الآراء والتصورات ووضع الأفكار الموضوعية والبناءة للخروج بسورية من أزمتها هو أحد السبل الهامة جداً والجوهرية لإيجاد الحلول، كما يجب إعادة إحياء المجتمع المدني، أحزاب سياسية، نقابات، اتحادات، مؤسسات تمثيلية، منظمات، نوادي، منتديات وغير ذلك من فعاليات المجتمع المدني تلك التي تشكّل صمّام الأمان للمجتمعات في كل دول العالم، الأمر الكفيل بإنتاج قاعدة اجتماعية عريضة وعاملاً بشرياً كبيراً لمبدأ الحل السياسي - السلمي بحد ذاته.‏

برأيي ليس كل من حمل السلاح في سورية ينتمي إلى التوصيف الإرهابي، فهناك الكثير من الأشخاص الذين غُررّ بهم وحملوا السلاح تحت مسميّات عديدة، منها الديني ومنها الطائفي ومنها الثأري ومنها الكيّدي، ولابد حتى ننتج حلولاً سليمة وآمنة ونؤسس لمناخ حواري سليم أن نبحث عن هؤلاء المتورطون بطرق ودوافع غير واعية، ونعيدهم إلى حضن الوطن الدافئ، عبر تقديم الإغراءات لهم من عفو وفرص عمل ومساعدات والتعويض لأقربائهم أو ذويهم الذين كانوا ضحيّة للعنف والعنف المُضاد، وضحيّة الاختراقات الخارجية والمشاريع الرجعية في المنطقة، ومحاولة اشراكهم في الحوار عبر لجان مختصة تحاول أن تتعرف إلى مشاكلهم وأسباب خروجهم عن صف الوطن وإعادتهم إلى جادة الصواب وإلى الحاضنة الاجتماعية الطبيعية لهم كمواطنين أكفّاء وأصحّاء.‏

أمّا من كان منهم منغمساُ في العنف بكامل إرادته ويرتبط بالخارج، أو بأجندات ومشاريع دينية ومذهبية وكان يُبشّر بهذه الثقافة ويحمل السلاح بناء على معتقداته، فيجب علينا مجابهته بكافة الطرق والوسائل ومحاكمته فيما إذا سلّم سلاحه، وإن لم يسلّم السلاح فإن للدولة كامل الحق في التعامل معه بالطريقة التي تراها مناسبة لحفظ الوطن والمواطن من شرّه وإرهابه، وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى جبهة النصرة وبعض الفصائل الأخرى المتطرّفة والتي تحارب باسم الدين السلفي الوهابي، وفي هذا الصدد، لا نرى مانعاً من التعامل مع ممثلين عن هؤلاء إذا ما كان ذلك يمكن أن يخدم الهدف في التخلّي عن السلاح والجنوح إلى السلم، ونحن نرى بأن على السلطة السياسية والفعاليات المجتمعية والتيارات المشاركة بالحل أن تذهب إلى أبعد المسافات كي تجد الوسائل للدخول في حوار مع كل الفصائل المسلّحة سعياً لإقناعهم بضرورة ترك السلاح والتخلّي عن العنف، وعن استدراج الخارج عبر استغاثات كاذبة وتحذيرهم بأن أمن الوطن القومي وأمن الناس ووحدة سورية وشعبها هي خطوط حمراء.‏

إنَّ الحوار الوطني الشامل لا يمكن أن يكون ناجزاً إلاّ باكتمال شروطه المجتمعية العامة، وأهمها هو توفير بيئة سليمة لهذا الحوار تكون حاضنةً خصبة لإنتاج مشروع مجتمعي شامل يمكن البناء عليه عبر أطوار تاريخية محددة ومرحلية آنية ولاحقة، إذ إن أخطاء الماضي تشكّلت بشكل تراكمي عبر سنوات طويلة، لذلك لا يكون التغيير بَنَاءً إلا عبر مراحل تراكمية أيضاً، ولهذا نرى أن سورية تحتاج إلى وقت طويل لإعادة إنتاج هذه الحلّة الجديدة.‏

