كما تقف اليوم في محاولة للفهم والتفهم تمهيدا للتفاهم بعد صدمة الإرهاب ولم تتردد مفردة الإرهاب على ألسنة الناس على اختلاف اجناسهم ولغاتهم, كما تتردد اليوم تحت وطأة الارهاب ذلك ما دفع البعض للتساؤل: أكان الارهاب ترى نقمة أم نعمة ?! ولعل السؤال الأهم كان: هل وعت البشرية الدرس وأفادت من قسوته?! في الندوة الشهريةالتي تقيمها دار البعث حاول كلا من الدكتور رفعت سيد أحمد من مصر والدكتور طيب تيزيني من سورية والدكتور علي أبو الحسن تقديم توصيف شامل للإرهاب.
فرأى الدكتور رفعت سيد أحمد أنه: إذا كان الحادي عشر من أيلول يؤرخ لعصر جديد, فإن أهم سمات هذا العصر هو انهيار الشرعية الدولية, وغياب الديمقراطية الغربية وموت حقوق الإنسان واسقاط كل ما انجزته البشرية عبر تاريخها الطويل من انتصار لقيم العدل والمساواة وحق الشعوب في تقربر المصير, وقد انطلق في فهمه للإرهاب من خلال ثلاثة عناصر أساسية:
1- تعريف الإرهاب 2- أسباب هذا الإرهاب 3- ضرورة التفريق بين الارهاب والمقاومة المشروعة ولاسيما ان الولايات المتحدة وربيبتها الصهيونية ارادتا الخلط بين الارهاب والمقاومة وفي تعريفه للارهاب رأى أنه: ( كل فعل من أفعال العنف أو التهديد أيا كانت بواعثه أو أغراضه يقع تنفيذا لمشروع اجرامي فردي او جماعي, ويهدف إلى ألقاء الرعب بين الناس او ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم او أمنهم للخطر) والإرهاب من حيث طبيعته قد يكون سياسيا, ثقافيا , عقائديا أو اقتصاديا, ومن حيث الوسيلة هو ارهاب بالمعنى الفردي الناتج عن استبداد سياسي او ارهاب اجتماعي, او ارهاب دولة متمثل في الاعتداء على استقلال دولة او شطبها من التاريخ كالارهاب الاميركي الصهيوني, ومن حيث التقسيم على مستوى المجال الجغرافي فهناك ارهاب محلي ودولي, واما أسباب او دوافع الارهاب فهي تتنوع بين اسباب داخليةكالاستبداد السياسي الذي يعد سببا رئيسيا لتفجير الارهاب, وخارجية من خلال سياسات الهيمنة والمصالح ا لتي تدفع باتجاه نشوء الارهاب واستمراره, ودعا الدكتور رفعت الى مقاومة الارهاب الصهيوني الذي لايزال يحتل الارض ويغير معالمها الجغرافية والديمغرافية ويعمل على تهويدها وتدمير الحضارة العربية والاسلامية وترحيل العرب واحلال المستوطنين اليهود محلهم, مايجعل اللجوء الى مقاومة الاحتلال من اقدس الواجبات الوطنية والقومية و الدينية, كما ان الولايات المتحدة و ( اسرائيل) نعتت المقاومة الفلسطينية ومقاومة حزب الله بالارهاب في محاولة منها لتثبت الاحتلال واغتصاب الحقوق والمقدسات العربية وتهويدها, وتبرير الهولوكوست الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني وكذلك الأمر بالنسبة للمقاومة في العراق, زد على ذلك ينصب الاهتمام الآن على الاسلام هل هو عنيف بطبيعته اي ارهابي, ام ان فيه تيارين احدهما عنيف والآخر معتدل: بل إن كثرة منهم ذهبت إلى ضرورة التغيير الثقافي والسياسي لدى العرب للخروج من ( ثقافة الارهاب) وينفرد الأميركيون بالذهاب إلى ترجيح إحداث التغيير عند العرب بالقوة العسكرية كما حدث في العراق بحجة ان الأنظمة العربية القائمة والجمهور الهائج, كل ذلك يشكل خطرا على الولايات المتحدة وعلى الأمن الدولي.
وتحدث الدكتور طيب تيزيني عن الإرهاب كقضية راهنة بوصفه الآن مصطلحا أخذ يكتسب خصوصية وأبعادا مع ظهور النظام العالمي الجديد وتداعيات أحداث 11 أيلول, فمنذ انهيار الاتحاد السوفييتي ووضع حد للحرب الباردة بدأت الولايات المتحدة الأميركية تتصرف باعتبارها زعيمة للعالم فهي المنتصرة وعليها أن تقطف ثمار هذا الانتصار بتأكيد وحدانية سلطتها على العالم وفرض هيمنتها وسلطاتها وتقرير شؤون وأمور المنظمة الدولية والتدخل في شؤون الدول وتقرير ما يجب ان تكون عليها نظمها واقتصادياتها وفقا للمنظور الأميركي و الولايات المتحدة لا تقبل قسمة او توزيعا في مسؤولية القرار العالمي وهي لا تقبل ايضا قيادة جماعية وقد أسهمت حرب الخليج الثانية التي تزامنت مع انهيار الاتحاد السوفييتي في خدمة الخطة الأميركية واظهار الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى الأولى في العالم وتعزيز النهج اليميني الأميركي المتطرف الذي يمثل كارتلات الصناعة العسكرية والنفطية وما استتبع ذلك من تهميش للمنظمات الدولية واجتياح النموذج الليبرالي الأميركي للعالم على نحو احدث اختلالا في التوازن العالمي وجعل الدول الكبرى غير قادرة على الاعتراض على التفرد الأميركي حيث العالم يعيش صدمة انهيار الاتحاد السوفييتي وكانت احداث ايلول نقطة فاصلة في علاقة الغرب بالشرق وخلقت مفاهيم جديدة طرحها الغرب تصطدم بالمعايير الإنسانية المتعارف عليها خلال حقب التاريخ, ومن بين هذه المفاهيم التي تحمل مغالطات جسيمة:
1- كفاح الشعوب من أجل حريتها - خاصة من شعوب الشرق - يعد ارهابا وطبقت القاعدة على كفاح الشعب الفلسطيني لنيل استقلاله وحريته, فقد وصمت المنظمات التي تقاوم الاحتلال في الأراضي الفلسطينية بالارهاب ووضعت على قوائم سوداء في أميركا وأوروبا 2- الحرب ضد الإرهاب يعطي حلفاءها الحق في غزو بلدان العالم واحتلالها على نحو ما حدث في أفغانستان والعراق, ليعود الاستعمار بصورته القبيحة في ثوب مطاردة الارهاب على حساب ارواح الآلاف والملايين من هذه الشعوب ومتجاوزا القوانين والمواثيق وكافة اشكال الشرعية الدولية.
3- سعى الغرب لفرض أفكاره ومعاييره وتدخله في محاولة تغيير معايير الآخرين وثقافاتهم دون مراعاة لخصوصيتهم, من ذلك محاولة الأميركيين لتغيير مناهج التعليم وخاصة التعليم الديني بدعوى حضه على العنف والتطرف والارهاب ,وعمله على تغيير أنظمة الحكم بالقوة (النموذجان الأفغاني والعراقي) لكن الدكتور تيزيني لم يفقد الأمل بل رأى أن العرب والمسلمين يملكون القدرات التي تمكنهم من الوجود والاستمرار على خارطة العالم الحديث, ومواجهة تحديات العصر. لكن المشكلة الحقيقية هي في قدرتهم على استثمار ما يملكون وتوجيهه في المسار الصحيح.. ساعتها سوف يكون احترام الغرب لنا حقيقياً ونابعاً من رغبة في التعامل بندية وليس مجرد تصريحات لتلطيف الأجواء وتخدير العقول!..
وتحدث الدكتور علي ابو الحسن عن خطورة المرحلة الراهنة وما تتعرض له سورية من حملات ضغوط واسعة تمارسها الإدارة الاميركية لاضعافها والنيل من صمودها. واضاف بالقول: لم يعد مقبولاً ان تقود (اسرائيل) حملة تضليل واسعة تقلب فيها الحقائق, وتزعم انها ضحية إرهاب وهي التي يطفح سجلها التاريخي بكل ما هو ارهابي, لان أعلى اشكال الارهاب, بلا جدال, هو الاحتلال.
لقد كانت سورية سباقة, ان لم نقل رائدة حقاً وفعلاً في الدعوة الى ضرورة تسمية الاشياء بمسمياتها, وملحة ايضاً على وضع النقاط على الحروف, كلها بالنسبة للارهاب, وتعريفه دولياً, اضافة الى توصيفه سياسياً وقانونياًَ وشرعياً وانسانياً, والتفريق بينه وبين المقاومة لانه لا يجوز ان يكون القاسم المشترك بين المقاومة والارهاب الذي هو (العنف) موضع استغلال وتوظيف خطير وأعمى من جانب (إسرائيل) لتطلق على كل حالة مقاومة حتى لو كانت تظاهرة احتجاجية صفة الارهاب.
ان المنطق السليم لا يستقيم دون وضع حدود فاصلة بين الارهاب والمقاومة, وتلك مسؤولية تقع على عاتق المجتمع الدولي ومؤسساته الشرعية وهيئاته الانسانية ولجانه القانونية والسياسية المتخصصة, ولان (اسرائيل) تعرف كيف تعكر صفو المياه لتصطاد فيها وجدت في احداث نيويورك وواشنطن في اطار حملة غير مسبوقة من كيل الاتهامات للعرب والمسلمين, وجدت (اسرائيل) انه يمكنها ان توظف الاجواء والظروف غير العادية التي رافقت هذه الاحداث لصالح نهجها الارهابي, بل للتغطية على هذا النهج بمزيد من التمسك به, وبمزيد من سوق الادعاءات والاتهامات والاضاليل ضد العرب والفلسطينيين, وفبركت وعلى عجل سياسة تقوم على استمالة عواصم القرار في العالم ضد العرب والمسلمين, بل ضد حالة مقاومة الاحتلال التي كانت قد وفرت اجواءها وعلى نحو مشجع للانتفاضة الباسلة في الاراضي المحتلة, وصمود المقاومة الوطنية اللبنانية في الجنوب, وعملياتها النوعية ضد المحتلين الصهاينة.
وختم قائلاً: إن اشتداد المقاومة ينتج عن ارهاب المحتل والمغتصب للارض والحقوق والمقدسات, فسياسة الاستعمار الاستيطاني والقتل والتدمير والابادة الجماعية تدفع بالشعب الواقع تحت الاحتلال الى الرد على الابادة الجماعية والاحتلال باللجوء الى القوة لتحرير الارض من نير الاحتلال البغيض ,يضاف الى ذلك الانحياز الاميركي الوحشي للاحتلال الاسرائيلي الذي ولد ويولد شعوراً كبيراً بالاحباط لدى العرب والمسلمين.
ويدفع الانحياز الاميركي والاوروبي لاسرائيل, الشعب الفلسطيني الى اللجوء الى استعمال القوة المتاحة لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي المدجج باحدث الاسلحة الاميركية, وذلك انطلاقاً من مبادىء القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.