تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الثقافة... معركة وعي قديمة - حديثة لانتصار الذات..

شؤون ثقا فية
الأحد 27/4/2008
هفاف ميهوب

يذهب البعض إلى القول أنه مع تطور علم الوراثة , بدأت عملية انتقال الإنسان من كائن وراثي إلى كائن ثقافي..

وهنا تراجعت الغرائز تدريجياً ليحل محلها العقل من خلال الوعي والثقافة التي جعلت الانسان لايتكيف مع بيئته فحسب وإنما يكيفها لحاجاته ومشروعاته أيضاً.‏

ولأن الكلمات تصنع التاريخ , والتاريخ يخلدها - ما علينا سوى العودة إلى أصل كلمة ثقافة والبحث عن أصلها وتطورها الدلالي..‏

رغم أن الكلمة( ثقافة) كلمة قديمة يعود أصلها إلى اللاتينية وتعني(رعاية الحقول) أو ( قطعان الماشية) إلا أنها في فرنسا تحديداً تحولت من حالة إلى فعل , ليتحول معناها من (تهذيب الأرض) إلى(تهذيب العقل).‏

وهكذا إلى أن فرضت كلمة في القرن الثامن عشر- فدخلت الأنوار وبمفردات دونت في معجم الأكاديمية الفرنسية- وصار يقال: ثقافة الفنون -الأدب - العلوم.‏

شيئاً فشيئاً, تحررت الكلمة من مضافاتها وانتهى بها الأمر بأن استعملت للدلالة على ( تكوين) و(تربية) العقل والنفس- وتم اعتبارها حالة العقل - عقل الفرد الذي يملك ثقافة . تكرس هذا المفهوم فأصبح فلاسفة عصر الأنوار ينظرون إليها باعتبارها سمة مميزة للنوع البشري. ومحصلة المعارف التي تراكمها البشرية عبر تاريخها وتغيرها.‏

بهذا المعنى اتسع الصدى ليشمل أرجاء أوروبا الغربية وباتت الثقافة. شكلاً من أشكال الوعي الذي يعبر عن واقع مجتمع ما. سواء بطريقة التعبير اللغوي أو المكتوب والمتداول من شعر ورواية ومسرح وعلوم إنسانية واجتماعية وغيرها.‏

في السياق العربي, لم تستخدم كلمة الثقافة في اللغة العربية بالمعنى الذي نعرفه اليوم إلا في القرن التاسع الميلادي عندما استخدمها أديب العربية, أبو عثمان( الجاحظ) بمعنى(تسوية الفكر) وقبل ذلك كانت كلمة( ثقّف) من فكرة تشذيب قناة الرمح وتسويتها.‏

أما مفهوم (المثقف) فهو حديث العهد شاع استخدامه مع بداية النهضة العربية, وانتشار التعليم فأصبح يعني (معظم المتعلمين)- وتختلف النظرة إلى المثقف بين العالم العربي والغربي- فكلمة( مثقف) في الغرب سواء من حيث المعنى اللغوي أو الاستعمالي تعني الشخص المهتم والمتابع في مجال بعينه( أدب أو سينما أو مسرح..)‏

أما في الثقافة العربية فالحدود غير واضحة بين المثقف الذي هو قارىء لكل شيء , وبين المفكر والمبدع وغالباً ما يطلق على الجميع( المثقفون).‏

وإذا كانت الثقافة شكلاً من أشكال الوعي الذي يعبر عن واقع مجتمع ما... إلا أن علّة العقل العربي تكمن في سلفيته غير القابلة للتغيير. فمثقف اليوم( بالمعني الشائع) ليس إلا امتداداً لنخبة الأمس الفكرية في تعاملها مع المجتمع وقضاياه. فهولايتغير مع المتغيرات ولا يحاول فهم معناها الحقيقي.‏

وبالنهاية, يبقى يدور ضمن حلقة مفرغة دون أن يوصل رأيه الذي يطرحه إلى المستوى والمجتمع المطلوب توعيته واستيعابه لما يحصل حوله. وأيضاً دون أن يدري هو مع من, أو ضد من, وهنا يقع في ازدواجية ثقافية.‏

قد يكون وجود عدد من العقبات سبباً لهذه الأزمة. كالانفصال عن الجماهير والانفصال عن القراءة والاطلاع المثمر- وأيضاً التناقض مع المثقف السياسي مع انعدام وجود المناخ الديمقراطي المناسب, وأخيراً ا تطور التقني الهائل, ووقوع الإنسان تحت تأثير موجات العولمة الكونية والصراع الاقتصادي والسياسي وتخدير العقل احتكاراً.‏

يبقى أن نقول: إن المثقف والثقافة العربية في معركة الدفاع عن الذات ضد ( الغزو الفكري) و(الغزو الذاتي) إنها معركة إبداع وإثبات ذات , فهل ننتصر أم نستمر في الخضوع لداء هزيمة الوعي بانتظار الشلل والموت الثقافي المحتم...‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية