تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


نحو استراتيجية لمواجهة سرقة المياه العربية

شؤون سياسية
الخميس 2-7-2009م
حسن حسن

تغطي المياه حوالي 80٪ من مساحة الكرة الأرضية، إلا أن 97٪ من هذه المساحة عبارة عن مياه مالحة، في حين أن 2٪ هي مياه متجمدة (جبال جليدية في القطبين الشمالي والجنوبي) وفي ضوء ذلك، فإن مايمكن استخدامه من مياه بالنسبة للإنسان والنبات والحيوان يقل عن 1٪ من المياه الموجودة على سطح الأرض.

وفي هذا السياق، تعتبر الدول العربية من أفقر دول العالم بالنسبة لحصة الفرد من المياه، ومع أن الوضع المائي لهذه الدول يختلف من عاصمة إلى أخرى، إلا أن الوضع المائي العام للوطن العربي لايبشر بالخير وسيكون كارثياً خلال العقود الثلاثة أو الأربعة القادمة، إذا لم تتخذ الإجراءات الضرورية اللازمة.‏

أما فلسطينياً، فالوضع المائي في قطاع غزة هو الأشد سوءاً عربياً، إذ لاتتجاوز حصة الفرد الواحد من المياه 15 غالوناً في اليوم مقارنة بحوالي 800 غالون في اليوم للفرد الأميركي.‏

وقد فاقم الاحتلال الاسرائيلي للضفة وقطاع غزة المشكلة، إذ صادرت «اسرائيل» نحو 80٪ من المياه الجوفية الفلسطينية، أي حوالي 20٪ من استهلاكها من المياه، ويقول أحد الخبراء في الشؤون المائية إن كمية المياه العذبة في القطاع ستنفد خلال مدة أقصاها 14 عاماً ليصبح المخزون الجوفي في القطاع مالحاً نتيجة للاستنزاف الصهيوني بمعدل 45 مليون متر مكعب سنوياً، وأضاف: إن القطاع يعتمد كلياً على خزان المياه الجوفية الذي حفرت فيه «اسرائيل» ثلاثة آلاف وسبعمئة بئر ماء منها 97٪ هي آبار زراعية والباقي آبار لمياه الشرب.‏

لقد مارست سلطات الاحتلال تمييزاً واضحاً فيما يتعلق باستهلاك الفلسطينيين للمياه، ففي 1967، أعلنت «اسرائيل» أن كل موارد المياه في المناطق المحتلة ينبغي أن تكون تحت السيادة العسكرية الصهيونية، فأصدرت الأمر رقم 18 الذي يحظر على الفلسطينيين حفر آبار جديدة أو حتى إصلاح ماهو موجود دون ترخيص، ونتج عن هذه السياسة تعرض المدن والقرى الفلسطينية لنقص حاد في المياه بسبب السيطرة الاسرائيلية على مصادر المياه الفلسطينية ونهبها على نحو هدد المجتمع الفلسطيني وخططه المستقبلية للتنمية.‏

وقد أكدت الجمعية الفلسطينية لحماية المستهلك في غزة أن أزمة المياه في فلسطين تتمثل في ظاهرتين رئيسيتين الأولى: شح المياه واستمرار عمليات الاستيلاء الاسرائيلي على المياه الفلسطينية، والثانية: رداءة المياه حيث يعمل الاسرائيليون علی عرقلة المشاريع المائية الفلسطينية الهادفة إلى توفير المياه بمستوى عال من الجودة، وهناك مثال صارخ آخر على سرقة المياه الفلسطينية ألا وهو جدار الفصل العنصري الذي تشيده «اسرائيل» داخل أراضي الضفة الغربية، فمسار هذا الجدار سيمكن «اسرائيل» من سرقة حوالي 30٪ من الآبار الواقعة داخل الضفة الغربية وحرمان الشعب الفلسطيني من مياهها.‏

يقول رئيس الوزراء السابق أرييل شارون إن حرب الأيام الستة قد بدأت فعلياً عام 1965 وليس عام 1967، عندما تصدت القوات الاسرائيلية للجرافات السورية التي كانت تعمل جاهدة على تحويل مياه بعض روافد نهر الأردن لري أراضيها ومنعتها من اكمال عملها، وما هو جدير بالذكر أن الأحواض المائية الرئيسة في العالم العربي تنبع من خارجه مما يزيد من تعقيد المشكلة.‏

فنهر النيل مثلاً ينبع من الهضبة الأثيوبية ويمر بعدة بلدان إفريقية قبل أن يدخل مصر، وهناك محاولات قد لاتكون الأصابع الصهيونية بعيدة عنها لصياغة اتفاقية جديدة بين الدول التي يمر فيها النيل لإعادة توزيع المياه، الأمر الذي سيؤثر سلباً على حصة مصر من المياه والبالغة 55 مليار متر مكعب التي ضمنتها لها الاتفاقية القديمة التي وقعت خلال الحكم البريطاني قبل عقود طويلة.‏

مشكلة نقص المياه مرشحة للتفاقم أكثر فأكثر مع مضي الوقت، إذ لم تتخذ الاجراءات الحاسمة وتستثمر المليارات من الدولارات في مشاريع مائية جديدة.‏

ولتبيان مدى خطورة هذه المشكلة، فإن سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يشكلون حوالي 5٪ من سكان العالم ولايحصلون إلا على 1٪ فقط من مصادر المياه، وهذه تتضاءل باستمرار بسبب النسبة العالية لتزايد السكان، بينما كانت حصة الفرد تصل إلى 872 ألف غالون سنة 1960 ، هبطت هذه الحصة إلى 330 ألف غالون سنة 1996 وهي أقل نسبة في العالم، وتشكل ثلث نصب الفرد في آسيا ومن نصيب الفرد في إفريقيا (جنوب الصحراء) وأقل من 5٪ من نصيب الفرد في أميركا اللاتينية.‏

وفي هذا الصدد، يقول تقرير صادر عن البنك الدولي إنه بالإمكان معالجة النقص الحاد في المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال عقد من الزمان إذا توفرت الاستثمارات الضرورية، ويقدر البنك الدولي حجم الاستثمارات اللازمة لحل مشكلة المياه المزمنة بحوالي (45-60) مليار دولار خلال السنوات العشر القادمة، فبواسطة هذه الاستثمارات بإمكان دول المنطقة زيادة المياه للاستهلاك المنزلي والصناعي بحوالي 50٪، وكذلك خفض المهدور من المياه بسبب سوء الإدارة وشبكات المياه التالفة إلى النصف.‏

وختاماً، يقول خبير المياه العالمي مارتن شيرمان: إن تكلفة الحرب الحديثة تكفي لتحلية بحر بأكمله، فهل تتعظ دول المنطقة بهذا المنطق وتتجه إلى التعاون لحل هذه المعضلة التي تهدد الجميع؟ وهل يمكن لذلك أن يحدث و«اسرائيل» التي تسرق الأراضي والشجر والمطر والحجر؟‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية