تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


نعمة النسيان

الاتحاد
عالم الصحافة
الاثنين 10/9/2007
البابا شنودة الثالث

من النسيان ما هو ضار وما هو نافع, والنسيان الضار ليس هو موضوعنا في هذا المقال, ومن أمثلته: أن ينسى المرء واجباته الدينية أو مسؤولياته العملية, أو أنه ينسى وعوده أو عهوده أو مواعيده أو نذوره. كذلك من الخطأ أن ينسي فضل الناس عليه, وبالأكثر أن ينسى إحسانات الله اليه, وما يشبه ذلك وهو كثير.

على أن النسيان ليس كله شرا. فقد سمح به الله من أجل نفع الإنسان وفائدته, لو أنه أحسن استخدامه. فالإنسان الحكيم يعرف ما الذي ينبغي أن ينساه, وما الذي ينبغي أن يتذكره. وسنحاول في هذا المقال أن نشرح بعض المجالات التي يحسن فيها النسيان:‏

** فمن فوائد النسيان مثلا أن ننسى إساءات الناس إلينا.. ننساها لكي نستطيع أن نسامح وأن نغفر ونصفح. ولكيلا يملك الغضب علي قلوبنا بسببها. وننساها لكي نهرب من شيطان الحقد ومن شيطان الكراهية إذا ثبتت في أذهاننا.‏

فالذي ينسي أخطاء الناس اليه, يمكنه أن يقابل الكل ببشاشة, ويملك السلام قلبه, ولا يختزن فيه شرا من جهة أحد. لذلك, إذا أساء اليك أحد, لا تحاول أن تسترجع في ذهنك إساءته اليك, ولا تتحدث مع الناس عما فعله بك ذلك المسيء, ولا تفكر في أية إهانة لحقت بك. لئلا يرسخ كل ذلك في ذاكرتك ويتعبك..‏

** من فوائد النسيان أيضا أن ننسي فضائلنا, حتى لا نقع في الكبرياء والإعجاب بالنفس.. فإن عملت خيرا, أو إن شاءت نعمة الله أن تعمل خيرا بواسطتك, فلا تذكر ذلك ولا تتذكره. لئلا يجلب لك التذكار مديحا من الناس, تستوفي به أجرك على الأرض, دون أن يختزن لك الأجر في السماء.‏

حقا, أن الذي يذكر فضائله, أو يظهر فضائله, إنما يقع في الغرور والخيلاء, ويفقد الكثير من ثوابه. لذلك انس الخير الذي تعمله. وإن ألح عليك الفكر في تذكره, انسب ذلك إلى عمل نعمة الله معك, وليس الى إرادتك الخيرة. واشكر الله الذي هيأ لك الظروف التي ساعدتك. واذكر أيضا أن ذلك العمل كان يمكن اداؤه بطريقة أفضل من التي عملته بها..‏

** من فوائد النسيان أيضا أن ننسي المتاعب والضيقات:‏

أحيانا يكون التفكير في متاعب الضيقة أشد إيلاما وضررا من الضيقة ذاتها. لذلك من الخير لك أن تكون الضيقات خارجك وليست داخلك. أي لا تسمح لها بالدخول إلي فكرك, ولا الاختلاط بمشاعر قلبك لئلا تتعبك. أي حاول أن تنساها. وإن ألح عليك الفكر ولم تستطع أن تنسى, فحاول أن تنشغل بالقراءة أو بالعمل أو بالحديث مع الناس, لكي تبعد الفكر عنك وتنسى.‏

وعندما تنسى ضيقاتك ومتاعبك وآلامك, ستدرك أن النسيان نعمة وهبها الله. وستشكر الله الذي جعلك تنسى.. أليس في معالجة المرضي المتعبين بأفكارهم ومشاكلهم النفسية, يقدم لهم الأطباء أدوية لكي تشتت تركيز أفكارهم, فينسون! وبهذه الطريقة يحاول الإنسان أن يشتري النسيان بالطب والدواء والمال.. إذن مبارك هو الله أن يهب النسيان مجانا لمن يحتاجونه.. إذن انس المتاعب والهموم, لأن تذكرها يجلب الأمراض النفسية والعصبية وأمراضا أخري. وهنا ندرك فوائد النسيان.‏

** من فوائد النسيان أيضا, أن ينسى الإنسان الأسباب المعثرة التي تجلب له الخطية.. فقد يقرأ شاب قصة بذيئة, أو يري منظرا خليعا, أو يسمع كلاما مثيرا.. وإن لم ينس كل هذه الأمور, تظل تشغل فكره وتحاربه روحيا. فتضيع نقاوة قلبه. ولذا من الخير له أن ينسي.. وقد يقع شاب آخر في مشكلة عاطفية, ويحاول من أجل إراحة قلبه أن ينسي.‏

وإذا استطاع ذلك, يعترف بأن النسيان نعمة عظيمة..‏

لذلك حاول أن تنسى كل ما يعكر نقاوة قلبك. لا تجلس وتفكر في أي شيء ينجس فكرك أو مشاعرك.‏

** من فوائد النسيان أيضا أن تنسي كل الأمور التافهة, لكي تبقي في ذهنك الأمور النافعة لك ولغيرك..‏

تصوروا مثلا لو أن انسانا تذكر كل ما يمر عليه طوال يومه, أو طوال اسبوع أو شهر, من كل الأمور التافهة التي تختص بالأكل والشرب وأحاديث الناس ومناظر الطريق, وأيضا كل القراءات وكل الأحداث.. هل مثل هذا الشخص تحتمل طاقة فكره وذاكرته أن تخزن فوق ذلك كله, المعلومات اللازمة له والأساسية?! لا أظن ذلك.. من أجل هذا يسمح الله لفائدتنا أن ننسي التافهات, لكي تتبقي في ذهننا الأمور المهمة فقط أما الذين يتذكرون كل الأمور التافهة, أو يهتمون بها فلا ينسونها.. هؤلاء ستكون أحاديثهم تافهة أيضا..‏

كذلك تصوروا مثلا إن أراد أحد أن يصلي. ووردت في ذهنه وذاكرته كل الأخبار والأحاديث التي عبرت به في يومه.. اتراه يستطيع أن يركز في فكره في الصلاة?! أم يسرح فيما يتذكره!‏

وأيضا إن أراد أحد أن يذاكر درسا, أو أن يكتب بحثا أو أن يناقش موضوعا مهما, اتراه يستطيع ذلك, بينما في ذهنه كل التافهات التي مرت به طوال يومه? أليس من المفيد له أن ينساها, ولو إلي حين!‏

إن النسيان إذن هو عملية غربلة حيوية, تغربل في الذهن وفي الذاكرة جميع المعلومات والمعارف والمناظر والسماعات, التي وردت إلي العقل, فتستبقي المنافع منها, وتطرد ما لا يفيد, عن طريق النسيان..‏

لذلك فلنحاول جميعا أن نتحكم في ميزان ذاكرتنا. فلا نستبقي فيها إلا كل مايفيدنا. أما الباقي فننساه. من أجل هذا, سمح الله بوجود النسيان. علي أنه يجب أن نكون حكماء في معرفة ما يفيدنا نسيانه. ومايجب علينا أن نتذكره.‏

تعليقات الزوار

أيمن الدالاتي - الوطن العربي |  dalatione@hotmail.com | 10/09/2007 08:13

لست مع البابا شنوده في أمر النسيان, فهكذا نسيان يشجع الشر أن يستمر في شره فلا يتوقف, بل يتطور لمؤامرة تفسد ضعاف النفوس وتقيد كبار النفوس, فإذا نسينا أذى الطريق فسيمتد أذاه للبيت ,بل يجب مواجهة الشر لمنع الأذى عن الطريق حتى لايصل للبيت من بعدها, فالنسيان عندي غير ماعند البابا, إنه عندي التعالي على الجراح, والإصرار على الخير فنصنعه لنلجم الشر, ولكي نصنع الخير علينا مواجهة الشر بقوة الإيمان والإنسانية, وبقوة العقل والجسد, فإذا كنا ننسى الأذى فإننا نشجعه ولا نقضي عليه؟

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية