تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


القنبلــة الثقافيـــة.. وتصفيــة اســتعمار العقــــــل..

ثقافة
الاثنين 8-12-2014
ديب علي حسن

ثمة مقولة عربية قديمة، يزداد حضورها قوة ودلالات (من عرف لسان قوم أمن شرهم) ولابأس ان نقول انه سينتفع بعلومهم ومعارفهم وكل مايقدمونه من علوم ومعارف في هذا العصر الذي اصبحت فيه حروب اللغات اساسا لاي غزو ثقافي وحضاري,

ولاسيما ان الاستعمار الغربي قد تخلى عن الكثير من اساليبه الفجة القديمة، ودعمها باساليب الغزو الثقافي والفكري لتكون محطة اساسية تمهد لما يريده في هذه المنطقة او تلك، ومن المعروف ماذا فعلت فرنسا في الجزائر وغيرها من الدول، وكانت الامبراطورية العثمانية قد حاولت تتريك الامة العربية وفرضت حرفها وخطها حينا من الزمن.‏‏

واليوم يقف العالم النامي او الناهض بوجه هذه السياسة التي تركت اثارا هامة على الشعوب والبلدان ولا يمكن لاي احد ان ينكر عقابيل هذه التركة واحتلالها العقل وتدميره ومن ثم تنفيذ سياستها التي تريدها.‏‏

واللغة هي الاساس في ذلك لانها حاملة الفكر والمشاعر والتراث وكل المعاني والقيم، وانك حين تحتل لغة قوم ما فإنك انت تسيطر على توجهاتهم الفكرية وتقودهم الى حيث تريد.‏‏

ونحن اليوم على مقربة من الاحتفاء بيوم اللغة العربية فاننا نقف عند كتاب هام يدرس حالات احتلال العقل من خلال اللغة والاداب والنتائج التي ادى اليها هذا الاحتلال (تصفية استعمار العقل) لمؤلفه نغوجي واثيو نغو الروائي والمسرحي وكاتب القصص القصيرة الذي كان ومازال رئيس قسم الادب بجامعة نايروبي قضى فترة اعتقال دون محاكمة في سجن مشدد الحراسة في كينيا وهو الذي نشر سنة 1977تويجات الدم وقال وداعا للغة الانكليزية ومن ثم كانت كل كتاباته اللاحقة مباشرة بلغة الكيكويو.‏‏

وكتابه هذا الذي نشرته دارالتكوين بدمشق وترجمه الى العربية الشاعر العراقي سعدي يوسف، هذا الكتاب جزء من نقاش مستمر على امتداد القارة حول مصير افريقيا وخلاصة لبعض القضايا التي خضتها (المؤلف) بحماسة من خلال ممارستي القصة والمسرح والنقد وتدريس الادب.‏‏

سلاح اليوم‏‏

يقول واثيونغو في مقدمة كتابه:ان حرية رأس المال الغربي والاحتكارات فوق القومية التي تحت مظلته في الاستمرار بسرقة بلدان وشعوب اميركا اللاتينية وافريقيا واسيا، هي حرية محمية اليوم بالاسلحة التقليدية والنووية والاستعمار الذي تقوده الولايات المتحدة يتقدم الى شعوب الارض المناضلة وكل الداعين الى السلام والديمقراطية بانذار نهائي: قبول السرقة او الموت.‏‏

المضطهدون والمستغلون في الارض ماضون في تحديهم التحرر من السرقة.لكن السلاح الاكبر الذي اعده الاستعماروشرع يستخدمه فعليا، كل يوم ضد ذاك التحدي الجمعي هو القنبلة الثقافية. ان الاثر الذي تحدثه قنبلة ثقافية هو ابادة ايمان شعب باسمائه، ولغاته، وبيئته, وارثه النضالي، ووحدته وقدراته، وفي النهاية ابادة ايمان شعب بنفسه، انها تجعل الناس ينظرون الى تاريخهم باعتباره يبابا لامنجزا،وتجعلهم يريدون ان ينأوا بانفسهم عن ذلك اليباب.‏‏

انها تجعلهم يتماهون مع كل ما هو منحط ورجعي, مع كل كل تلك القوى التي تحبس ينابيعه حياتهم ذاتها، بل انها لتزرع شكوكا جدية بالصواب الاخلاقي للنضال، امكانات الظفروالانتصار ينظر اليها باعتبارها احلاما مضحكة بعيدة المنال.‏‏