وبالتالي فإن على سورية، كدولة وسلطة، والمجتمع السوري كشعب أن يستنزف كل طاقاته لإيقاف العنف والتصدّي له بكل الأشكال والوسائل، وخاصة عند الدول التي تؤججه وتذكّي ناره من خلال دعمها للفصائل المسلّحة وتغذيتها بالسلاح والمال، وهذا إن لم يتوقف سينعكس سلباً على العملية الانتقالية برّمتها، فمن غير المعقول أن تقوم هناك حوارات وطرح مشاريع وتصورات لمستقبل بلد يئنّ تحت وطأة العنف ويُقتل جيشه وتخرج مناطق عديدة فيه عن سيطرة السلطة المركزية لترتهن لفصائل مسلّحة تأخذ أشكالاً وتسميات عديدة وليست لها علاقة بالسياسة أو التغيير في المجتمع السوري سوى ما تراه هذه الفصائل من تصوّرات متخلّفة وصل الحد ببعضها إلى المطالبة بإمارات إسلامية ومناطق دينية سلفية وأصولية متزمتة.‏

ونحن نؤيد خطوة الحكومة ونضع أنفسنا تحت تصرفها في إرسال وفود وبعثات ومبعوثين إلى كل دول العالم المؤثرة وتنشيط السفارات والهيئات المدنية السورية والمنظمات في الخارج من أجل توضيح الواقع السوري، وتعرية هذا الحراك المشوّه والذي يلبس لبوساً شيطانياً في الكثير من أدائه. ومطالبة تلك الدول بتشكيل ورقة ضغط عالمية للتأثير على الدول الداعمة للإرهاب في سورية والوقوف في وجهها والتصدّي لمخططاتها، جنباً إلى جنب مع نشر ثقافة التسامح والمصالحة في الداخل السوري؟‏

الكثير من المواطنين السوريين لديهم أزمة مفاهيم معرفية عميقة تسببت فيها تراكمات من الجهل وانعدام التثقيف والمعرفة لسنوات طويلة، لذلك نرى أن جزءاً مهماً من الحل يكمن في نشر هذه المفاهيم وتعميمها وعمل الندوات في كل مناطق سورية وإحياء ورشات العمل في هذا الخصوص وصولاً إلى تحييد شريحة كبيرة من البيئة الحاضنة التي تحمي وتنبت هذه الكوادر المسلّحة التي تقارع الدولة والوطن، فاليوم ليس لدينا إنسان، وما لدينا هو مواطن مشوّه يتوه بين انتمائه الديني والطائفي والقومي والوطني، ويحكم ذلك مجموعة من العوامل والشروط المناطقية والعائلية حيناً، والعشائرية في أحيان كثيرة، وهذه الفوضى أو الخلل المؤقت يحتاج إلى ترميم ولكن لا يمكن أن يكون هذا الترميم سريعاً، ولا يمكن بذات الوقت ترك الفرصة لهذه التشوّهات أن تظهر على السطح وتؤثر في مسيرة البناء، لذلك يجب علينا أن نضبط إيقاعاتها عبر رسم القوانين والأنظمة التي تحكم صيرورتها المجتمعية العامة وألا ندعها تكون سبباً إضافياً للفشل العام، فلا الوقت والزمن يسمح أو لديه فرص إضافية يمكن أن نستثمرها.‏

طبعاً لا ينفصل ما ورد آنفاً عن واقع أن الجيش العربي السوري خلال كل مراحل هذه العملية السياسية سيكون منوطاً به القيام بواجبه الوطني المقدّس في الحفاظ على أمن الوطن والمواطنين، واستعادة المناطق التي عاث بها الجهلاء والفاسدون دماراً وخراباً، بمعنى أنه لا يمكن فصل الحل السياسي عن الحل العسكري وخصوصاً لهؤلاء المرتهنين للخارج، فالسياسي والعسكري خطان متوازيان تماماً كسكة القطار حيث لا يمكن أن نسير على جانب واحد منهما، فالبيئة الآمنة والمناخ المسالم العام الذي تحتاجه سورية في عملية التحوّل التاريخي هذا هو من مسؤوليات الجيش الوطني لأي بلد في العالم، ونحن على ثقة أن الجيش العربي السوري قادر على إنجاز هذه المهمة الكبيرة على أفضل وجه.‏

ولكن يبقى الأهم من كل هذه الإجراءات هو مكافحة الفساد، فالفساد هو سبب كلّ علّة وكلّ داء، وإذا لم يتم محاسبة الفاسدين والمفسدين ومحاربة «ثقافة» الفساد بحد ذاتها ودحضها وزرع قيم وثقافة التضحية والتفاني والولاء مكانها فإن شيئاً كبيراً لن يتغير لأن من يمارس الفساد في وطنه يمكن أن يفعل أي شيء دون رادع أو ضمير.‏

أخيراً، إن سورية أرضاً وشعباً وحكومة محكومين باستحقاق تاريخي جاد ويتطلّب من جميع السوريين دون استثناء المساهمة الفعاّلة والجاّدة في قراءة هذا الواقع المرير والعمل يداً بيد لإعادة بناء سورية بحلّة عصرية جديدة، متجاوزين بذلك كل الخلافات والانقسامات العمودية والأفقية والدينية والقومية والطائفية، وأن ننصهر جميعاً تحت مظلّة الهوية السورية الجامعة، والتي يجب أن يكون ولائنا الأول والأخير منها وإليها..!!‏

عبد الناصر ونوس – كلية الفنون الجميلة - جامعة دمشق:‏

الحوار ليس محاصصة بالسلطة الافتراضية القادمة‏

الحوار أولاً وقبل كل شيء سلوك إنساني حضاري وجسر من جسور التواصل بين البشر على اختلاف أطيافهم، وإرث تاريخي للمجتمع السوري، ولطالما كانت لحمتنا الوطنية وتماسكنا وجسور التواصل بيننا أعز ما نفاخر به وخريطة طريقنا التي اهتدينا بها في كل المنعطفات الحرجة التي مرت عبر تاريخنا، والشواهد على ذلك عديدة، ولذلك فالحوار ولا شيء غيره هو وسيلتنا الفعالة لمعالجة مشكلاتنا وإعادة الاستقرار الأمني والتوازن السياسي والنمو الاقتصادي.‏

لهذا نؤكد أنه قد آن الأوان لمراجعة الذات وأن ندرك أن لا لغة أخرى نواجه بها التحديات الماثلة أمامنا سوى لغة الحوار الوطني البناء الذي يضع سورية بأمنها واستقرارها ومستقبلها ومستقبل الأجيال القادمة فوق كل المصالح والاعتبارات الآنية والشخصية، والبديل عنه مزيد من الدمار والقتل والتوتر السياسي ومزيد من خطاب الكراهية والفرقة المجتمعية والتي تعتبر سلوكاً دخيلاً على مجتمع عرف التكاتف والتراحم عبر تاريخه ومارس قواعد الديمقراطية الحقة منذ نشأته.‏

إن الحوار الوطني ليس مجرد شعارات نرددها على الملأ بقدر ما هو عمل وطني يلامس الاحتياجات الرئيسية للوطن والمواطن ويقف بتجرد وصلابة ودون هوادة أمام التحديات التي تحيط بواقعنا الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي وما أكثرها في هذه المرحلة الحرجة، كما أن الحوار اصطلاحاً ومفهوماً وتطبيقاً أحد أكثر المفردات تعقيداً فعلى أثره نتلاقى، وبغيابه تتفرق الآراء ووجهات النظر وتتباعد التيارات السياسية وتتزايد الانقسامات، وهو مسؤولية مجتمعية لا نستطيع التنصل منها فهو حاجة مجتمعية يحدد المجتمع مغزاه وأهدافه وشروطه وآليات تطبيقه بحيث تكون مصلحة الوطن مقدمة على كل غاية وهدفاً فوق كل هدف.‏

