ففي عزّ الظروف الصعبة برز الدور الكبيروالعظيم لمؤسسات الدولة في تأمين قوت المواطن بعدما أهملت لفترة من الزمن في عهد الرخاء والرفاه والاستقرار وطغيان مفهوم الخاص على العام لمعادلة تحرير الأسعار أو معادلة اقتصاد السوق الحر، لتجد نفسها هذه المؤسسات ومنذ الأشهر الأولى لبدء الحرب الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية على سورية، أن دورها لايقل أهمية عن باقي مؤسسات الدولة وبطولة جنود قواتنا المسلحة وهم يتقدمون الصفوف لتحرير الأرض من دنس الإرهاب والإرهابيين وكبائر أعمالهم المشينة، ولتأخذ مؤسسات الدولة ومن خلال التدخل الإيجابي السريع دورها في حسن توجيه السلاح الاقتصادي والاجتماعي إلى المكان والوجهة الصحيحين حيث عين المواطن ترنو إليه وقلب المواطن يهفو له.
حس المواطن
ومن خلال المتابعة الدقيقة لحلقات وسلسلة تأمين السلع والمواد الغذائية الأساسية وحتى الكمالية وحركة البيع والشراء والعرض والطلب وكثافة تواجد الناس في هذا المكان وذاك التجمع، ماهو إلا دليل عافية وثقة غالية أعادها المواطن بحسّه الوطني وأمنه الاجتماعي من أنّ مؤسسات الدولة هي الملاذ الحقيقي الذي يحفظ كرامة المواطن ولقمة عيشه وهدوء أعصابه وهو يتنقل من حي لآخر وإن كان بعيداً لشراء بضاعته من ألبسة وأغذية وأدوات منزلية ومواد متعددة الاستعمالات.
إن عودة تفعيل مؤسسات الدولة وفق الغاية التي أنشئت لأجلها وعودة روح المواطن إلى جنباتها بعدطول غياب ماهي إلا خطوة مهمة تحثنا أن نضع جميعاً حكومة ومستهلكين وأفراد نصب أعيننا بأن الدولة التي بنيت على قواعد مؤسساتية وخبرات وطنية ، يرافقها وعي مجتمعي لايمكن لها أن تكون إلا في المقدمة، وفي خضم الأحداث مهما اشتدت الخطوب ومهما تكالب الفاسدون والمجرمون والمنافقون وهم يلونون جشعهم وطمعهم باستغلال حاجات الناس، ونكثهم أمانتهم وخيانتهم لوفاء الدولة التي أعطت أبناءها وقدمت لهم كل مايريدونه وبأسعار تحلم بها كل الدول المجاورة من عربية وإقليمية ماجعل العزف على وتيرة الاقتصاد وضرورة تخريبه هدفاً عبر القفازات السوداء والأقنعة المزيفة التي أظهرت حقيقتها الأحداث المتواترة في سورية عندما بدأ استهداف الاقتصاد الوطني وبناه التحتية التي لاتعد ولا تحصى.
مشهد حي
بالأمس القريب تعمدت أن أدخل أحد المجمعات الاستهلاكية في وسط مدينة دمشق لأرقب حركة البيع والشراء وحجم انسياب السلع الموجودة في أقسام أحد المجمعات وبعد ساعة من الترقب وتفقد أقسام المواد بكل أسمائها ، أسعدني جداً ماشاهدته من خلال هذه الفترات الزمنية ليس لحركة البيع الجيدة فقط، وإنما الوجوه التي رأيتها من أعمار الشباب والشابات والنساء العاملات وربّات المنازل والمواطنين وأناس قدموا من ريف دمشق ولاسيما الغربي منه للتبضع وشراء مايلزم من غذاء ولباس وكساء ومايتبعهما من حركة مرنة تجعل المرء يتفاءل في أجواء المدينة التي تغصّ وتعجّ بناسها وأهلها وزوارها وضيوفها.
مرة أخرى نؤكد على وجود اهتمام الدولة بمؤسساتها الخدمية بكل مسمياتها، وأن تكون حاضرة على الدوام ، ولايعني هنا بالتأكيد إقصاء القطاع الخاص الوطني عبر إشراكه وتوظيف إمكاناته وقدراته الشرائية والتسويقية بما يخدم مصلحة المجتمع ككل.
فالتجربة أثبتت أن الدولة القوية هي التي تمتلك وتشرف على جميع مقدراتها وطاقاتها العامة والخاصة والمشتركة وهذا ماكان قائماً ومازال في بنية الدولة السورية وماتعانية اليوم هو أكبر درس للاستفادة من تجارب خبراتنا الوطنية ومؤسساتنا وجميع مكونات اقتصادنا.