الحصاد‏‏

ونتائج هذا كله كما يقول واثيو نغو: هي اليأس والتخاذل وارادة الموت الجمعية، وفي وسط يباب الذي خلقه الاستعمار يتقدم الاستعمار باعتباره العلاج الشافي، ويطلب من التابع ان يغني له ترانيم المديح ذات اللازمة المستمرة (السرقة المقدسة) والحق انه هذه اللازمة تلخص العقيدة الجديدة للبرجوازية النيو-كولونيالية في العديد من الدول الافريقية المستقلة.‏‏

وعلى هذه الطبقات ان تكافح الاستعمار حتى في مرحلة وشكل النيو كولونيالية وعليها ان تواجه التهديد بثقافة النضال الحازم، هذه الثقافة الارقى والاكثر ابداعا على هذه الطبقات ان تستخدم بمضاء اشد الاسلحة النضالية المتضمنة في ثقافاتها.‏‏

العالم كما صوروه لنا‏‏

من نتائج هذا الاحتلال للغة ان المحتل (بالفتح) صار كما يقول واثونغو: (هكذا كان التلامذة الافارقة الذين واجهوا الادب في المدارس والجامعات الكونيالية يمارسون العالم كما حددته وعكسته الممارسة الاوروبية في التاريخ ان كامل طريقة نظرهم العالم حتى الى عالم محيطهم المباشر، كانت مركزية اوروبية، اوروبا هي مركز الكون الارض التي تدور حول المحور الثقافي الدراسي الاوروبي والصور التي التي يوجهها التلامذة في الادب تتعزز بدراستهم التاريخ والجغرافيا والعلم والتقنية حيث اوروبا, هي المركز ثانية).‏‏

ان هذا يناسب تماما المتطلبات الثقافية للاستعمار البريطاني ويضيف واثيو نغو قائلا: حاولت في هذا الكتاب ان ابين ان السيطرة الاقتصادية على الشعب الافريقي تمت من خلال السياسة والثقافة،ان السيطرة الاقتصادية والسياسية على شعب ما لايمكن ان تكتمل دون سيطرة ثقافية، وهنا تكون الممارسة الدراسية الادبية بغض النظر عن أي تفسير او تناول فردي للممارسة, ملائمة لهدف ومنطق النظام ككل، ومن ثم فان الجامعات والكليات التي اقيمت في المستعمرات بعد الحرب كان المقصود منها انتاج نخبة محلية تساعد فيما بعد، على دعم الامبراطورية.‏‏

هل من يسمع؟‏‏

الثقافة، الثقافة، الثقافة، ومن ثم الثقافة التي هي بنت الحياة وتصب في الحياة ومن اجلها، هي المحرك الاساس فالتربية ثقافة والعلم ثقافة والعمل ثقافة والابداع ثقافة، ولكن كيف علينا ان نعمل على اظهار هذه المهارات وان ننمي لغتنا ومعارفنا ونعتز بما انجزناه وما ننجزه في مسيرة الحياة، كيف علينا ان نبدع بما يثري حياتنا نحن لا ان نستورد ابداعهم، كيف علينا ان نخرج من احتلالهم لعقولنا اعلاميا وتربويا وثقافيا وان نعرف ان وسائل الثقافة ليست دراما وحدها ولا ان نغدق الاموال على مشاهد بصرية انية ونترك الثابت والاصيل، انظروا الى الاسماء في الشوارع والى ما يكتب على بعض شاشات التلفزة من عامية مخجلة، واصغوا الى بعض المذيعين في كل المحطات العربية لتسمعوا لغة ما انزل الله بها من سلطان واخيرا عليكم بالمشهد الثقافي المحلي والعربي: الا ينبيكم اننا محتلون تماما وان الذي يجري من الماء هو الجولة الاخيرة من الاستعمار في حربه علينا، ومن يخوضها هم نتاج فكره وهم ادواته وبالتالي هم ايضا يعدون العدة لتفريخ اجيال تتابع جنونهم (انها القنبلة الثقافية) وثمة من ينظر الى مكان اخر وزمن اخر وعبثا عبثا ان يرى الا بعد فوات d.hasan09@gmail.com ">الاوان.‏‏

d.hasan09@gmail.com ‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية