وإرهاصات ظهور عقيدة من لدن أوباما لا تزال لم تولد ولادة طبيعية بعد فهي مرهونة بزمن المئة يوم المحسوبة للرئيس الأميركي الجديد حتى ينجز ترتيب إدارته ومن ثم يقوم بعدها بأعباء القرار العالمي كما يتطلب الحال منه.
ومع ذلك رأينا الرئيس أوباما يخترق المألوف للضرورات الحاكمة ويتخذ إجراءات تخص القرار الدولي فيغلق معتقل غوانتانامو ويشكل فريقي العمل من أجل القضايا المتفجرة في المنطقة العربية نعني الصراع العربي-الإسرائيلي وفي المنطقة الآسيوية الشرقية نعني أفغانستان وتبدو عليه-أي الرئيس أوباما-رغبة استثمار الوقت داخلياً وخارجياً لارتباط المسائل وتجاذباتها بما تنتظره البشرية من آمال معقودة على الولايات المتحدة الأميركية المتجددة والسؤال الدائم حول كل رئيس لأميركا يتمحور حول إذا كان صانع سياسة أو منفذ سياسة.
والمعروف في الكواليس الأميركية أن المطبخ السياسي تتعاوره من جهة مطامح البيت الأبيض وذهنيته وأسلوب تفكيره وتقديره لوضع أميركا والعالم وكيفية جعل أميركا قائدة لهذا العالم والرأس المدبر فيه لكل قرار دولي أو محلي أو قاري أو إقليمي ومن جهة ثانية لا بد أن تتدخل مصالح المركب الصناعي العسكري والشركات الكبرى والكارتلات المالية الضخمة وما يتصل بمؤسسات النفط والتقانة والأسلحة.
ومن سوء حظ الرئيس أن أخطاء إدارة الجمهوريين جبهته بالأزمة المالية وكساد الاقتصاد الأميركي إضافة إلى استعدادات الجمهوريين في الكونغرس لإعاقة خطة التحفيز الاقتصادي من أجل التسريع بتحقيق المعاناة والانتعاش للاقتصاد الأميركي ومن ثم العالمي وكان الرئيس قد قال: «لقد أورثونا ما لا طاقة لنا على تحمله» ومن ثم جبهته إسرائيل بحربها المحرقة على غزة وكم أحدثت من استنكار عالمي وضع أوباما في الركن الأضعف فألزمه الصمت في أحيان كثيرة مع أنه الرئيس الذي عليه أن يتكلم وانتظار العالم له شديد. ومن المعروف أن أساليب اللوبي الصهيوني داخل أميركا دوماً تضع الرئيس في شروط تطوقه وتجعله مغلول اليد بالقرار المتوافق مع مصالح أميركا أولاً ليأخذ مصالح إسرائيل بدلاً من بلاده.
والمهم فيما يواجهه أوباما هو معادلات السياسة الأميركية الامبراطورية زمن بوش الابن أي: الحرب العالمية على الإرهاب ومن ثم من ليس معنا فهو ضدنا وتجفيف منابع الإرهاب والتهديد للأمن القومي الأميركي يستدعي ضربه على أرضه قبل القدوم إلى أميركا.. كل هذه المعادلات ليس بمستطاع الرئيس أوباما أن يواصل بها ولا بد له لتوضيح نهجه من شروع آخر بمعادلاته الأخرى.
فالرئيس قد أشار إلى أن الدبلوماسية قبل الوسائل القتالية والحوار قبل الحصار ومن ثم الضربة، ومن ليس معنا علينا أن نعمل معه حتى يصبح معنا ومن يستعصي على الاحتواء يكون قد عزل وحوصر قبل ضربته المقررة.
ولو أن الحكم على أوباما لم يتأت بعد فهو في أيامه الأولى من المئة الممنوحة له لكن اعتماده من ناحية على أهم عناصر اللوبي الصهيوني من أجل تحديد مسار الدبلوماسية الجديدة التغييرية كما زعمها يضاف إليه تأكيده الالتزام المطلق بأمن إسرائيل دون ذكر لأي حق فلسطيني في إقامة الدولة وما يخشى منه كذلك هو اعتماده على غيتس وزيراً للدفاع مع أنه من إدارة بوش بحجة عدم تعريض المؤسسة العسكرية لمزيد من التراجعات كل ذلك لا يمكن احتسابه على الصورة التغييرية المنشودة في النهج والمنهج فما زالت هذه الإدارة نصف جمهورية وما يخشى منه العالم أن أوباما مما قد جبهته به النهاية المأساوية لإدارة بوش ومن ثم المحرقة النازية الصهيونية لشعبنا العربي في غزة والأزمة المستعصية في المال والاقتصاد الأميركي سوف يتروض مع ما يمكن تسميته بالواقع والواقعية وما يفرضان على الأرض وميدان الصراعات ثم ليقتنع بعدئذ بأن الحل الجذري لن يكون سوى بالعودة إلى شن الحروب التي بدورها ستخرجه من أزمة الكساد الاقتصادي عبر توظيف الملايين الجديدة من العاطلين وبرمجة آلة الإنتاج التي تعاني من خطورات التوقف ليكون الرأي الذي قدمته (كونداليزا رايس) عن أوباما قد تحقق حين قالت: «إن أوباما سيكون أكثر من رئيس حرب».
ومن المعروف على صعيد العلاقات الدولية بدءاً من صدور القرار /1860/ حول وقف اطلاق النار على غزة وما ظهر من أن أميركا قد امتنعت عن التصويت ومن هذا التعاطف الأوروبي الواضح والمعلن مع الشعب العربي الفلسطيني ومطالبة إسرائيل بفتح المعابر وإنهاء الحصار ومن ثم ما حدث في دافوس من ملاسنة بين رئيس الوزراء التركي أردوغان ورئيس الكيان الصهيوني بيريس، ومن موقف الصين التي لم تتعاون في الأزمة المالية مع أميركا كما ترغب هذه الأخيرة، ومن موقف موسكو التي ربطت العمل مع أوباما بإعادة النظر بالدرع الصاروخي في أوروبا الشرقية ومن مواقف الأوروبيين الذين بدؤوا يعيدون النظر في علاقاتهم الاقتصادية والمالية والعسكرية مع واشنطن كل هذه التحولات الجديدة في سياسات الدول الكبيرة تقف سداً منيعاً أمام أوباما يوحي له بأن صورة العالم لم تعد ترتبها أميركا والأزمة الاقتصادية سوف تطيح بكل استكبار أميركي كان على الأقوياء في الأمم والضعفاء كذلك.
ولعل المسقط المهم في موجبات الحالة الدولية الراهنة هو على قضايا المنطقة في الشرق العربي والمتوسطي وما برز على أثر الانتخابات الإسرائيلية هو المزيد من التطرف واليمين وردة الفعل على الفشل الإسرائيلي الثاني في غزة وسقوط هيبة الجيش الصهيوني وما سيصنع هذا الحال- باعتباره لن يساهم في الاستقرار الداخلي لإسرائيل- من صعوبات أمام إدارة أوباما ومبعوثها ميتشل. والعامل الأهم في تداعيات الحالة الدولية على المنطقة هو القناعة العالمية بضرورة ملاحقة إسرائيل على جرائم حربها في غزة ومحاولات الإدارة الأميركية لإخراجها من هذا المأزق، والحاسم في أمر المنطقة هو القناعة بدور سورية الذي أصبح يمثل نقطة التقاطع الحقيقية لمن يريد فهم المنطقة والمساهمة في حلول لمشكلاتها.
وفي هذا الأسبوع شهدت سورية وتشهد حراكاً سياسياً دولياً بمستويات عالية حيث زارها رئيس البرلمان التركي ومفوضة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي فريرو فالدنر، ويوم السبت المقبل ستأتي وفود من مجلس الشيوخ الأميركي وسيكون من أبرز هؤلاء جون كيري المرشح السابق للرئاسة الأميركية ونظيره في الكونغرس هاورد بيرمان من أجل إعادة العلاقات بين سورية وأميركا على احترام المصالح العليا للبلدين، أليست هذه الزيارات دلالة على أن سورية هي القرار في المنطقة وهي أهم بلد في الوصول إلى الاستقرار؟.