والخريف ربيعاً دائماً.. إنها الأزهار التي تنتزع الحزن من الصدور لتغرس مكانه الفرح والأمل والحب.. التي كانت في يوم من الأيام امتداداً طبيعياً لوادي النيربين ومنطقة الربوة في حديقة تشرين والتي تبدو كعروس من عرائس الطبيعة...
تزف كل ربيع بثوبها الملون لمعرض الزهور الدولي السادس والثلاثين الذي يقصده الزوار من كل حدب وصوب ليروا تلك اللوحة الرائعة للتمازج البشري الطبيعي التي تبهر الأنظار..
شعار المعرض
اتخذ المعرض من الوردة الشامية شعاراً له وذلك لشهرة الشام بها منذ آلاف السنين.. والتي تمثل الزهرة الوطنية الفلكلورية لسورية..
وقد أطلق عليها ملكة الأزهار وتعرف في كل أنحاء العالم باسم /Rosa Damascena/ فمن دمشق انطلقت شجيراتها وعطورها الى جميع أنحاء أوروبا ولا تزال رسوماتها بالحصى الملون تفترش أرض قصر الحمراء بغرناطة وفي بلغاريا يوجد واد مليء بها ويقول عنه البلغاريون: إنه قطعة هاجرت من دمشق واستقرت لدينا.
وقد اتخذها معرض الزهور شعاراً له منذ عام /1970/ وفي كل عام تتجدد تلك الظاهرة الفنية جمالاً وتألقاً. وتميز المعرض بالمشاركات المحلية والدولية الواسعة من أهمها (السودان، الأردن، مصر، العراق، تركيا، تايلاند).
مشاركات محلية
- بداية التقينا السيد سيف الدين نصر الذي قال : إن لديه مشتل ورود من إنتاجه ويشارك في معرض الزهور كل عام منذ /1984/ ويضم المشتل أنواعاً كثيرة من الورود كالوردة الشامية والياسمين البلدي والفل إضافة الى نباتات الصالونات وجميع أنواع الحوليات والبذور التي تستخدم من أجل تنسيق الحدائق والشوكيات.
وتحدث عن الوردة الشامية وقيمتها الكبيرة التي تضاهي الذهب فالغرام الواحد من عطر الوردة الشامية يساوي قيمته غرام الذهب من حيث القيمة المادية.
المهندس الزراعي آصف علي وصاحب مجلة الحياة الزراعية فحدثنا عن أهمية الحدائق والزهور من الناحية البيئية حيث قال: عبر التاريخ تقاس حضارة الشعوب بمدى اهتمامهم بالحدائق والأزهار والأشجار من العصور القديمة وتأتي أهمية هذه النباتات في إعطاء البيئة النظيفة والجميلة وتساهم في تلطيف الجو.. وتمتاز بلاد الشام بالمناخ المتوسطي الذي يحوي على أصول معظم النباتات في العالم ويأتي اهتمام الدولة ودعماً للتطوير الزراعي في التوجيه الى زيادة المساحة المروية والاتجاه الى الري الحديث وزيادة مساحة الزراعة في القطر من ناحية الغابات الحراجية والأشجار المثمرة.
استثمار اقتصادي
لم تعد الزهور مجرد رسول بين العشاق.. أو رمزاً للتعبير عن الحب والهيام.. بل تحولت الى مجال للاستثمار الاقتصادي ودخلت مجال التجارة والبيع والشراء.. فأصبحت تقدم في أغلب المناسبات الاجتماعية المفرحة منها والمحزنة.. في الأعراس والزيارات.. وفي الاستقبالات الرسمية وعند زيارة المرضى وبمناسبة استلام المناصب وافتتاح المحلات وتقديم أكاليل الزهور للشهداء الذين انتهت رحلتهم في الحياة.
لقد أصبحت الزهور سلعة استهلاكية كبقية السلع.. فكثرت محلات بيعها وارتفعت أسعارها.. حيث إن الاستثمار في هذا المجال هو استثمار مربح ويمكن أن يسوق محلياً وأن يصدر إلى خارج البلاد.. فأصبح هناك مختصون في زراعة واستنبات الزهور واستيرادها وتصديرها.
ونتمنى أن تصبح سورية دولة مصدرة للزهور نظراً لما تتمتع به الزراعة السورية من دعم واهتمام حكومي الذي يعتبر أ حد عوامل نجاح هذا التوجه، إضافة الى المناخ الملائم والموقع الجغرافي الهام.
اهتمام متزايد
حدثنا محمد محايري صاحب مشتل عن أول مشاركة له في هذا المعرض، بقوله: كنت فيما مضى من زواره، وهذه السنة أشارك بمجموعة من نباتات الزينة والشتول المزهرة والشوكيات، وما ألحظه بشكل واضح أن هناك اهتماماً متزايداً من قبل الزوار وإقبالاً على شراء النباتات واقتنائها في منازلهم، وتزيين شرفاتهم بها، ولديهم اندفاع لمعرفة كيفية العناية بها، وهذا يعكس وعياً من قبلهم لأهمية النباتات في الحفاظ على البيئة، وما تعكسه من ارتياح نفسي عند مشاهدتها، والمعرض فرصة للتسوق واقتناء النباتات الجديدة والغريبة، وهو مناسبة لتصريف منتجاتنا.
وعن المنافسة بين المشاتل المشاركة من حيث تقديم المميز والأفضل، قال محمد كمال العزب صاحب مشتل: منذ ثماني سنوات ونحن نفوز بالجائزة الأولى لأجمل جناح، حيث يتسابق أصحاب المشاتل المشاركة على عرض النباتات والزهور بطريقة جذابة، وما يميزنا أنه لدينا نباتات مستوردة ونادرة وهي غالية قياساً للنباتات الموجودة في سورية كما أنها بطيئة النمو، وما يميز النباتات والزهور الموجودة لدينا، تأقلمها مع الجو ومقاومتها للعوامل الجوية ونموها السريع وأنواعها متعددة.
من كل بلد زهرة
مشاركات دولية عدة أغنت المعرض وأعطته طابعاً مميزاً، فمن العراق كانت مشاركة زهور بغداد، رسالة سلام الى العالم، تقول رائدة شناوه ناهي، مسؤولة الجناح: هذه مشاركتنا الخامسة، قصدنا من خلالها عكس ما هو موجود في العراق من أمان، وهي رسالة الى الأشقاء العرب أن أهل بغداد مشتاقون للسلام ولديهم توق للقاء اخوانهم العرب، وقد جلبنا بعض النباتات المميزة مثل الهيل والحنة والبزرنكوش، كما أتينا ببعض الصور التي تمثل معالم بغداد وأقراص عرضنا من خلالها أبرز الحدائق في بغداد مثل منتزه الزوراء والحدائق الغنية بالنباتات المميزة الموجودة لدينا، إضافة للنحاسيات ومنتجات النخيل وهي رمز العراق، وعن النباتات الدمشقية التي سمعت عنها، قالت: سمعنا كثيراً عن الوردة الدمشقية وفي العراق تسمى الورد السلطاني أو المحمدي، ولو خيرت ماذا أحمل من دمشق الى العراق، لاخترت الفل الدمشقي، فهو ليس متوفراً لدينا بسبب الحرارة المرتفعة، وهو مشهور برائحته المميزة ومشكلة الجميل.
وفي الجناح المصري التقينا المهندس محمد أحمد مصطفى وكيل وزارة الزراعة، حيث قال: نحن حريصون على المشاركة في كافة الأنشطة التي تقيمها سورية ومن ضمنها معرض الزهور، ونحاول أن يكون الجناح محتوياً على نباتات لها قيمة اقتصادية، حيث أحضرنا بعض النباتات التي تنتج الوقود الحيوي مثل (الجاتروفا والجوجوبا) فهذه النباتات تنتج بذرة يتم عصرها وتنتج 40٪ من وزنها زيتاً بديلاً لكليروسين، حيث يعتمد تقدم الدول على نسبة إضافة هذا الوقود الى الوقود المعدني، لأن ذلك يؤدي الى تقليل درجة التلوث، بقدر نسبة الاضافة.
مناسبة للتواصل الاجتماعي
وللسنة الثانية على التوالي تشارك المملكة الأردنية الهاشمية في هذا المعرض، عن هذه المشاركة حدثنا مسؤول الجناح جرير القضاة بقوله: هذا المعرض من المعارض العريقة والمعروفة دولياً، والحضور الجماهيري رائع ومشجع، وما يميز جناحنا أزهار القطف مثل (الكريز واللويزيا والليلوم ومار اليوسف) وهناك إقبال كبير عليها حيث تستخدم لباقات الأعراس والمناسبات، وهناك تعاون مشترك بين الأردن وسورية بالاستيراد والتصدير، ونحن نهتم كثيراً بالمشاركة السنوية لتسويق منتجاتنا كما أنها تشكل مناسبة اجتماعية للتواصل والاتصال المباشر مع الزوار لتعريفهم بالأزهار والنباتات الأردنية وتبادل المعرفة والخبرات بين المشاركين.
قيمة جمالية
وبعد أن كانت الزهور منتجاً كمالياً يتعاطى به الميسورون فقط، أصبحت مثار اهتمام كل شرائح المجتمع، وبهذا الخصوص حدثنا المهندس الزراعي محمد الشبعاني رئيس منتجي الأزهار والمشاتل في سورية عضو اللجنة المنظمة بقوله: حاول المعرض هذا العام التأكيد على أهمية النباتات والأزهار كعامل بيئي مساعد في وقف التصحر وجلب الأمطار، فنتيجة انتقال الانسان من السكن المفتوح الأرضي الى السكن المغلق والطابقي وكون النباتات والأزهار وثيقة الصلة والارتباط بالانسان بكل مشاعره في أحزانه وأفراحه ولما يشكله من قيمة جمالية، فقد كان معرض الزهور وسيلة من وسائل التعبير عن هذا الارتباط الوثيق، وهناك حملات تنموية بيئية على هامش المعرض، مثل المشاركة في زراعة جبل قاسيون ببعض النباتات والأزهار البيئية المتحملة للجفاف ومتجددة ذاتياً، وحملة أخرى لزراعة 15 ألف شتلة مختلفة تشارك فيها الوفود العربية المشاركة والجمعيات الأهلية وبعض المنظمات الشعبية، بحيث نصل الى غطاء نباتي دائم الخضرة في جبل قاسيون.
نهدف لزيادة المشاركة وتنويعها
وقفتنا الأخيرة كانت مع المهندس فيصل نجاتي - مدير سياحة دمشق- مدير معرض الزهور الذي حدثنا عن تنظيم المعرض والجديد في فعالياته، حيث قال: تنظم وزارة السياحة هذا المعرض بالتعاون مع محافظة دمشق، حيث تقوم مديرية السياحة بتنفيذه وتنظيمه، وهو ليس بالشيء السهل، وتتوزع الترتيبات على ثلاثة محاور، محور يتعلق بالمشاركين وتأمين متطلباتهم وإدخال المواد وترتيبها، والمحور الثاني هو الفعاليات اليومية المرافقة، والمحور الثالث هو الترويج والتسويق للمعرض، فقد قمنا بحملة ترويجية من بروشورات وحملة طرقية وتوزيع الورود فقد وزعنا 15 ألف زهرة في عدة مناطق، كنوع من التواصل المباشر بين المنظمين والزوار، وقد أصدرنا هذا العام بروشورين جديدين، أحدهما عن نباتات وأزهار البيت الدمشقي، والآخر عن الوردة الشامية ومطبوعات خاصة بالفعاليات المرافقة.
وعن حجم المشاركة في هذا المعرض، قال: إن المشاركة بكل معارض الزهور في العالم ليست بالسهل، فالنباتات معروفة بشدة الحساسية والحاجة للعناية الخاصة، ونقلها من دولة الى أخرى بحاجة لتقنيات وأجهزة مبردة، ونقل النباتات له اشتراطات فهو يخضع لفحوص وتجارب للتأكد من عدم وجود مواد جرثومية، ومع ذلك نطمح بكل سنة أن تكون المشاركات أكثر، والسبب أن المشاركة الخارجية تتيح عرض منتجات والتعرف على نباتات وأزهار مميزة وغريبة، ولذلك نحاول مراسلة السفارات والشركات قبل موعد المعرض، ولكن مازلنا نعاني من بعض العقبات، والآن لدينا خطة لتطوير وزيادة عدد المشاركين خلال السنوات الثلاث القادمة بالاضافة للفعاليات والترويج لنرتقي بهذا المعرض الى المستوى الدولي.
توظيفه للسياحة الشعبية
وتابع المهندس نجاتي بقوله: نحن كوزارة سياحة لا ننظر إليه كمعرض زهور ونباتات فقط، بل ننظر إليه كنوع من الاحتفالية، والوردة الشامية هي من مكونات السياحة، وهدفنا توظيف هذا المعرض للسياحة الشعبية والداخلية والزوار القادمين من الخارج، ويهمنا تحويله الى نوع من الاحتفالية الاجتماعية، فلدينا نشاطات للعائلة والشباب والأطفال، لتشجيعهم على زيارة المعرض وزيادة وعيهم البيئي.
نشاطات تفاعلية وتشاركية للأطفال
وعن أهم ما ميزه المعرض لهذا العام، يقول نجاتي: في هذه الدورة أقمنا نشاطات تفاعلية وتشاركية خاصة بالأطفال، منها ورشة رسم على القماش بالألوان المائية بطول 50م، وألعاب تركيبية «بزل» وورشة رسم على الجرار الفخارية، وورشة أعمال الصلصال وورشة رسم علي الوجوه، ووجوه أطفال على شكل أزهار ونحلات وفراشات ودمى لشخصيات كرتونية، بالاضافة للعروض المسرحية التفاعلية.
همسة عتب.. مع محبة
مشكورة جهود وزارة السياحة ومحافظة دمشق، ولكن ما يؤخذ على المعرض، انتشار «الأراكيل» بكثرة في أرجاء المعرض وما يعنيه وجودها من تلويث للبيئة واضرار بالصحة، وهذا يتناقض مع الغاية من المعرض كناحية جمالية وبيئية، تهدف لزيادة الوعي البيئي والحفاظ على البيئة نظيفة خالية من التلوث...