وهكذا تصبح اللذة والسلطة مترافقتين ومتلازمتين، فالسلطة تمارس لذَتها عبر ممارسات السؤال، والمراقبة، والترصد، والملاحظة، والتفـتيش، والمساءلة، والكشف، والفضح، واللذة تتضوَر سلطةَ، وتتوقَد حـدَة عندما تستشري ولاتعود تذعن لسلطة الخطابات، بل على العكس من ذلك، فاللذة لاتكفَ عن محايلتها وخداعها، والهزء بوصايتها عن طريق التهرَب منها، والتنكَر أمامها، وتضليلها، وخرق نواميسها، والإفلات من أنظمتها.
إن اللذة لاتكفُ عـن تطوير أشكالها، وبلوغ أقصى مراحل الانتهاك، فهي تجدد أشكالها، وتطوَر أساليبها، وتعاظـم فاعليتها. لذلك فإنَ السلطة برقابتها وتسلَطها لاتعرفٌ أنها تمنح اللذةَ القدرة اجتياحها ومناوأتها وخداعها. وهكــذا فإنَ السلطة، برقابتها وهيمنتها، توفر للذة أدواتِ مقاومة تحصَنها من الافتضاح والانكشاف، كما أن اللذة بمراوغتها، وإغرائها، ومجابهتها تقدَم للسـلطة ذرائع لملاحقتها وتعقَبها.
المتعةُ تجعل الشيء الذي تريد رؤيتَه غير قابلٍ للرؤية, وهنا تصبح القراءة متعة والكتابة رغبة، وإذا علمنا أن «الرجال والنساء جميعاً سلبيون عند الاستمتاع, نشوةُ الأنثى فزعُ يستمتع بدخيل, المتعة دخيلة دوماً, والنشوة تباغتُ الجسد الراغب دوماً. لاتميز المتعةُ على الاطلاق بين الخوف والبهجة».
سرديات الجسد والإيروتيكا.. من إصدارات «دار الحوار» 2019.