إنه ما شهده ووثّقه الشاعر «سامي سماحة» الذي اختار من «قاسيون» شموخ الحرف وكبرياء المعنى، ليكتب بهما قصيدته، والذي سارع بعد أن أدرك بأنه الـ «حب» ينبض فيه على إيقاع «ساعة الشام»، لتلمُّس نبض «صباحات الاشتياق» في هذه المدينة التي هي حبيبته... المدينة التي «لو ينطق الصباح» فيها، لأعلن وبـ «الغضب الساطع» بأنَّها ومثلما تحرقُ من يسعى لإراقة دمها، تضيء مفردات كل من يسلك دروب عشقها ويكتبها:
«يوجدُ في الشَّامِ ممران/ واحدٌ إلى السماء، والآخر إلى جهنّم الحمراء/ فإني أخيُّرك أيها القادم بأمرِ بلادِ العم سام/ بين سلوك ممرّ جهنَّم/ أو الاستسلام/.
هذا ما أعلنه شاعرٌ، أبى إلا الوقوف مع الزمن «على بابكِ يا دمشق». حلّق في فضاءاتكِ.. تساءل وهو يراكِ متسربلة بدمكِ ودمعك: «إلى متى سيبقى صباحنا معلَّقاً على خشبة المؤامرة؟».. لم يسمع أي جواب، لكنه رأى الدم وسمع آهاتِ المفقودين ومشيعي الأحبّة إلى المقبرة.. صاح: ألا لعنة وطني على الخونة ومرتزقة العروبة، وأعداء القمر السوري.. أعداء كلّ ما جعله ينعتهم، وبالشعرِ الجهوري:
«عربٌ يمتصُّون دمهُم/ ويجترُّون أولادهم/ ينامون في حاناتِ العهر/ لحافهم مومسة/ ووسادتهم مخازيقَ دُقَّت بأسفلهم/ عربٌ يحملون في الليلِ على ظهورهم جرار السمِّ/ ويتجرَّعونها قبل طلوعِ الفجر»..
مجدَّداً لا يسمعه أحد. لكن، لا يبالي، ولأنه ينشدُ ويكتبُ للنصرِ اليقين، واليقين هو البطولة والصمود والتضحية وغيرهما مما كان ولايزال، عقيدة الجنود والنسور السوريين.. عقيدتهم والسبيل، إليها جراح الوطن والـ «دليل»:
«عندما تكون الجراحُ دليلنا إلى الوطن، يكونُ اللون الأحمر حبر أقلامنا، وتكونُ أكتافُ الحقولِ أوراقنا..
عندما تُدمع دمشق، سينزفُ العالم دماً، وتصرخُ الحواضرُ ألماً، سيقفُ التاريخ وينكسرُ القلم، ويقدِّم الكتاب استقالته من رفوف المكتبات، ويسكرُ العقل على طاولةِ العهرِ في الحانات»..
نصوصٌ كثيرة تتوافد وتحتشد «على بابكِ يادمشق».. نصوصٌ تلعن كلّ من منافقٍ ينطقُ بغير الحق.. كلّ من يصمت لا لأن الصمت «فن» أمامَ حدثٍ أكبر وأعظم من كلِّ الكلام»، بل لأنه إجرام يتوافق وإجرامِ «كلّ من يحاول أن يسرق اللون الأبيض من ياسمين وثلوج الشام».
باختصار. في الكتاب ما يشهد، على بشاعة ما اقتُرف بحقّ سورية الشمس التي لا يزول نورها.. على كلِّ من وما أوجعها، وغرز سكين حقده وغدره وتآمره وخيانته ووحشيته في قلبها وعيونها..
في الكتاب.. كما في التراب.. أرواح هي مفردات الحياة التي لا يتوقف النبض عن ضخِّ الحبِّ في روحها.. مفردات الحياة في كلٍّ من لبنان والعراق وفلسطين، وجميع البلدان التي حاصرها وطعنها عدوٌّ داخلي وخارجي، هو ذاته الذي أوغل تدميراً وقتلاً وتمزيقاً في السوريين.
فيه أيضاً «غضب» ورجمٌ للشياطين من أحفاد أبي لهب.. فيه «حلمٌ دمشقي» هو «ضوءٌ» يسطع كلّما دُقَّت «أجراس الحب» في «حضرة الوطن السوري».
فيه «خيبة» و «تجدّد» و»خوف» و»خيانة» و»صراخ» و»حزن» وريبة.. «إغراءٌ» و»أمنية» و»رحيق» و «غدرٌ» و «ظلامٌ» و»اختناق» و»سقوط» و»نداء» هو «حديث السماء». فيه ما نحتاج إليه، وقال الكاتب فيه:
«نحتاجُ إلى قتلِ ذاكرتنا كي نحيا.. نحتاجُ إلى إحياء ذاكرتنا كي نحيا.. وبين الموتِ والحياة، يفلتُ الزمن من بين أيدينا.. ونصبح كالأرواح التي تحلق في السماء، ولا تكشف شرّ الغيوم»..
«على بابك يا دمشق» من إصدارات «دار دلمون الجديدة» 2019 والغلاف، من تصميم الفنان-المهندس «مهند المهنا»..