تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أردوغان ومنتهى الضوَجان

دراسات
الاثنين 8-12-2014
عبد الرحمن غنيم

كان من الطبيعي أن ينتهي أردوغان، ومع قرب انتهاء السنة الرابعة من مؤامرة الربيع العربي، إلى قمّة أو منتهى الضَوَجان . فالرجل - باعتباره المعتمد الرئيس للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان - صدّقَ ما وعدهُ به الأمريكان،

واعتقد أن هذه الجماعة ستمسك بالسلطة في كل مكان، وسيكون بوسعه أن يتحوّل الى سلطان، وأن يستعيد سلطنة آل عثمان .‏

لقد سارت الأمور في البداية، على نحو أقنع أردوغان أنه بالغٌ حتماً تلك النهاية. فكلّ فراغ أحدثته حالة الربيع كان يأتي بالإخوان لملء المكان. هكذا اتصفت حكومات أو عصابات الإخوان في كل من مصر وليبيا وتونس، ونال الإخوان موقعاً متميزاً في حكومة الشراكة في اليمن. وراح أردوغان يخطط لتمكينهم من كلّ شيء، فضبطت أكثر من سفينة أردوغانية وهي تحمل السلاح لحساب حزب الإصلاح .‏

هذه التطورات التي أثلجت صدر أردوغان، جعلته يشدّد النكير في حملته على سورية، ظاناً أنه إذا ما اجتاز العقبة السورية دانت أمام مخطط إخوانه كل العقبات. والأهم أنها جعلته يجاهر أمام الناس بدوره المحوري في صنع الشرق الأوسط الجديد الذي يريده الأمريكان، كأنما يفاخر ويتباهى بعمالته وتبعيته لهم، ظاناً صدقهم في تحقيق الوعود التي كفلت انخراطه في خدمتهم. ولم يحاول أردوغان أن يتوقف ولو للحظة واحدة أمام السؤال عن الهدف الحقيقي للأمريكان: أهو تمكين إسرائيل أم تمكين جماعة الإخوان ؟‏

لو أن أردوغان امتلك أدنى قدر من الفطنة، لتوجّب عليه في لحظة ما أن يقف قليلاً ليتفكر ويتدبّر. وكانت تلك اللحظة هي التي وقف فيها القائد الأمني الإماراتي الفريق ضاحي خلفان ليعلن نبأ القبض على شبكة للإخوان. فلقد شكّل هذا الحدث في لحظة وقوعه دليلاً على أن العُرسَ الأميركيّ الإخوانيّ هو عرسٌ مؤقت ورجراج، وأنّ واشنطن إنما تستخدم الإخوان كأداة مؤقتة، ولا يهمّها بعد ذلك ما يؤول اليه مصيرهم، وإلا لما كان بوسع السلطات في الإمارات أن تتصدّى لهم. وبالطبع، فإن ما ينطبق على الإخوان ينطبق على حزب أردوغان .‏

لا أحد يستطيع الافتراض أن بوسع دولة صغيرة مثل دولة الإمارات، أن تقبض على شبكة للإخوان وتقدّم أعضاءها للمحاكمة، متحدّيةً بذلك الأمريكان. فلو افترضنا أنّ ما فعلته كان ضرورةً أمنيّة داخلية - وهو كذلك - لكنه سيزعج الأمريكان لكان بوسعها أن تقدم عليه سرّاً دون إعلان. أما وأنها أعلنت، فمعنى ذلك أنها واثقة أن الأمريكيّ لن يغضب ولن يعترض. بل نستطيع أن نفترض أنها أبلغت الطرف الأمريكي مسبقاً، ونالت موافقته ليس فقط على الإجراء الذي باغت الإخوان، لكن أيضاً على مبدأ الإعلان .‏

إن أردوغان الغارق في أحلامه الإخوانية والعثمانية لم يلتقط هذه الواقعة ليفهم ما وراءها. فأمريكا لم تحارب المشروع القومي العربي على مدى عشرات السنين لتتبنّى بالمقابل المشروع الإسلامي . فهي ضدّ كل مشروع وحدوي عربي أو إسلامي . والدول الغربية التي قوّضت السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، لا تفكر ولا يمكن أن تفكر باستعادة هذه السلطنة بعد قرن من تفكيكها. والمشروع الوحيد الذي تبنته تلك الدول ولا زالت تتبناه في منطقتنا هو المشروع اليهودي الصهيوني. وإذا كان آل سعود وأجدادُ ملك الأردن قد أسهموا في تقويض السلطنة العثمانية متعاونين مع الإنكليز، فإنهم بالتأكيد لم يتحوّلوا ولن يتحوّلوا الى شركاء لأردوغان في إحياء سلطنة آل عثمان. وبالتالي فإن التحالف القائم بين أردوغان وبينهم ليس سوى تحالف في خدمة الاستعمار الغربي ومخططاته، أو بتعبير آخر تحالف في خدمة الشيطان وليس تحالفاً في خدمة أي طرف منهم .‏

إن التطوّرات التي حصلت في مصر وليبيا وتونس واليمن , وأدت الى إقصاء جماعة الإخوان المسلمين أو تراجع دورهم , ومحاكمة الإخوان في الإمارات , واضطرار قطر حليفة تركيا وشريكتها في التآمر وفي الاعتماد على جماعة الإخوان الى طرد قيادات جماعة الإخوان المصريين من الدوحة , وتراجع دور الإخوان في الأردن لصالح الجماعات السلفية الوهابية التكفيرية المرتبطة بالسعودية , وتراجع هذا الدور أيضاً في كل من سورية ولبنان لصالح السلفية الوهابية , كل ذلك من شأنه أن يصيب أردوغان بحالة من الضوَجان , خاصة وأن تركيا نفسها تشهد ظاهرة مماثلة . فالتنظيمات السلفية الوهابية التكفيرية تتوسع الآن في تركيا وتتجذر , وستأتي لحظةٌ تصطدم فيها هذه التنظيمات مع حاضنتها المتمثلة بحزب العدالة والتنمية . وهكذا يجد أردوغان أن الأرض تميد من تحته , وأن الأمور تسير في اتجاه معاكس تماماً لحساباته . ومثل هذه الحصيلة هي الأمر الوحيد المنطقي طالما أن المشروع الفعلي الذي جُنّدَ أردوغان وشركاؤه الآخرون في المنطقة في خدمته ليس سوى المشروع اليهودي الصهيوني . وهذا المشروع يستهدف تفتيت المنطقة وليس توحيدها . ومن المؤكد أنه إذا ما نجح الصهاينة في تنفيذ هذا المشروع فإن تركيا لا يمكن أن تكون في مأمن من التمزيق والتقسيم .‏

لا تعني هذه المعطيات على كل حال أن دور الإخوان المسلمين في المنطقة قد انتهى. كل ما في الأمر أنهم كانوا يشكّلون في الأصل وبقوا يشكلون جزءاً من آلية العنف الذي يستهدف استقرار المنطقة، ويسهم في تفتيتها، الذي يرى الغربيون والصهاينة إمكانية استثماره كجزء من أدوات الحروب الفتنوية التي دبروها ضد العرب والمسلمين ولحساب المشروع الصهيوني. واضح من مسلك أردوغان العملي أنه مصمّمٌ على تسعير هذا الاتجاه الفتنوي، وحتى إن كان هذا التسعير يتمُّ تحت تأثير الضوجان الناجم عن الفشل. فلعله يرى في استمرار العنف إحياءً للأمل بعد سلسلة الإخفاقات التي مني بها وما حملته له من فشل . والمشكلة هي في العمق أن هذا الرجل لا يعي الحقيقة القائلة: إنه إذا كان يستهدف هذا الزعيم في المنطقة أو ذاك لحساب مشروعه أو مشروع الإخوان، لكن بالتواطؤ مع الأمريكان، فإن النتيجة الوحيدة التي يمكن أن يصل إليها، وحتى إن نجح في محاولته هي أن يجد نفسه بعد ذلك يردد العبارة الشهيرة « أكلت يوم أكل الثور الأحمر « !! فما من ضمانة يملكها أيّ طرف متورّط في خدمة الأمريكيين والصهاينة في ألا يتعرّض للغدر متى أتمّ تنفيذ ما طلب منه أداؤه من دور .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية