|
الإعلامية منى كردي...الأمومة انتصرت على الطموح تجارب شخصية قدمت العديد من البرامج الثقافية والسياسية والاقتصادية, وكان لها لقاءات مع شخصيات كبرى ورؤساء جمهورية وأدباء وفنانين كبار. أمضيت مرحلة الدراسة الأولى في مدرسة يقال لها الآن دار السلام, وأحب أن أتحدث عن هذه المرحلة لأنه في ذلك الوقت كان لدينا اساتذة متميزون, ونظام تعليم متميز يعتمد على الحوار بين الأجيال وكانت دراستنا معمقة باللغتين الأجنبية والعربية وكان هناك دائما وقت مخصص للطلاب لمناقشة أغنية مميزة تظهر في تلك الحقبة, أو فيلم مميز حيث لم يكن هناك تلفزيون, هذا النقاش الذي يؤكد على الأمور الجيدة, نمّا لدينا شغفا إلى الثقافة يختلف عما نراه اليوم في المدارس الحالية. وفي المرحلة الجامعية كنا شلة من الطالبات اخترنا جميعا دراسة اللغة الفرنسية, مع أن الناس في ذلك الوقت كانوا يتوجهون لدراسة الطب والصيدلة, وكانت تلك الحقبة مميزة أيضا فقد تعاون معنا الدكتور بدر الدين القاسم عميد كلية الأدب الفرنسي, حين طلبنا منه تخصيص غرفة في الكلية للقيام ببعض الأنشطة وكنا نجمع خمس ليرات من كل طالب لنقيم فيها معارض للكتب لطلاب متميزين ومعارض للرسم والنحت, هذه الأعمال فتحت لنا آفاقا في الجامعة وحتى الآن لم أسمع مثالا لما نحن أقمناه في الجامعات. وفي عام 1968 دخلت العمل الإذاعي عن طريق صديقة لي تدعى هدى نحاس وحين تقدمت إلى هذا العمل كان أهلي مسافرين اعتبرت ذلك أمر طبيعيا وأنه من الممكن أن أتحاور معهم لقبول هذا النوع من الوظيفة التي لم تكن مقبولة في الوسط الاجتماعي في ذلك الوقت. وبعد عودة الأهل كان هناك نقاش طويل واختار لي والدي وظيفة بالبنك التجاري السوري (علاقات عامة) لفترة تجريبية مدتها ثلاثة أشهر وخلال هذه الفترة كنت أذهب إلى البنك في الصباح حيث الدوام الرسمي, ومن بعدها إلى الجامعة, ثم الإذاعة, وكان العمل مضنيا جسديا وفكريا إضافة إلى الضغوطات الاجتماعية وبالنهاية وبعد نقاش موضوعي مع الأهل اخترت الإذاعة وساعدني أهلي على نجاح اختياري. وأول برنامج قدمته هو مايطلبه الجمهور من الأغاني الأجنبية, وبعدها قدمت برنامج ثقافي اسمه (امرأة أين أنت الآن) ثم الشؤون العالمية في الصحف العربية وبعده برنامج سورية اليوم, والبرنامج الذي أعتبر نفسي تميزت به في الإذاعة رغم أنني لم أكن أعده هو (قصة الأسبوع) فكان له جمهوره أكثر من البرامج الأخرى لطريقتي في رواية القصة. وقد تزامن وجودي بالإعلام المرئي مع بداية حرب تشرين حيث كان هناك حاجة لتقديم نشرة أخبار باللغة الأجنبية ومع أنني لم أكن أملك خبرة بالعمل التلفزيوني ولا أعرف أين أنظر إلى الكاميرا, فقد كان المسؤولون ينظرون إلى نتائج التجربة بإعجاب.. وفي اليوم التالي قصف مبنى الإذاعة والتلفزيون ,كنا داخل المبنى, طلب منا نحن النساء حينها إخلاء المبنى وتأجيل عملنا, لكننا نحن في القسم الفرنسي كنا جميعا من النساء إلا شاب واحد فكيف يتناوب على العمل بمفرده 24 ساعة, فطلبنا أنا وزميلي (محمود الخاني) من الإدارة الاستمرار لأنه يفترض من هم خارج دمشق أن يعرفوا أننا بحالة جيدة وأن القصف لم يؤثر علينا, وأذكر يومهانفضنا قطع الزجاج عن الكراسي التي سنجلس عليها أثناء التصوير. بداية الشهرة بعدها سافرت إلى هولندا للتخصص بالإعلام المرئي وكانت الخطوة الأولى ببرنامج منوع يتحدث عن الفلكلور بالعالم وأغنياته وكان أول مخرج عملت معه اسمه أسامة الروماني, لكنه سافر إلى دول الخليج من أجل برنامج (افتح ياسمسم) عندها استمررت مع المخرج عماد اليافي وبدأنا ببرنامج (نجوم وأضواء) الأمر الذي زاد من شهرتي وشعبيتي, اشتركت بعدها ببرامج عديدة منها مقابلات مع فنانين كبار مثل عمر خورشيد وداليدا رحمهما الله, ومع شخصيات كبيرة مثل رؤساء الجمهورية حيث التقيت الرئيس الفرنسي (فرانسوا ميتران) مرتين والرئيس (جيسكا رديستان) ولن أنسى ما حييت مقابلتي مع الشاعر الكبير نزار قباني, وهناك العديد من المقابلات السياسية والاجتماعية والفنية. قرار الهجرة ورغم حبي لمهنتي وما حققته من نجاحات قلبت الصفحة بشكل كامل إذ كان عليّ أن أختار بين شيئين أحبهما وأحتاجهما بالوقت نفسه بين عملي أو الهجرة إلى إسبانيا حيث يعيش زوجي, كان الخيار صعبا لذلك اخترت يوم عيد ميلادي أن يكون يوم زواجي وأخذ مني ذلك تصميما وإرداة قوية. أثناء وجودي في إسبانيا اتصلوا معي من التلفزيون السوري لأعمل مراسلة أثناء الألعاب الأولمبية وبعدها طلب مني برنامج ثقافي فكنت أبحث عن البرامج الثقافية العربية في مدريد وأرسلها إلى الإذاعة والتلفزيون السوري ومن ثم مراسلة لتلفزيون الكويت, ولكن عندما أصبح عمر ابني ست سنوات وجدت أن الغربة ليست حياة رغم كل المغريات الموجودة في إسبانيا كان الخيار العودة إلى دمشق ليتعرف ابني على جذوره وليتعلم اللغة العربية ولأن قناعتي بأن أي طفل يتربى في الخارج من الصعب أن يعود إلى وطنه, مع أنني متيقنة أن أولادنا ليسوا لنا, لكن يحق لنا أن ننصحهم وأن يتربوا في بلدهم بعدها يختارون الأسلوب الأمثل لحياتهم. لا أستطيع القول إن آفاق الإعلام لم تُفتح عند عودتي, وجربت نفسي في برنامج واحد عن عيد الميلاد وقدمت مقابلة مع منوعات للأستاذ وديع الصافي, إلا أنني لم أعد أجد نفسي في الاعلام وخفت ألا يقبلني الجمهور, وخفت من تكرر نفسي ومن الفشل. وفي العمل الإنساني لم أكن أعرف نفسي في هذا الجانب حتى دخل في حياتي الدكتور عبد الرحمن عطار رئيس منظمة الهلال الأحمر العربي وطلب مني أن أكون مستشارة اجتماعية للموفدين غير الفلسطينيين الموجودين على الأراضي الفلسطينية أي من جنسيات مختلفة, لندرس احتياجاتهم خلال وجودهم على الأراضي السورية. ومنذ أربع سنوات وحتى الآن أعمل مديرة مشروع اللاجئين. ورغم الاختلاف بين العمل الإعلامي وعملي الحالي هناك مايجمعها, هو حبي للعمل وشعوري بالرضا عن الذات, وبالعملين وظيفتي هي أن أزرع البسمة على وجوه الاخرين, العمل الإنساني مضن مثلما هو العمل التلفزيوني مضن لكن بالنهاية أشعر أنني أعمل شيئا مهما في الحياة ويترك أثرا في نفسي ونفوس الناس. لم أندم على أي مرحلة في حياتي, والأصدقاء مهمين جدا, وأصدقاء الدراسة الذين كبروا معي استمروا إلى الآن هم الذين يملؤون شعوري بالفراغ بعد وفاة أختي الوحيدة وسفر أخي إلى كندا.. وحتى بعد ابتعادي عن العمل الإعلامي منذ 11 سنة لم أتخل عن أصدقائي ولم يتخلوا عني وحتى الان نلتقي ونجتمع كل يوم أربعاء في أول الشهر, كنوع من الوفاء للمجموعة. وعن رأيها بالجيل الحالي قالت: إنه جيل مختلف ولا أستطيع القول إنني لا أقبله, ابني عمره 18 سنة يفهم أكثر مني بالالكترون وأنا أفهم بالمواضيع الثقافية وأتعمق بها, وأنا لا أستطيع أن أطلب منه العودة إلى الوراء لكنه جيل خطر جدا وأنا أعتقد أنه ليس لديه خيال وإذا طلبت منه أن يكتب قصة قصيرة مؤشر خطر فلا يعرف أن يكتب بلغة الوصف, وتراجع الحس بالمسؤولية لديهم فلم يعد لديهم رغبة بالتعب على أنفسهم وهنا يكمن دور الأهل والإعلام في الحوار والتوجيه ضمن إطار يقبله هذا الجيل. والأمر الثالث: لم يعد لديهم حس أو رغبة في الاختراع.. أنا أسمع من الجيل الجديد (ماذا سأخترع كل شيء موجود, والعالم اليوم يتطلب المادة وليس الاختراع) وأنا أعتقد أنه جيل لا يحب التعب للحصول على المادة وهذا أيضا خطير وضد التقدم. والمراهم لهذه المشكلات: هي أن يخصص الأهل وقتا لأولادهم وأن يكون هناك تطور في مجال المدارس والجامعات, ويجب البحث عن نواد وبرامج تساعد الجيل بالعودة إلى نفسه, والأهم أن يكون ضمن العائلة من هو القدوة. ذكريات لا تنسى أثناء حديثها عن الذكريات, استرجعت منى كردي البعض منها فقالت: كان الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران أثناء مقابلتي له أكثر تواضعا من الرئيس جيسكارديتان وأعجب بملابسي السورية وطلب منا زيارة باريس وخاصة شارع »الشانزليزيه). أما داليدا فقد نشأت بيني وبينها صداقة وكنت أزورها في منزلها في باريس, كانت إنسانة رائعة تفتخر بأصولها العربية وكانت حساسة ودقيقة في كل الأعمال التي تقوم بها. ولا يمكن أن أنسى زيارتي للشاعر الكبير نزار قباني في بيته الدمشقي الشهير واستقباله الرائع لنا, وجمال زوجته بلقيس الذي يختصر جمال نساء الأرض. أما علاقتي مع الرحابنة كانت أقوى من معرفتي بصباح وكان عاصي يخاف كثيرا على صوت فيروز ويحاول دائما حمايتها حتى لا تصاب بالزكام ومع أن الزيارات كانت ممنوعة أثناء العرض, استطعت أن أخطف ساعة كاملة من وقتها بمرافقة زوجها عاصي. وأخيرا عمر الشريف نسي موعده معي وهو على طاولة القمار.
|