ويعود نيتشه ليقول في موضع آخر من كتابه (إرادة القوة) إن كل كائن حي «يفعل ما بوسعه لكي لا يحافظ على ذاته وإنما لكي يصبح أكثر مما هو»..
وبين تجاوز الذات ومحاولات تصييرها أكثر مما هي عليه، ثمة غابة من تقلبات وأهواء وأفكار تعصف بذهن أيٍّ منا أثناء سيره بين شطّي الحالتين.
بالتالي ليس مفهوم تجاوز الذات هنا منسجماً ومعنى تقليصها أو مسخها لأجل الآخرين.. إنما أقرب إلى ترويضها كخطوة أولى قفزاً إلى كل مشتهى تبتغيه.
وأنت تنصهر بأرض تقلبات غير محدودة.. تمتلئ أرض أفكارك بالكثير من التخبطات.. وتتجاذبك قوى تتنافر لصالح كتم صوت كل تلك الصراعات وصولاً إلى هدنة ذاتية قادرة على إيصالك أخيراً لمستقر «أمان».. حيث لاصوت سوى صوت هدوء روحك.. وانتشالها نهايةً من كل تلك المساومات والصراعات الذاتية الكتيمة إلا عنك أنت.. وكما لو أن صداها يعود يرتد بألف من نغمات وتموجات معارك داخلية لا يدركها سواك.
مهما كانت صاخبة وعنيفة تلك الاشتباكات الداخلية بين ما نكون وما نبتغي أن نكونه.. أو بين ما كنا عليه وبين أن نصبح أكثر مما كنا عليه.. تتداخل وتتفاعل إرادات كثيرة.. إذ ليست هي فقط إرادة القوة التي قال فيها نيتشه.. وليست «الإرادة- الحياة» التي تحدث عنها سواه.. ولا من قبيل إرادة التغيير.. أو الإرادة القدرة.. أو الرغبة قوةً وإرادةً.. إنها خليط غريب من كل ذلك.. ومكمن غرابته يتمثل بقدرته على جمع ومزج كل تلك المكونات منصهرة في بوتقة إرادة العيش كطيف حلم يداعب أقصى رغباتنا..
طيف حلم..!
أيكون ذاك الخليط هو إرادة الحلم..!
فتنمو أحلامنا هكذا على غفلة من وعينا.
لعله آلية خفية لإرادةٍ تنغرس في صلب رغباتنا دون سابق إدراك أو وعي.. ويبدو أنها وفق هذه الآلية تصبح الأكثر قوة بين جموع كل تلك الإرادات..ألم يقال إن «الحلم رغبة مرعبة "بالقوة»..؟!
lamisali25@yahoo.com"