لم أقبضها من إحدى الدوائر، فشددت الرحال إلى حيث المكافأة، فلم أعثر على المحاسب، وإنما عثرت على عدة موظفات جالسات وراء الطاولات، كأنهن الهم في القلب، وكن يشربن الشاي ويثرثرن، ولكنهن صمتن صمت أهل الكهف عندما دخلت.
- السلام عليكن..
ردت واحدة والأخريات أشحن بوجوههن، فلم أبال، ما دمت قد جئت في سبيل قبض المكافأة، فلتسلّم من تسلّم ولتحجب السلام من تريد.
السلام لله.
سألت التي ردت:
- أين المحاسب؟
ردت، بعد أن نظرت إلي من فوق لتحت ومن تحت لفوق، بجفاء:
- لا أعرف!
- هل يتأخر؟
- لا أعرف..
- أمعه موبايل؟
- لا أعرف..
- هل أنتظر أم أمضي؟
- لا أعرف..
ضايقتني (لا أعرف) هذه التي لم تنطق بسواها، لكنني كظمت غيظي، وقلت أسأل المجموعة، سألتهن:
- يا سيدات من تعرف منكن؟
فلم تجبني غير التي كانت تقول لا أعرف بكلمة واحدة، كأنها أخرجتها من بئر
- أنا أعرف، لأنني المخولة بالكلام، ولا أحد غيري!
- قلت:
- أرجوك أعطني كلمة واحدة غير لا أعرف.
قالت:
- تريد أن أعرف ما لا أعرف؟
- قلت:
- معاذ الله، ولكن..
-٠ وخطر ببالي أن أسألها سؤالاً أخيراً- فسألتها:
- أأنت موظفة؟
وجرياً على عادتها بقولها لا أعرف، أجابت بسرعة وعدم انتباه:
- لا أعرف.!!
استعرت كرسياً من موظف في غرفة أخرى، وجلست أنتظر المحاسب أو أحداً.. يعرف! فعدم المعرفة فجيعة!
ومجنون يحكي وعاقل يسمع.