فوجود نقاط ضعف أوسلبيات ترافق أسواق المال لايعني انتفاء نقاط القوة التي هي ايجابيات ومحاسن بشكل أوبآخر, فالمعروف مثلاً أن هذه الأسواق تشكل الاستثمار الأمثل للمستثمر ا لذي لايرغب باستثمار أمواله بنفسه لانشغاله أولعدم توافر المعرفة, ويستطيع المستثمر الذي يشتري أوراقاً مالية تسييلها (أي تحويلها إلى سيولة) عند الحاجة للنقد, كما أن توافر مبالغ ضخمة ليس شرطاً للاستثمار, فقد يبدأ المستثمر بمبلغ بسيط يشتري من خلاله عدداً محدداً من الأسهم.
ومن المزايا أيضاً أن وجود أسواق المال ستدعي وجود الشركات المساهمة, التي يعني دخول مساهمين إليها توسيع قاعدة المشاركة الشعبية فيها, وهذا يوزع المخاطر ويعمم الفوائد بين أكبر عدد ممكن من الناس, كما يساهم هذا النوع من الاستثمار في تحريك الأموال والمدخرات التي ستتآكل تحت وطأة الضريبة أو الزكاة إن لم تستثمر, فضلاً عن كون أسواق المال هي القناة الاستثمارية الأنسب في حالات التضخم.
وما من شك بأن الاستثمار في الأسهم يحقق أرباحاً عالية عندما تكون الأسهم في اتجاه تصاعدي, هذا طبعاً إلى جانب تنمية النشاط الاقتصادي ودعم الشركات لأن المساهمة في شركة ماتعني تأمين سيولة مالية من شأنها تعزيز الموقف المالي للشركة, وبالتالي تحقيق أرباح توزع في نهاية المطاف على المساهمين وهذا معناه مزيد من التنمية وتحريك عجلة الاقتصاد في البلاد.
خصوصية الحالة السورية
في موازاة الفوائد العامة لأسواق المال, ثمة خصوصية عند الحديث عن الحالة السورية, فالبلاد التي تخرج لتوها من اقتصاد مخطط إلى اقتصاد السوق الاجتماعي, والحاجة المتنامية لفتح مزيد من قنوات الاستثمار, وظاهرة جامعي الأموال, والحراك الاقتصادي المدعوم بحزمة من التشريعات والقوانين كلها- على مانعتقد- ستدفع باتجاه سوق للأوراق المالية قوية وفاعلة.
كما أن ثمة مصلحة حكومية وشعبية في السيطرة الحاصلة على أسعار العقارات التي يعتقد أنها أصبحت في كثير من الأحيان منفلتة من عقالها, لذا فإن دعم سوق دمشق للأوراق المالية من شأنه تخفيف الضغط على الاستثمار في هذا القطاع, الذي كان الإقبال عليه في كثير من الأحيان ناجماً عن عدم وجود قنوات استثمارية بصورة كافية, ونتيجة ترسخ قناعات مزمنة لدى المواطنين بأن شراء العقار من أقل أنواع الاستثمار مخاطرة, ولعل هذا مايفسر سيادة القول الشائع (العقار يمرض ولكن لايموت).
وتدفع مسألة الجديد والرغبة في التجريب إلى دخول الكثيرين إلى سوق الأوراق المالية خصوصاً عندما تحقق بعض الأسهم في بدايات التداول أرباحاً عالية, وعندما تفعل الإشاعات المخططة أوالعفوية فعلتها.. ولقد رأينا كيف فشلت التوقعات التي كانت تروج قبل طرح اكتتابات المصارف لفشل هذه الاكتتابات عن تغطية الأسهم المطروحة للاكتتاب نتيجة عدم وجود سيولة ونتيجة خوف الناس من الدخول في شراء الأسهم, ولكن الذي حدث كان مفاجأة قلبت طرفي المعادلة, ورأينا كيف استطاعت بعض المصارف أن تحقق نسب تغطية تجاوزت في بعض الأحيان نسبة 500 بالمئة.
أمر آخر لايمكن تجاهله أوالقفز فوقه عند استقرار مستقبل سوق الأوراق المالية لدينا, ألا وهو أن المواطن أصبح مدفوعاً للاستثمار في هذه السوق نتيجة مايسمع عنها في دول أخرى, وعبر وسائل الإعلام, وخصوصاً المرئية التي أصبحت تبث نشرات مفصلة عما يحدث في أسواق قريبة أوبعيدة منا, وتسهل من متابعة الأسواق العربية والعالمية شبكة الانترنت والتبادل السريع المحدث للمعلومات.
يضاف إلى كل ماذكر ماتقوم به هيئة الأوراق والأسواق المالية وسوق دمشق للأوراق المالية من تفصيل تشريعات وأنظمة مناسبة لمقاس الحالة وخصوصيتها, ولعل أهم مافي هذه التشريعات والأنظمة هوالتشديد على ضرورة أن تكون السوق قناة استثمارية أكثر منها قناة للمضاربة, حيث لايسمح بأن ترتفع قيمة السهم أكثر من 2 بالمئة في اليوم, كما لايجوز بيع السهم فور شرائه, هذا طبعاً إلى جانب الشروط الصارمة والمدروسة فيما يتعلق بقضايا الطرح والإصدار والإدراج والإفصاح والشفافية والتدقيق والملاءة و غيرها.