خرجت للفور وطلبت كمامتين، ورجعت لأتابع الزيارة - وهي ذات نكهة خاصة لن أنساها أبداً -أتاحت لي أن أمجّد 42 عاملاً وعاملة جلّهم من الشبان والشابات يعملون على خطوط الإنتاج المتحركة يمزقون الأكياس التي لم تمزقها الآلة ويرمون بها في أقماع كبيرة من الزجاج والحديد والمواد البلاستيكية، لتذهب آليا إلى خطوط إنتاج أخرى تكبس وترحل مباعة إلى المصانع المختصة بإنتاجها أما المواد العضوية فتذهب إلى مصنع مجاور لإنتاج السماد العضوي غالي الثمن والمطلوب بكثرة في أرضنا الزراعية.
ويقول المهندس وسام عيسى مدير النفايات الصلبة في محافظة طرطوس إن مشروع وادي الهدة الرائد بيئياً ما يزال ينتظر تأهيل ثلاث محطات وصيانة قارب القمامة في أرواد لإغلاق 62 مكباً بالكامل ويحتاج إلى ثلاث آليات للزجاج وتعبئة السماد العضوي وكبس المتروكات في بالات. ويرى المهندس وائل حسن مدير المراكز المتكاملة في وادي الهدة أن المتروكات المعروفة عالمياً بالرمز rdf تشكل 30./. من إنتاج مصنع الفرز وهي قابلة لأن تتحول إلى -فيول- يستخدم في مصانع الاسمنت. إنها مادة ثمينة جداً يحتاج بيعها إلى خط إنتاج جديد يجففها ويقطعها، علماً أنها تحتل مساحة واسعة من الوادي الآن.
خرجت من وادي الهدة الذي نظف طرطوس إلى حد كبير وهي جديرة بنظافة مطلقة، وأمنيتي تحصين العمال والعاملات في مصنع فرز القمامة ضد اليرقان على الأقل وزيادة مخصصات الوجبة الغذائية الشهرية من 900 ليرة إلى 9000 ليرة ثمن حليب وبيض.
وربما لأنهم شباب فإن نسبة أمراضهم عادية.
وكلما تذكرت أجواء المصنع، نسيت الروائح الكريهة والأوساخ والعصارة الصفراء والسوداء، إذ لم يبق في ذاكرتي سوى ابتسامات تلك الوجوه المشرقة التي تعمل بدأب لتحويل القمامة إلى - مال - أي لتحويلها من نقمة إلى نعمة.