بتفاصيل الملف السياسي الخاص بالمنطقة التي يحلو للغرب تسميتها بمنطقة الشرق الأوسط، وهي كما تؤكد حقائق التاريخ والجغرافيا في الوطن العربي الكبير ما في ذلك أدنى ريب.
الآن يطل السيناتور (جون كيري) الذي كاد يدخل البيت الأبيض يوماً ما ليكون رئيس الولايات المتحدة الأميركية ليقول إن بلاده تواقة للحوار مع سورية.
فقد نقلت إحدى وكالات الأنباء عنه قوله للصحفيين في شرم الشيخ إن الولايات المتحدة تواقة للحوار مع سورية، وإن زيارته لدمشق في وقت لاحق من هذا الأسبوع تأتي في إطار التزام الولايات المتحدة بالانخراط في جهود تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
ولم يفوت السيناتور الأميركي المناسبة بل استثمرها ليشير إلى الحرص على الحوار الأميركي - السوري على نحو يدعم فرص تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة بشكل عام.
وقد يتساءل المراقبون عن هذا الحرص الأميركي على التقارب مع سورية بعد أن ظلت الإدارة الأميركية السابقة تبذل كل ما لديها من جهد لإبقاء جدار الجليد قائماً بين الدولتين، مع أن هذا الحرص لا ينظر إليه على أنه حدث طارئ في العلاقة بينهما.
ولا بأس من العودة إلى تاريخ العلاقات بين الدولتين، فمثل هذه العودة تقدم تفسيراً لهذا التغير المفاجئ في النظرة الأميركية إلى سورية.
وحبذا لو تذكرنا الزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون إلى سورية في محاولة لتحريك عملية السلام بين العرب و(إسرائيل) بعدما تولدت لديه قناعة راسخة عقب النصر العسكري الذي حققه العرب في حرب تشرين التحريرية عام 1973 أن مفاتيح السلام في اليد السورية هي مفاتيح الحرب، وأن كل حل يحاول عزل سورية عن دائرة الأحداث هو حل مبتور يولد ميتاً هذا إذا كتبت له فرصة الولادة.
وحبذا أيضاً لو تذكرنا أن وزير الخارجية الأسبق (هنري كيسنجر) حاول إبعاد سورية عن دائرة حل الصراع العربي - الإسرائيلي وبذل جهوداً مضنية لإقناع رئيسه بذلك، معتقداً أن دولة بثقل مصر السياسي والبشري والعسكري تغني عن سورية، لكن سرعان ما تبين لأركان إدارته أنه كان على خطأ مبين، لذلك سعوا لإصلاح ما أفسده وزيرهم ذو الميول الصهيونية الساخنة، وكان القرار بأن تكون الاتصالات مع سورية على أعلى مستوى.
اليوم تباشر الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة (باراك أوباما) عملها مصطدمة بملفات ضخمة تركها الرئيس الغارب (جورج بوش) مسربلة بخيوط التخبط والتعقيد، ولعل ملف الصراع العربي- الإسرائيلي من أشدها تعقيداً وتشابكاً.
ولا نعدو الحقيقة إذا قلنا إن نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة لم تكن إلا نتاج تلك السياسات الأميركية الخاطئة في التعامل مع هذا الملف، فالتطرف الذي مارسته تلك الإدارة انعكس تطرفاً في عقلية الناخب الإسرائيلي فإذا به يختار الوجوه الأشد تطرفاً وحقداً على العرب، ولم يدر أنه بهذا الاختيار جر الوبال على نفسه، لأن التطرف الإسرائيلي ولد روح مقاومة عنيدة لدى الفلسطينيين الذين برهنوا خلال العدوان الأخير على غزة أنهم قادرون على الدفاع عن حقهم في الحياة والوجود، والرد على الغاصب الصهيوني الذي يريد حرمانهم من أبسط حقوق الحياة.
والإدارة الأميركية الحالية حريصة على استعادة الدور الإيجابي الذي يمكن أن تلعبه لإخماد الحرائق المشتعلة في هذه المنطقة الساخنة من العالم، وحسناً فعلت عندما بدأت إعادة النظر في علاقتها مع سورية، التي ترحب بكل حوار جاد يسعى لإخراج المنطقة من دوامة العنف التي ما فتئت تدور في جنباتها منذ زمن طويل.
وسورية قبل الحوار هي سورية خلال الحوار وبعده، سورية التمسك بالحقوق العربية وعدم التفريط بحق من هذه الحقوق، سورية المنادية بتطبيق قرارات الشرعية الدولية وقيام السلام العادل المشرف القائم على قاعدة الأرض مقابل السلام، وإذا كانت الإدارة الأميركية قادرة على تفهم حقيقة الموقف السوري فهذا يعني أن الحوار يمكن أن يصل إلى نتائج إيجابية وهذا الهدف هدف عام ينشد أركان الحوار الوصول إليه.