|
الدكتور محمود السيد...والدتي المعلم الأول رغم أميتها تجارب شخصية وبالطبع كان هناك أساتذة أجلاء كان لهم دور كبير في حياتي منهم الأستاذ سمير حنا بسّور - رحمه الله-, في المرحلة الابتدائية وسمير عرنوق في المرحلة الثانوية -رحمه الله- والأستاذان الفاضلان أمجد الطرابلسي وشكري فيصل- رحمهما الله. أما الدور الأول في تحديد توجهاتي في الحياة فكان لوالدتي رحمها الله فهي المعلم الأول على الرغم من أميتها, فهي التي حثتني على الدراسة والتفوق , وكانت مثالا وقدوة في الصبر والتحمل والإيثار ومواجهة الصعاب. مدرسا في الجامعات العربية لقد أضافت تجربتي في الجامعات العربية لي خبرات كثيرة إذ تم لي الاطلاع على تجارب متعددة أفدت منها في عملي التدريسي. وما أزال أتذكر تلك التجربة الغنية التي قمت بها في تعليم اللغة العربية بوساطة المختبر اللغوي للأجانب وللجزائريين المهاجرين الذين لم يكونوا يعرفون لغتهم الأم, ولم يكن عملي في الجامعات العربية ليقتصر على التدريس وإنما شاركت في مناقشة رسائل الماجستير في كل من جامعة السلطان قابوس بسلطنة عمان وجامعة البحرين والجامعة التونسية إضافة إلى تقويم الانتاج العلمي لعدد من أعضاء الهيئة التدريسية المرشحين للترقية في أغلب الجامعات العربية وهذه ثقة كبيرة من قبل هذه الجامعات أعتز بها. في العمل الإنساني عملت خبيرا في المنظمات الإنسانية مثل (الألكسو, الأليسكو, اليونسكو, اليونيسيف, المجلس العربي للطفولة والتنمية, الاتحاد الأوروبي وأرى أن لها دورا كبيرا في بناء الإنسان بناء متطورا من جميع الوجوه ومواكبا لروح العصر. مشاركتي في هذه المجالات, أفادتني في الاطلاع على تجارب أخرى ودفعتني إلى البحث والمواكبة وإنجاز الأداء بصورة مرضية. ويعني لي ذلك تحمل المسؤولية تجاه ما ينشر في المجلة بحيث يكون غذاء فكريا غنيا في مضمونه وهادفا في محتواه وسليما في أسلوب لغته ومفيدا في انتاجه. الإذاعة هي إحدى وسائل التوعية والتثقيف ولقد حاولت من خلال البرامج الإذاعية التي أعددتها وقدتها في بعض الإذاعات العربية مثل ( برنامج لغتنا والحياة) في إذاعه الكويت, ثمرات العقول في إذاعة دمشق, أحاديث ثقافية في إذاعة البحرين وإذاعة الرياض هذا إلى جانب العديد من الندوات التلفزيونية الثقافية والتربوية أن تؤدي هذه المواد والبرامج رسالة هادفة لأنني أؤمن أنه على كل مثقف من أبناء الأمة أن يسهم في عملية التوعية والتثقيف بمختلف الوسائل, وأقنية التواصل والإذاعة والتلفزة وسائل هامة من وسائل بث الوعي وتنمية العقول وتهذيب النفوس وغرس القيم. أما مسلتزمات ذلك فهي الإيمان بدور الثقافة في التنمية الإنسانية واقتناع من بيدهم الأمر أن الاستثمار في مناجم العقول والضمائر هو أفضل أنواع الاستثمار, ومن هنا كان توفير الحوافز والمكافآت المادية الملائمة والمناسبة لمعدي البرامج من الأهمية بمكان, ومهما ينفق على مثل هذه البرامج الثقافية فإنه أفضل بكثير من الانفاق على بعض البرامج والأغاني الهابطة التي تنحدر بالذوق وتفسده. التربية مفتاح التقدم لقد صدر لي حتى الآن ثلاثة وثلاثون كتابا في المجالات التربوية واللغوية والثقافية وأرى أن ما قدمته ليس إلا جانبا مما كنت أصبو إلى تحقيقه واختياري لهذه المجالات يرجع إلى اختصاصي في اللغة من الوجهة التربوية من جهة واختصاصي التربوي بصورة عامة من جهة أخرى, ولإيماني أن التربية هي مفتاح التقدم وأن اللغة هي مركز الدراسات الإنسانية ووعاء الفكر. عن مشروع النهوض باللغة العربية ومن خلال تجربتي كوزير للتربية لمدة ثلاث سنوات ونصف أرى أن للتربية دورا كبيرا في القيام بمشروع دعم أدب الطفل واللغة العربية من حيث الأناشيد والمحفوظات والنصوص الأدبية المختارة في الكتب المدرسية ومن حيث اختيار النصوص الملائمة للأطفال والمرضية لاهتماماتهم وميولهم والملبية لحاجاتهم والتي ترتقي بذائقتهم وتنميتها, إلا أن لوزارة الثقافة دور هي الأخرى في النهوض بأدب الأطفال وكذلك اتحاد الكتاب العرب ووزارة الإعلام ودور النشر.. الخ. وأيضا لوزارة التربية دور كبير في النهوض باللغة العربية من حيث استخدام اللغة الفصحى السليمة على ألسنة المعلمين جميعا وعلى أقلامهم في أثناء شرح دروسهم وكتاباتهم, ومن حيث تشذيب إجابات الأطفال وإسباغ ثوب الفصحة على عاميتهم على أن يكون المعلمون قدوة ومثالا أمام ناشئتهم في استخدام اللغة الفصحى. إلا أنني أرى أن النهوض باللغة لا يقع على كاهل وزارة التربية وحدها على الرغم من أهمية دورها وكونه أساسيا, ذلك لأن النهوض باللغة مسؤولية جماعية على جميع أبناء الأمة الاضطلاع بدورهم تجاهها أسرة ومدرسة ومجتمعا في الاعلام والمسرح وفي السينما وفي المسلسلات التلفزيونية والإذاعة وعلى واجهات المحال التجارية والساحات والمؤسسات, وفي اللقاءات والحوارات وفي الخطب والكلمات في المناسبات بحيث لا يستمع الطفل إلا للكلمة الفصيحة ولا تقع عينه إلا على الكلمة الفصحى في منأى عن الأخطاء اللغوية والعامية المسفة والكلمات الأجنبية التي لا مبرر لها في التواصل اللغوي على أرضنا العربية. ولقد وجه السيد الرئيس في خطاب القسم إلى ضرورة العناية باللغة العربية الفصحى عنوان شخصيتنا العربية ورمز كياننا القومي وهويتنا العربية والحرص على استخدامها في جميع مناحي أنشطتنا اللغوية والثقافية وكان سيادته قد أصدر قرارا جمهوريا بتشكيل لجنة لتمكين اللغة العربية والمحافظة عليها والارتقاء بها.. كان من مهامها وضع خطة وطنية لذلك. المسرح أؤمن أعمق الإيمان بأن للمسرح دورا كبيرا في عملية التثقيف والتوعية إلى جانب المتعة, إذ إن المسرح يسهم في معالجة القضايا الإنسانية والارتقاء بالواقع إلى الأفضل والأجمل والأبهى. وأؤمن أنه واحد من الفنون العالمية الراقية التي تعزز القيم الإنسانية وتسلط الأضواء على مواطن الخلل في أداء البشر لأنه ذو رسالة إنسانية,. والمسرح الحق هو الذي يحث على التفاؤل وينأى عن التيئيس في ظلال عولمة تروم تخريب نسيج الفرد ووحدة المجتمع وتسود فيه قيم الاستهلاك وبالوسائل والأساليب غير المشروعة وغير الأخلاقية والمسرح الحق هو الذي يضع الجمهور نصب عينيه في كل مايقوم به.. وعندما يضع المسرحيون يدهم على نبض الجمهور وحاجاته ومشكلاته فسوف يبدعون ذلك لأن الجمهور ناقد بصورة عفوية يعتمد على حسه وذوقه في تقبل أي عرض مسرحي أو رفضه. وانطلاقا من إيماني بأهمية المسرح ودوره في بناء البشر نفذت مشروع (المسرح لكل طفل) حيث تقدم المسرحيات للأطفال بصورة مجانية وعملت على إحياء المهرجان المسرحي الدولي. ومع أنني راض عن كل الانجازات التي قدمتها في مسيرة حياتي في التدريس أو في البحث أو في العمل الإداري, إلا أن أفضل عمل شعرت أنني قدمت فيه شيئا هو عملي عميدا لكلية التربية في جامعة دمشق ووزيرا للتربية حيث تمكنت في عمادة الكلية من تنشيط البحث العلمي فيها وتوسيع الصلات بينها وبين اليونسكو في عقد الندوات في الكلية بمشاركة أعضاء الهيئة التدريسية فيها وفي وزارة التربية عملت على تطبيق بعض المبادىء والتوجهات التربوية التي كنا نسعى إلى تحقيقها في مؤتمراتنا التربوية مثل تطبيق التعليم الأساسي وإحداث وظيفة المدرس الأول ووظيفة المرشد النفسي والاجتماعي في مدارسنا, واعتماد لغتين أجنبيتين في الدراسة قبل الجامعية وإزالة الحشو والتكرار من المناهج والنجاح في إحداث كلية تطبيقية تقانية تستقبل خريجي التعليم المهني وتقرير تدريس التربية المهنية في مرحلة التعليم الأساسي..الخ. وأعتقد أن التجديد في المجال التربوي من أصعب الأمور وأشقها لأنه يحتاج إلى تهيئة ذهنية ونفسية حتى يتقبله الميدان. المثقف إن المثقف الحق هو الذي يوظف معرفته في خدمة مجتمعه وقضايا أمته, إذ ما الفائدة في أن يكون المرء عارفا ومطلعا ويكون سلبيا تجاه مجتمعه أو أن يسخر معرفته للهدم لا للبناء? ولا قوة للأمة إلا بقوة أبنائها وتوظيفهم ما تعلموه من معارف وثقافة في معالجة مشكلاتهم الشخصية والبيئىة والاجتماعية وأرى أن ثمة نقصا إن لم يكن مشاركا بفعالية في تنمية مجتمعه وتقدمه وارتقائه. ويؤلمني أحيانا إن بعض مثقفينا لا يرون إلا النصف الفارغ من الكأس على الرغم من أن ثمة إيجابيات في الموضوع وجميل جدا أن يبدي المثقف رأيه بكل صراحة ولكن الأجمل أن يكون موضوعيا في طروحاته ومعالجاته فيذكر الايجابيات إلى جانب السلبيات, أما أن يجامل على حساب الحقيقة والواقع إرضاء لمن بيده الأمر, فإنه لا يعد موضوعيا. و المثقف الحق هو الذي يتحلى بالتفاؤل متجاوزا الصعوبات والعقبات المعترضة بإرادة قوية فلا تفتر له همة, استنهاضا للهمم وتوعية للعقول. مبادىء ثمة مبادىء أعتمدها في حياتي منها: الصدق مع النفس والآخرين, احترام المواعيد, تيسير الأمور لا تعسيرها. وأقول بكل صراحة أن ما أنجزته من بحوث علمية وما ألفته من كتب ما كان له أن يتحقق لولا الجو الذي وفرته لي أسرتي زوجة وأولادا, وطالما حرموا من العطل والإجازات بسبب انشغالي, لكن تفهم الزوجة لدورها الأسري كان له دور كبير في مسيرة حياتي, وعلى الرغم من إيماني بأن الحياة الحقيقية الهادئة تتمثل في إيجاد التوازن بين الحياة العملية والعلاقات الاجتماعية بدءا من الأسرة وانتهاء بالأصدقاء إلا أنه في غالب الأحيان كان التفاني في عملي يجور على علاقاتي الاجتماعية وحياتي الخاصة. أما نصيحتي للجيل الجديد هي أن يقرأ باستمرار وأن يستثمر الوقت ويتحلى بالإرادة القوية والتفاؤل, ذلك أن متعة القراءة لا تعادلها أي متعة أخرى, والوقت أكبر نعمة إلى جانب العقل وهبهما الله للإنسان والتفاؤل سلاح في تخطي الصعاب وتجاوز العقبات وقوة الإرادة هي الضمان لتحقيق النجاح والاستمرارية.
|