والريف والأحياء القديمة والعناصر الإنسانية والأزهار والأجواء الصحراوية.
والمعروف عن يوسف الصابوني أنه اتخذ من تجارب فناني تيار رومانسية ما قبل الانطباعية, منطلقاً حيوياً, كشف عن جمالية لونية, تحمل ملامح محلية, من خلال البحث عن شفافية اللون وشاعرية النور وإيقاعية الظل ورهافة اللمسة الماهرة, التي جعلت منه واحداً من الملونين المائيين البارزين في حركتنا الفنية السورية .
ففي لوحاته جسد انطباعات امتداد الأفق الأزرق وتموجات الأشجار والأعشاب في حالات الوصول إلى أقصى درجات الشاعرية والشفافية.
ولقد مزج تشكيل لوحاته ما بين إيقاعات اللون والنور والانطباع الشاعري, باحثاً عن عمق الرؤية, من خلال تمسكه الدائم بالألوان المائية الحاضنة لضوء الشرق ونور الشمس.
كان الراحل يرسم بحرية وعفوية ويغوص في تجربة تعبيرية متحررة تدمج ما بين أشكال الطبيعة وعناصر الزهور و رموز الصحراء , في سياق الوصول إلى لوحات آتية من ضربات فورية ومباشرة ونهائية, لأن اللون المائي شفاف, ولا يقبل التعديل او الإضافة, بخلاف اللون الزيتي, الذي يمكن تعديله باستمرار, وذلك بوضع طبقة فوق أخرى.
ولقد تحول المشهد في لوحاته من حالة إلى أخرى, في ظل الاقتراب او الابتعاد عن الصياغة الواقعية. ومن خلال هذا التنقل بين الوضوح والغياب, كان يزاوج بين المؤشرات اللونية الانطباعية المثبتة في جزئيات اللوحة, وبين الأداء اللوني الأكثر حداثة, والذي ظهر عبر لمساته العفوية والتلقائية والاتجاه نحو إيجاد المزيد من الاختصار و التبسيط.
ورغم أن لوحاته بقيت في إطار الشكل المنظور بالعين والملموس بالقلب, فقد تعامل مع الألوان بحرية ذاتية أضفت العناصر الإيقاعية المقروءة في التبقيع اللوني, مع التأكيد على رصد الطيف الشمسي وتقسيماته الضوئية المنفلتة من القيود الأكاديمية أو المدرسية الصارمة.
وهذا يعني أن تصويره للأماكن والمشاهد لم يكن بعدسة سائح أو بعين مدققة في التفاصيل, بمقدار ما كان خطوة في اتجاه البحث عن روح الانتماء التشكيلي, إلى معطيات الحداثة المستمدة من جغرافية العلاقة الحميمية مع الألوان المحلية.