الذي كان مبادرا في التنبيه الى ضرورة أن تستعيد اسرائيل علاقاتها مع بلدان اميركا اللاتينية خاصة في ضوء ما يطلق عليه في اسرائيل نفوذ ايراني متزايد هناك. وتسبق جولة بيريز زيارة للرئيس الايراني محمود احمدي نجاد سيقوم بها نهاية الشهر الجاري للبرازيل والمنطقة.
ويتركز الهجوم الاسرائيلي على فنزويلا بدعوى انها فتحت ابواب امريكا اللاتينية امام الايرانيين. لكن صحيفة التايمز تشير الى ان بعض ادعاءات اسرائيل يصعب تصديقها مثل اقامة معسكرات تدريب في جزيرة سياحية بفنزويلا او تهريب اليورانيوم الفنزويلي الى ايران او حتى استخدام مصانع الدراجات والجرارات الايرانية واجهة للنشاطات النووية.
وقد سخر الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز من تلك الادعاءات في برنامجه التلفزيوني الاسبوعي حيث قال مؤخرا انه وصلته «دراجته النووية» الجديدة. ومع ان لدى فنزويلا موارد كبيرة من اليورانيوم الا انها لم تطور تكنولوجيا استخراجها، كما ان لدى ايران كميات كبيرة من اليورانيوم في اراضيها.
ويرى محللون ان الاهتمام الاسرائيلي المتجدد بأميركا اللاتينية مرده الانقلاب الكامل تقريبا للقارة ضد اسرائيل خاصة بعد عدوانها الاخير على قطاع غزة الذي بادرت خلاله عدة دول لاتينية لأي قطع او تجميد علاقاتها مع اسرائيل. فالملف العربي الوحيد الحاضر لدى الرأي العام في أمريكا اللاتينية هو القضية الفلسطينية، والكثير من دول المنطقة شهدت في الماضي حركات تحرر مسلحة واعتبرت الكفاح الفلسطيني نموذجا يحتذى، بينما كانت الأنظمة العسكرية الحاكمة في السبعينات والثمانينات تميل إلى إسرائيل بسبب الهيمنة الأمريكية على المنطقة وكانت تجمع هذه الأنظمة اتفاقيات عسكرية وأمنية مع اسرائيل.
وكانت فنزويلا قطعت العام الماضي علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل عقب هجماتها على قطاع غزة. كما اتخذت عدة دول مواقف قوية مشابهة ضد العدوان الاسرائيلي مثل البرازيل وبوليفيا والإكوادور.
والواقع، ان الوجود العربي في أمريكا اللاتينية يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر ولكنه تكثف ابتداء من العقد الثاني من القرن العشرين وخاصة هجرات اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين. واستطاع بعض أبناء وأحفاد المهاجرين العرب من الوصول إلى رئاسة بعض الدول مثل الرئيس السابق للأرجنتين كارلوس منعم والرئيس السابق للإكوادور جميل معوض وعبد الله بوكرم من البلد نفسه. وخلال السنوات الأخيرة، وفي أعقاب تحرر معظم دول أمريكا اللاتينية من هيمنة واشنطن بصعود اليسار إلى الحكم، بدأت تراجع مواقفها السياسية من القضايا الدولية ومن ضمن ذلك الموقف من القضية الفلسطينية، حيث لم يعد التعاطف قائما وسط الحركات المسلحة اليسارية بل انتقل إلى حكومات منتخبة ديمقراطيا وأغلبها لها جذور يسارية تعود للحركات الثورية التي ظهرت في السبعينات.
ويبقى فهم الموقف الجديد تجاه القضية الفلسطينية من طرف دول أمريكا اللاتينية مع بعض الاستثناءات مثل كولومبيا التي مازالت تسير في فلك واشنطن، يتطلب معرفة التطورات السياسية في المنطقة وخاصة رصد عاملين أساسيين:
ـ شعور العداء الشديد تجاه سياسة الولايات المتحدة من جانب أغلب دول أمريكا اللاتينية التي تحّمل واشنطن مسؤولية العديد من المآسي التي شهدتها المنطقة. وبالتالي، فشعور العداء هذا ينتقل لمعاداة سياسة واشنطن في مختلف مناطق العالم وليس فقط ضد سياستها في أمريكا اللاتينية، وهو ما يصيب تاليا اسرائيل.
ـ معظم دول المنطقة ترى في إسرائيل امتدادا للإمبريالية الأمريكية، ولهذا فالكثير من الكتابات السياسية اللاتينية عندما تريد انتقاد كولومبيا تصفها بـ <إسرائيل أمريكا اللاتينية> بحكم أن كولومبيا موالية بشكل كامل لواشنطن .وكانت إسرائيل دربت خلال السبعينات والثمانينات بعض أجهزة مخابرات دول المنطقة على كيفية تعذيب المعارضين السياسيين واغتيالهم، وبما أن جل هؤلاء المعارضين وصلوا الآن إلى الحكم ويتولون مناصب رفيعة، فمن الطبيعي أن تتبنى هذه الدول سياسة مناهضة للكيان الإسرائيلي.