والحوار الهادف يكون في إطار من الاحترام المتبادل البعيد عن الإساءة لكرامات الناس والتشكيك في الذمم والولاءات، وإن اختلفت الآراء ولذلك فاختيار من نتحاور معهم أهم دعائم وأسس الحوار الوطني الناجح فنختار من لديه القدرة على الاستماع والتمحيص والرد حجة بحجة ورأياً برأي ويكون بعيداً عن المصالح الشخصية لنصل الى الهدف المنشود من خلال مشروع وطني نتوافق عليها لتكون سورية الفائز الأكبر، كما أن التصنيفات بمختلف أشكالها القبلية والطائفية والعائلية والسياسية تفرز الانقسامات وتعتبر من أهم معوقات الحوار بل وتحوله لحوار أشبه ما يكون بحوار الطرشان فلا يوجد من هو وطني وغير وطني حيث إن الجميع أبناء وطن واحد ولذلك فأهمية الحوار الوطني تكمن في قدرة المتحاورين على تثقيف المجتمع وتقديم نموذج إيجابي يحتذى به وينسجم مع قيم الديمقراطية الحقة.‏

وبرأيي ان الحوار الوطني البناء يتمثل في كونه قناة ووسيلة وطنية مفتوحة يطرح القضايا الوطنية الملحة مع من يحملون على كاهلهم الهم الوطني، ويستشعرون المخاطر التي تهدد حاضر ومستقبل الوطن ولا يسعون لسلطة ولا لتحقيق مصالح ذاتية، وإنما يعملون بعزيمة وإرادة صادقة من أجل سورية وترسيخ أركان دولة المؤسسات والقانون فهذا هو الحوار الوطني كما أفهمه واتطلع إليه وربما يشاركني فيه الكثيرون.‏

ما يجمعنا في هذا الوطن من قواسم مشتركة وتطلعات وطنية أكثر مما يفرقنا ويجعلنا مختلفين حتى إذا اختلفنا فإن ذلك سيكون إثراء لمسيرة عملنا الوطني التنموي إذا عالجنا اختلافاتنا بالاسلوب الديمقراطي الحضاري وذلك سيكون سمة حضارية للسوريين كما هي سمة حضارية للشعوب التواقة للحرية والديمقراطية، فلماذا التركيز دائماً من قبل البعض على نقاط الاختلاف وتهويلها رغم وجود إمكانية لمعالجتها وفق الأطر الوطنية والدستورية دون التركيز على نقاط الإجماع الوطني ومكامن القوة التي يتمتع بها المجتمع السوري، فهناك من يريد أن يفشل الحوار قبل أن نتحاور لأن له في ذلك مصالح آنية تغلب على مصالح المواطنين، وهل بالفعل لدى جميع الأطراف الفاعلة في العمل السياسي مصلحة وطنية في الحوار الوطني؟‏

رغم كل هذه التساؤلات التي أعتقد أنها مشروعة فإنني على يقين بأن الشعب السوري لا ينكسر ولا يتوانى في حب سورية والوفاء لها والذود عنها بل يكون أكثر تلاحماً وتماسكاً في الرخاء قبل الشدائد، ولا يختلف اثنان على أن للحوار الوطني البناء منطلقات متعارف عليها ويجب أن نلتزم بها ونعيها جيداً قبل أن نفرضها على الآخرين هي:‏

1 - وحدتنا الوطنية التي هي صمام الأمان لأمن واستقرار الوطن والمواطن وعلينا أن نحافظ عليها من كل أشكال الفرقة والتشتت، وجعل الحوار وسيلة بناء لا هدم، وأداة للوحدة لا الفرقة ونصون بحوارنا الكرامات وننأى عن كل مظاهر التعصب والتكتلات الفئوية التي تضر بمصالح الوطن العليا.‏

2 - الاحتكام للدستور واحترام مؤسساته لأن الممارسة الديمقراطية والحرية حق لا غبار عليه ولكن يجب أن يكون في إطار القواعد الدستورية واحترام حق الآخرين والمشاركة السياسية، وهي من الفضائل التي طبع عليها المجتمع السوري منذ القدم وهي خيار وطني لا غنى عنه ولكنها لا تحقق أهدافها إلا في ظل ممارسة ديمقراطية واعية وبناءة تجسد وترسخ الأمن والاستقرار للوطن وتعزز أواصر المحبة والوئام والألفة بين كافة شرائح المجتمع السوري وتهدف في الأساس لتحقيق المصلحة الوطنية العليا لسورية.‏

3 - التركيز على نقاط ومكامن القوة في المجتمع وما أكثرها، فهناك إجماع وتوافق وطني على الأطر المرجعية الدستورية لعملنا وتوافق حول الأولويات الوطنية والقضايا الملحة التي ينبغي أن يرتقي العمل على إنجازها لمستوى التحديات الماثلة أمامنا ودون تأجيل وبما ينسجم مع الفرص والإمكانات المتاحة للمجتمع، وماعدا ذلك من نقاط الاختلاف ووجهات النظر في بعض القضايا الثانوية يتم التحاور بشأنها وفق الضوابط والأطر الدستورية.‏

4 - نبذ خطاب الكراهية بين أبناء الوطن الواحد إذ انه من المحزن حقاً أن يصل الخطاب السياسي في سورية أرض الخير والمحبة والألفة والسلام إلى المستوى الذي نراه اليوم وأنه يؤدي إلى زرع بذور الكراهية في نفوس المواطنين ويجعلنا في دائرة مغلقة من الإحباط واليأس بينما المأمول من الخطاب السياسي أن يغرس بذور الأمل والتفاؤل ويوجه الأنظار إلى المستقبل لذلك علينا أن نتحلى بروح المسؤولية ونرتقي بخطابنا ولا ننسى أننا جميعاً في سفينة واحدة نأمل بأن تصل إلى بر الأمان.‏

5 – بالنسبة لمكان الحوار فهو بالطبع ليس خارج الوطن ولا في أي عاصمة عربية أو أجنبية, وليس في الساحات العامة، وأسلوبه ليس المهرجانات والخطابات ودغدغة العواطف والعصبيات فالحوار هو لغة العقل في المكان والزمان المناسبين، يجب أن يكون في دمشق عاصمة سورية الموحدة، وفي الأماكن التي تحمل فكر الوطنية والعروبة، وليست في قصور الملوك والأمراء وأباطرة الإرهاب.‏

ويجب أن يعكس الحوار الوطني الإرادة والتصميم للوصول الى نتائجه لمصلحة الوطن والتمسك بوحدته.‏

ولا شك أن القضايا التي ستطرح في الحوار يجب أن تكون في صميم عملنا وقضايانا الوطنية الهامة وتتصل في واقع الأمر بتفاصيل أوضاعنا الراهنة ولعل أبرزها وقف العنف والقتل، ونبذ التطرف والفكر التكفيري، والانطلاق بالحوار بدون شروط مسبقة وعلى أسس دستورية سليمة قوامها التعاون الإيجابي البناء حتى يتسنى للجميع التفرغ لقضايا الاصلاح والتنمية وبناء وطن ديمقراطي يحلم به الجميع.‏

إن العودة للإرث التاريخي لسورية ومسيرتها في العمل الوطني الديمقراطي تعطي مثالاً ساطعاً لدور الحوار الوطني البناء فثروتنا لا تكمن في الأموال والثروات بقدر ما تتجسد في الرصيد الوطني الثري لأسلافنا الذين تعلمنا منهم الود والتراحم والتكافل والوحدة الوطنية والولاء والحب لسورية وهكذا كان الشعب السوري وسيظل كذلك.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية