فما الذي يعنيه هذا الخطاب? لماذا حافظ الرئيس الأميركي بوش ووالده منذ أكثر من عشرين عاماً على علاقتهما مع عائلة بن لادن? لماذ ا المصرفي السعودي الكبير صهر أسامة بن لادن, والمشتبه بتمويله لشبكات القاعدة كان دائماً يمد يد المساعدة لجورج بوش الابن في نشاطاته البترولية, حتى أنه أول من هب لإنقاذه من الإفلاس?
وكيف تفسر استماتة بوش الأب عندما كان رئيساً للولايات المتحدة في تسليح صدام حسين وتمويله, بل لعله هو الذي حرضه على غزو الكويت? ثم بعد اثني عشر عاماً .. ما تفسير رغبة بوش الابن المستميتة في تدمير صدام حسين ونظامه?
هذا الكتاب.. حرب آل بوش الذي كتبه أريك لوران وعربه سلمان حرفوش يأخذ بيد القارىء الى أعماق أكثر الأسوار غموضاً, ويلقي الأضواء على كل ما في هذه القضايا من زوايا معتمة .
يتألف الكتاب من 228 صفحة توزعت على 10 أقسام, ومقدمة الطبعة العربية, ومقدمة الطبعة الفرنسية. وسوف يكتشف القارىء وهو يتابع صفحات هذا الكتاب بأن الأخلاق والوجدان لا يتحكمان إلا قليلاً بالعلاقات الدولية. وأن الأحداث الهامة فعلياً, نادراً ما تتطابق مع الروايات الرسمية.. وفي هذا التحقيق تلقي السياسة والأعمال, والمال, على تخومها العجيبة بظلال لعبة تختلط فيها الأشباح غائمة الملامح والتضليل والتلاعب الذي ينتهي.
هذا الكتاب يساعد على توضيح وفهم الصداقة الخاصة والمتناقضة بين عائلة بوش وبن لادن, كما مع صدام حسين.. ليس هذا فقط بل يساعد أيضاً على فهم المشروع السياسي لحفنة من الرجال الذي يحيطون بالرئيس بوش والذين يسعون الى تأسيس الديمقراطية على الطريقة الأميركية في العراق أولاً... ومن ثم نشرها وتطبيقها على البلدان الأخرى دون إدراك الحقائق الثقافية والدينية والاجتماعية والسياسية في دول المنطقة والجوار.. إنه يجسد برنامجاً تبشيرياً ودوغمائياً في آن واحد ... والذي سيصطدم بالواقع الحقيقي بالتأكيد.
منذ البداية .. لقد وقف بريسكوت بوش الجد دون مواربة في صف الزمرة التي تنتهز الفرص السانحة, جماعة التحلل من كل شيء حيث الأعمال تتحرك على قاعدة متينة من اللاسياسية, وغياب القناعات العميقة .. بالإضافة الى بعض التحلل من الأخلاق الملازمة لعالم الأعمال.
وها هو جورج بوش يبوح بالحكم بعيد انتخابه للرئاسة , لقد أعلن جدي لنا جميعاً : قبل أن تدخلوا الى ميدان السياسة... عليكم أن تنجحوا في ميدان الأعمال .. حينذاك سوف يقتنع منتخبوكم بأنكم من أصحاب الكفاءات والنزاهة, وأنه لا هم لكم سوى المصلحة العامة).
في الحقيقة لم يكن لدى بوش الابن أي إلمام بالأعمال, كانت تنقصه الجرأة, لكن بالمقابل ما لن يخذله أبداً, كان الدعم المالي من جانب عائلته..ومن طرف أصدقاء أثرياء وأصحاب نفوذ مالي, فتلك حلقة من الحماية والدعم لن تكف عن التوسع .. وكأن من شأنها أن تحول إخفاقاته المتوالية والباهظة الخسائر الى عمليات تدر الربح عليه, هناك ثلاث روايات حميمة مرتبطة بأزمة الخليج الأولى 1990- .1991
- بعد أسابيع من انفجارها قال بوش موجهاً الحديث الى برنت سكوكروفت: عندما سقطت طائرتي في الحرب .. سألت نفسي لماذا بقيت على قيد الحياة ... الآن فهمت السبب ..ثمة مهمة أرادني الله أن أقوم بها.
- سأل بوش المجتمعين .. ماذا لو انسحب صدام حسين من الكويت ?
جاءت الردود... وكان رأي بوش : لا بد أن يفوز تحالفنا بتدمير جيش صدام حسين بحيث لا يشكل تهديداً لاحقاً في المستقبل.
- قال جيمس بيكر لطارق عزيز بعد اجتماع فاشل دام أكثر من ست ساعات: هل تدرك أن الحرب مع الولايات المتحدة لن تكون بحربكم مع ايران?
في بداية أيلول من عام 2001 كان من الصعب تخيل رئيس للولايات المتحدة ووزير دفاعه أقل استعداداً لمواجهة تلك الكارثة الكبرى.. كان الأول قد أسيء انتخابه ولا يحظى إلا بتقدير محدود في الخارج وفي بلده على حد سواء.. أما الثاني فكان يواجه صعوبات كبرى في فرض وجوده داخل البنتاغون, بل وكانت الإشاعات قد بدأت تروج حول استقالته من منصبه.. لكن ها هو بوش ومعه طاقمه الإداري بعد أحداث 11 أيلول يقوم بانعطاف 180 درجة.. فبن لادن الذي كان المطلوب القبض عليه حياً أو ميتاً لا يزال على قيد الحياة ولا يمكن الإمساك به, وفي الوقت نفسه راح خطر القاعدة يتعاظم على أمن الغرب .. حيال ذلك أليس من المغري التحول للانقضاض على هدف جلي واضح مثل العراق?
لقد أصبح العراق الهدف الأكبر والأول في معادلة محور الشر ( خاصة وأن العراق ينتج أسلحة الدمار الشامل) ... فهل تنتظر الولايات المتحدة الى أن تباع الى تنظيمات كالقاعدة قبل أن تتدخل?
إن المخاوف المرتبطة بالهجوم العسكري على بغداد كان ينظر إليها تقريباً بالسخرية والضحك حيث كين آديلمان يصرح بمنتهى البساطة (في رأيي أن تحطيم قوة صدام حسين العسكرية وتحرير العراق ما هي أكثر من نزهة حقيقية.. لا أحد يستطيع أن يعلم مدى السهولة التي قد يدخل بها الأميركيون الى بغداد.. لكن لا أحد يستطيع أن يتحدث عن نزهة لعملية عسكرية تحتاج الى مئات الآلاف من الجنود.)
وأعلن الجنرال زيني هو الآخر بأن ( من الأفضل للولايات المتحدة التفاوض من أجل سلام دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين مع الاستمرار في ملاحقة شبكات القاعدة. قبل أن تفكر بالاندفاع للإمساك بصدام حسين.)
في أوروبا انعكست الانقسامات على القرار الأميركي سلباً فأصبحت ذات طنين ورنين فالقليل من البلدان الأوروبية تؤيد الموقف الأميركي. وفي 22 تشرين أول 2002 صرح وزير الخارجية الفرنسي ونظيره الروسي (بأن على الولايات المتحدة تقديم تنازلات أكبر للحصول على دعم بلديهما نريد عودة المفتشين وإزالة أسلحة التدمير الشامل, وليس تغيير النظام في العراق.
لا نرغب في قبول كلمات ملتبسة يمكن استخدامها كضوء أخضر للغزو الأميركي في النهاية).
مقابل ذلك خلع بوش ثوبه الدبلوماسي و صرح ( إذا لم تتوصل الأمم المتحدة الى اتخاذ قرار فلن ينزع صدام أسلحته, حينذاك سوف نقود تحالفاً لتجريده من السلاح باسم السلام).
في 21 كانون أول 2002 عنوان صحيفة اللوموند هو : ( العراق خطوة إضافية نحو الحرب) ووفق ما جاء على لسان وزير الخارجية كولن باول ( ها هي الحرب تبدو أكثر فأكثر قرباً وحتمية) .. وبالفعل كانت الحرب على العراق.
من بعد الانتهاء من قراءة هذا الكتاب .. لن يستطيع أحد أن يصدق بعد اليوم الحقيقة الرسمية.