وتعكس أزمة وطول مدة الكساد الفروقات في التعافي بين الاقتصادات الدولية بفعل نتائج وآثار الأزمة المالية العالمية الأخيرة.
وإذا ما أجرينا مقارنة نرى أن ألمانيا وفرنسا أصبحتا من أغنى الدول الاوروبية وأقدرها على التعافي السريع من تبعات الأزمة العالمية وقد تنبأ العديد من أبرز المحللين الاقتصاديين بأن تحقق بريطانيا نموا ضعيفا نسبيا خلال الربع الثالث من السنة المالية الحالية، لكن الاقتصاد البريطاني سجل انخفاضا وصل إلى نسبة 0.4 بالمئة عوضا عن تلك التوقعات وهو الانخفاض السادس من نوعه على التوالي خلال أداء الربع السنوي له.
هذه المعلومات تم الكشف عنها بعد نشر تقرير الدراسة التي أعدها المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية الذي يعد من أكبر مؤسسات البحوث المتخصصة في بريطانيا. وجاء في هذا التقرير المذكور الذي صدر مؤخرا أن اقتصاد بريطانيا سيكون من اكثر الاقتصادات العالمية تأثرا بالأزمة المالية العالمية الحالية.
الجدير بالذكر أن هذا الانخفاض قد تم على أساس قاعدة واسعة من تراجع مختلف القطاعات الاقتصادية في مجال الخدمات المالية إلى الفناذق ثم التموين، كما انخفض اداء الانتاج الصناعي والمباني والتشييد وفي الوقت الذي شهدت فيه مبيعات التجزئة نوعا من التحسن الذي حصل في شهر حزيران فقط أظهرت قراءات شهري آب وأيلول انخفاضا واضحا في حجم الإنفاق .
ونتج عن هذا التراجع انخفاض إضافي لقيمة الجنيه الاسترليني مقارنة باليورو وغيره من العملات الأوروبية الأخرى، علما أن الجنيه قد تأثر بشكل سلبي من جراء هذه الأزمة، شأنه في ذلك شأن الدولار الأميركي.
إن استمرار ضعف أداء الاقتصاد البريطاني كما ذكر المحللون الاقتصاديون قد يجبر البنك المركزي البريطاني على شراء السندات الوطنية وهذا بدوره يؤدي إلى حدوث انخفاض اكثر حدة في سعر الجنيه الاسترليني الذي كان يعتبر من أقوى العملات الأوروبية والعالمية.
ولعل المشكلة في الحلول التي اتخذتها بريطانيا لمواجهة هذه الأزمة هي أن هذه المشكلة لها تعقيداتها، فبالرغم من تخصيص بريطانيا لميزانية تشجيع اقتصادي كبيرة شأنها شأن بقية دول العالم إلا أن ميزانيتها العامة تواجه ضغوطا كبيرة، ما دفع الكثير من المحللين للتنبؤ بأنها قد تضطر لإجراء تخفيضات مؤلمة في بنود إنفاقها.
فخلال عدة سنوات بقي نمو العائدات الاقتصادية يعتمد على ازدهار أسواق لندن المالية- كما يقول ستيفن كينغ- الاقتصادي الرئيسي في مجموعة بنك «اتش اس بي سي» في لندن: المشكلة في هذه العائدات أنها قد جفت الآن، وهذا يجبر الميزانية العامة على التفكير في اجراء خفض كبير بحجم الإنفاق لذلك من المتوقع أن تتبنى الحكومة سياسات تقشف اقتصادي قد تمتد لعدة سنوات من الآن.
جميع هذه الأخبار السلبية عن أداء الاقتصاد البريطاني وتراجعه المستمر تحمل تحديات كبيرة لحكومة رئيس الوزراء الحالية - غوردون براون- والجدير بالذكر أن براون قد سجل اسمه في قائمة أقل الزعماء البريطانيين ورؤساء الوزراء شعبية حاليا في بلاده.
ومع ذلك فهو يأمل بإجراء انتخابات عامة مبكرة خلال شهر حزيران القادم على أمل أن يتغلب على المصاعب السياسية التي حلت به، وهذا ما أدى إلى تراجع شعبيته في أوساط الناخبين واستطلاعات الرأي العام التي بدت أكثر تأييدا ووعدا بفوز المحافظين حاليا.
وبالرغم من الآفاق المظلمة أمام مستقبل براون وحزبه إلا أنه لايزال متمسكاً بخبرته السابقة والدور الذي قام به لتعزيز اقتصاد بلاده عندما كان وزيرا للمالية في حكومة توني بلير، آملا أن تساعده خبرته تلك على تقديمه ثانية لجمهور الناخبين البريطانيين على أنه الشخص الأقدر لمواجهة الحالية التي يشهدها اقتصاد بلاده وانتشاله من تأثيراتها السلبية الكارثية.