لأنه يتعارض مع مبادىء المنظمة وقيمها، وحتى يطعن بمصداقية عملها وشفافيته وموضوعيته.
فماذا نقول اليوم بعد اختيار ثلاثة أسماء فقط من تلك المجموعات واحدة الطيف لمناقشة أولويات قضية المرأة السورية في الجمعية العامة في نيويورك؟ ربما يبدو الحديث عن المساواة وتمثيل النساء عموما في ظل الارهاب والموت الذي نواجهه ترفا، لأننا جميعا نحن السوريين رجالا ونساء متساوون اليوم أمام الموت والتدمير ، ما يجعل من الصعب فصل قضية المرأة عن قضية وطننا عموما، لأن الارهاب والانتهاكات التي تعرضت وتتعرض له نساؤنا جزء لايتجزا مما وقع على وطننا بأكمله، ولا يمكن حل كل ذلك الا بعملية سياسية شاملة ومتكاملة تشارك فيها كل مكونات المجتمع السوري. وهذا يجعلنا نضع علامة استفهام كبيرة على هذا الاصرار على تشكيل ذلك الوفد علما أن الابراهيمي نفسه دعا أولئك النسوة إلى مسار وطني يقمن به بدلا من الاعتماد على المجتمع الدولي للقيام بهذا الدور.
ويلاحظ المتابع لتلك الجلسات تهميش المشاركات من الداخل حيث تقول احدى المشاركات: عندما قسمونا الى 5 مجموعات وطلبوا من كل مجموعة أن تكتب المطالب التي تجدها قابلة للتحقق من خلال جنيف 2 في حال عقد المؤتمر، وهنا بدأت المأساة حيث كانت معي ضمن المجموعة نساء ممن يظهرون على الشاشات وبدؤوا بكلام غير مفهوم ولا يمت للواقع بصلة وبدؤوا بالحديث عن معاناة المرأة السورية وكأنهن يعشن هذه المعاناة ، وطبعا لم يعطوني فرصة الكلام أنا القادمة من الداخل، علما أن ثمن ملابسهن وأحذيتهن يغطي احتياجات مخيم لأكثر من يوم.
تجارة الكلمات والمصطلحات
يخطر في البال سؤال، هل تهتم جماهير النساء التي اجتمعت عليها الحرب اليوم وقبلها القوانين غير العادلة ما تردده تلك النسوة من انتقال سلمي للسلطة، أو تلك العبارات التي فقدت علاقتها بالواقع كحقوق الانسان والمواطنة الكاملة وغيرها؟ وهي كلها أدوات ضغط تستخدم للمزيد من التضييق على الشعوب أولا. في هذه اللحظات ما يهمنا جميعا وقف الحرب فورا، ومكافحة الارهاب، والافراج عن المخطوفين والمعتقلين، وهذا نستطيع تحقيقه هنا في وطننا، وتحدينا الحقيقي أن نجتمع على «الحقيقة والمصالحة»، إن النضال الانساني هو نضال مطلبي وخاصة النضال النسوي، والدول الاستعمارية التي سرقت ثوراتنا جميعا في ليبيا وتونس ومصر واليمن وسورية، لن تهتم الا باللعب والتلاعب بالشعارات كالديمقراطية وحقوق الانسان وغيرها من خرافات مثقفي ومثقفات الفنادق وورشات العمل الوهمية مع عدم المس بالبنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من مقدسات رأس المال. إن كل ما نسمعه اليوم في صالونات وقاعات النخب وارتفاع وتيرة الحديث عن الليبرالية عند هؤلاء النسوة وغيرهن من أمثالهن من المثقفين ، تؤكد أنّ هذا النوع من الديمقراطية التي يبشرون بها ليست أكثر من أداة ثورة مضادة لإعادة إنتاج الاستبداد الاقتصادي والاجتماعي وإعادة إنتاج التبعية للغرب الرأسمالي عبر صيغة حكم جديدة لا تمس أسس النظام السياسي الاقتصادي ، فلم تتطرق تلك المؤتمرات لرفع الحصار الاقتصادي لكنها طالبت بكل وقاحة بقوات دولية لتراقب ممرات آمنة.
أعود للقول: هي أحداث تتلاعب بها الدول وليست ثورات وانما استعمار جديد، والحركات النسائية التي تعمل خارج البلاد هي أدوات، و ملايين الفقراء من نساء ورجال لا يهمهم غياب الانتقال السلمي للسلطة بين شرائح النخبة، بقدر الترتيبات الاقتصادية والاجتماعية التي يعمل جهاز الدولة على حمايتها وإعادة إنتاجها بالقوة والعنف إن تطلب الأمر، هل تدرك تلك النسوة أن الاعتداء على الثورة كان على مستوى الحكاية أيضا» ، وهو ما سهّل إعادة توجيهها وحتى التنفير من فكرة الثورة. فنحن اليوم أمام كابوس أو جريمة ارهابية تصور الثورة على أنها فعل يسعى إلى تحقيق أهداف فردية كبديل للمطالب الاجتماعية - الاقتصادية التي فجرتها أصلاً، و هدفها تحقيق التداول السلمي للسلطة بين أطراف النخبة دون المسّ بالنظام السياسي والاقتصادي ولا حتى التفكير في الأسس التي تقوم عليها الدولة. تتجاهل جذور الاستغلال والتبعية المتجذرة في تقسيم استعماري فرض بالقوة على وطننا العربي منذ أكثر من قرنين.