|
ابن الضحاك يصالح الخليفة الواثق.. وإحدى الجواري صفحة ساخرة وماعدا المأمون الذي كان في نفسه شيء من الحسين نظراً لموقفه من أخيه الأمين وتعريضه به أي: المأمون، فإن علاقته بالخلفاء العباسيين التسعة الذين عايشهم كانت طيبة حتى إنه كان يتشفع للواثق عند أبيه المعتصم حين يغضب منه فماذا وقد أمسى هذا هو الخليفة؟ إذا كانت علاقة الواثق متينة بالحسين بن الضحاك منذ كان ولياً للعهد حتى إنه كان يتوسط له لدى والده المعتصم إذا غضب عليه. وعندما توفي المعتصم وبويع الواثق بالخلافة، دخل عليه الحسين معزياً ومهنئاً فجمع بينهما وأبدع في التخلص من دموعه إلى اطمئنانه بالمستقبل.(1) ألم يرع الإسلام موت نصيره بلى حق أن يرتاع من مات ناصره سيسليك عما فات دولة مفضل أوائله محمودة... وأواخره ثمن التهنئة والتعزية وقد أعجب الواثق بهذه القصيدة حتى إنه أمر أن يعطى لقاء كل بيت فيها ألف درهم، وبلغ من إعجابه بهذا الشعر أنه أمر أن يلحن فصنعت منه عدة ألحان، ثم استخلص الواثق الحسين نديماً مقيماً، وصيره شاعر اللهو المقصور عليه و الملازم لداره والمتهيئ لأن يطلبه في أي ساعة من ساعات الليل والنهار وأفردت له حجرة خاصة في القصر لينام فيها.(2) الحسين مناوباً في القصر ويذكر ابن الضحاك أنه كانت له نوبة في دار الواثق يحضرها جلس الواثق أو لم يجلس، فبينما هو نائم ذات ليلة في حجرته إذ جاءه خادم من خدم الحرم فقال: قم فإن أمير المؤمنين يدعوك فقال له: وما الخبر؟ فأخبره أن الواثق وقع سوء تفاهم بينه وبين إحدى جواريه، ذاك أنه قام من فراشه وهو يظنها نائمة، وذهب إلى غيرها فحين عاد تظاهرت بالنوم، وتركته حتى نام ثم قامت ودخلت حجرتها وعندما سأل الواثق عنها أخبروه أنها قامت غضبى وغادرت إلى حجرتها، وقيل للحسين: إن هذا هو الذي جعله يدعوك وفي الطريق ارتجل الحسين قائلاً: غضبت أن زرت أخرى خلسة فلها العتبى لدينا والرضا يافدتك النفس كانت هفوة فاغفريها واصفحي عما مضى واتركي العذل على من قاله وانسبي جوري إلى حكم القضا فلقد نبهتني من رقدتي وعلى قلبي كنيران الغضا الواثق يروي حكاية الجارية وأعاد الواثق قصة الجارية على مسمع الحسين وقال له: قل في هذا شيئاً فتظاهر الحسين أنه يفكر، كأنه يرتب شعراً في ذهنه ثم أنشده الأبيات فقال الخليفة: أحسنت، وحياتي أعدها ياحسين، فأعادها عليه حتى حفظها وأمر له بخمسمئة دينار وقام فمضى إلى الجارية وعاد الحسين إلى حجرته.(3) وفي الحقيقة فإن الواثق كان معجباً بشعر الحسين وسرعة بديهته وكان الحسين مهيئاً نفسه باستمرار لمثل هذه المفاجآت التي اعتاد عليها واستعد لها بل صار سريع الهاجس في مثل هذه الموضوعات التي يراد ان يقول فيها لكثرة ما مارس ألوانها. حين أرتج قال الواثق للحسين مرة: قل الساعة أبياتاً ملاحاً حتى أهب لك شيئاً مليحاً فقال: في أي معنى يا أمير المؤمنين؟ قال: امدد طرفك وقل فيما شئت مما ترى بين يديك وصفه، والتفت فإذا ببساط زهرة قد تفتحت أنواره وأشرق في نور الصبح فأرتج على الحسين. الهوامش 1- نديم الخلفاء، تأليف عبد الستار فراج. سلسلة (اقرأ) القاهرة 1952 ص86 2- المصدر السابق ص87 3- المصدر السابق ص88
|