ولا يغيب عن الذاكرة أن سيد البيت الأبيض حينما عزم على غزو العراق قرر في البداية إرسال جيوشه للتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل ولما أجهضت الأمم المتحدة دعواه أصر على موقفه وقد تأكد خلو العراق من هذه الأسلحة منذ الأشهر الأولى للغزو, ولكي يخفي هدفه في سرقة النفط العراقي وحماية اسرائيل حدد الديمقراطية وإقامة نظام حكم رشيد كهدف مزعوم لتحقيقه في بلاد الرافدين, وبشر دول الشرق الأوسط بأن العراق سينقلب في زمن وجيز لواحة غناء للديمقراطية ستكون موضع حسد واعجاب الكثيرين حتى إن بعض الأصوات في الدول العربية تمنت وطالبت جهرا أن تحتل أميركا بلادهم لكي تخلصها من أنظمة صديقة لأميركا تعتبرها معوقة لتطورها الديمقراطي وبموضوعية خالصة سنلحظ أن بوش دأب على سوء اختيار نماذج القياس المأمول نجاحها في العراق تلك نقطة يلزمها توضيح وبيان يندهش المرء كثيرا للمقارنة بين ما يجري في اسرائيل وما يجري في العراق وهي المقارنة التي أخذنا إليها الرئيس الأميركي جورج بوش عندما قال: إن ما سماه العنف الفلسطيني لم يمنع اسرائيل من التطور على طريق الديمقراطية والمحافظة على ديمقراطيتها ومصدر الدهشة هنا هو أن اسرائيل ليست العراق ولا يمكنها أن تكون لا الظروف هي الظروف ولا الثقافة هي الثقافة ولا الانتماء للأرض هو نفس الانتماء وطبعا لا الدين هو الدين فكيف يمكن المقارنة?! العراق دولة خاضعة للاحتلال الأميركي ولا يمكن الحديث عن ديمقراطية عراقية قبل خروج هذا الاحتلال أولا. الرئيس بوش فشل في مهمته في هذا البلد العربي الشقيق باعتراف الرأي العام الأميركي ورجال الكونغرس بل باعتراف أعضاء الحزب الجمهوري نفسه وهذا لا يعطي للرئيس الأميركي الحق في الحديث عن نماذج مختلفة للديمقراطية هنا وهناك, إن بوش سيبدو عندئذ كمن يحاول الخروج من ورطته باطلاق كلام في كلام! وكما هو معلوم فإن الكلام لا يحل المشكلات ثم تعالوا نسأل الرئيس بوش عن أي ديمقراطية اسرائيلية تحدث? وكيف يمكن الحديث عن نموذج كامل للديمقراطية في ظل انتهاكات متواصلة ليل نهار لحقوق الانسان يرتكبها على مرأى ومسمع من كاميرات الفضائيات ضد الأطفال والنساء والأسرى والمعتقلين الفلسطينيين.
إن إسرائيل هي المثل في العدوان العسكري والعنصري الصريح على شعب فلسطين الذي أقام حضارات عريقة في فلسطين قبل أن يخرج العبرانيون من متاهة سيناء بآلاف السنين والإدارة الأميركية في سياساتها الاحتلالية وغزواتها الاستباقية غير المبررة هي المثل الصارخ لاستحضار التعصب الديني والصراعات الدينية التي طواها الزمن والأساطير البالية وغطرسة القوة وتحويلها الى دوافع تقود السياسات الدولية المعاصرة لإحداث تغيير جوهري يضعف العرب والمسلمين ويقوي شوكة اسرائىل ويحمي عدوانها وتوسعها في المنطقة العربية, قطعا سيخرج المحتلون الذين عاثوا عدوانا وفسادا في العراق وفلسطين وأفغانستان وينضمون الى من سبقهم من زمر الغزاة الغابرين وسيبقى الغزاة والمحتلون لإدارة الشعوب أعداء السلام والحضارة والانسانية مهما أسبغوا على أنفسهم من أوصاف زائفة تسمى الديمقراطية والذين ألحقوا الدمار والفوضى بشعوب المنطقة واغتالوا حريتها سيواجهون حتما بالقوة الروحية والانسانية والإرادة المتجددة القادرة على مواجهة الظلم والاستبداد والكامنة في شعوب هذه المنطقة, إسرائيل الرافضة للتعايش والسلام واحترام حقوق شعوب منطقة والمتمسكة بغنائم العرب ونظرية التوسع في الأرض على حساب الآخرين ومثلها القوى التي تساندها وتحمي عدوانها تحذو حذوها في المنطقة هي المثل الذي يجب أن يقاوم حتى يفيء للعدل والسلام.
*سفير سابق