أمام هذا الجيل الذي يطل على مرحلة الشباب، وتعيش في داخله مشاهد وصور الحرب والألم والحزن، نحن أحوج ما نكون في مؤسساتنا التعليمية إلى دور مضاعف عما كان سائداً قبل الحرب، لأننا أمام حالة استثنائية علينا أن نتعامل معها تربوياً بمنتهى الدقة والحرص بالتوازي مع الجانب المعرفي والتعليمي والمهارات.
من هنا يأتي دور المرشد النفسي والاجتماعي في المدرسة، وهي الدائرة الثانية بعد الأسرة كما نعلم، من حيث الأهمية والتأثير في ذهنية ووجدان التلاميذ الصغار والطلاب اليافعين.
لنسأل أنفسنا اليوم: هل نضجت هذه التجربة بالشكل الذي يعزز ويعمّق الدور التربوي للمدرسة أم لا؟
ما المطلوب الآن أمام نسبة ليست بالقليلة من أبنائنا عانت من الإرهاب الذي حرمها من التعليم وعادت مجدداً وهي مثقلة بذكريات الحرب؟
دعونا في البداية نعرف من هو المرشد قبل أن نخوض في التفاصيل ونخرج بالخلاصة والنتيجة من وجهة نظر من تحدثوا إلينا في هذه القضية التربوية البالغة الأهمية.
من المرشد؟
المرشد النفسي والاجتماعي هو شخص يملك مؤهلات علمية، ومهارات وصفات كثيرة تعينه على تقديم الخدمة النفسية والاجتماعية، وبالطبع يحرص هذا الشخص على الالتزام التام بالأخلاقيات، والسلوكيات الطيبة من أجل تقديم المساعدة للطلاب، والوقوف إلى جانبهم بشكل يساعد المؤسسة التعليمية في تحقيق ما تسعى إليه من أهداف.
بالطبع هناك فرق كبير بين مهام ومسؤوليات المعلم، وبين مهام ومسؤوليات المرشد؛ لأن طبيعة عمل الأخير تفرض عليه أن لا يلتزم بالحصص الدراسية، وبتوصيل المعلومات للطلاب كما يفعل المعلم، لكنه في ذات الوقت مسؤول عن إيجاد الحلول المناسبة لمشكلات كثيرة يعاني منها الطلاب نفسية كانت أم اجتماعية، داخل سور المدرسة وخارجها.
وزارة التربية عرّفت في النظام الداخلي لمدارس مرحلة التعليم الأساسي المرشد بأنه «من يحمل إجازة جامعية في علم الاجتماع ويفضل حملة دبلوم التأهيل التربوي أو دبلوم الدراسات العليا في الارشاد الاجتماعي»، وحددت مهامه والأهداف التي يسعى لتحقيقها لتكون مرتبطة بالمعنى المقصود من الخدمة الإجتماعية، وهي «القيام ببعض الخدمات المساعدة للتلاميذ ليستطيعوا التأقلم مع العقبات التي تعترض طريقهم ومحاولة توفير متطلباتهم الضرورية، وإحداث تغييرات جوهرية في سلوكياتهم بصورة إيجابية ما يؤهلهم للخروج إلى المجتمع والتفاعل مع محيطهم بشكل سوي».
ويختلف دور الاختصاصي الاجتماعي عن دور المدرّس، فدوره لا بداية له ولا نهاية، لا يتقيد بجدول المدرسة الرسمي، إنما عمله في معالجة القضايا والمشكلات الاجتماعية والنفسية وغيرها للتلاميذ داخل المدرسة وخارجها ومتابعتها باستمرار طيلة العام الدراسي، والعام الذي يليه وهكذا، ومفهوم الخدمة الاجتماعية هو تقديم خدمات معينة لمساعدة الأفراد والتلاميذ إما بمفردهم أو داخل جماعات ليتكيفوا مع المشكلات والصعوبات الاجتماعية والنفسية الخاصة التي تقف أمامهم وتؤثر في قيامهم بالمساهمة بمجهود فعال في الحياة وفي المجتمع كما تساعدهم على إشباع حاجاتهم الضرورية وإحداث تغييرات مرغوب فيها في سلوك التلاميذ وتحقيق أفضل تكيف للشخص مع نفسه وبيئته الاجتماعية.
اجتماعي ونفسي.. عملان متكاملان
رئيسة دائرة بحوث تربية دمشق إلهام محمد وفي لقاء معها أشارت إلى أهمية دور المرشد الاجتماعي والنفسي في كل مراحل الدراسة على السواء، وذكرت أن الاختصاصي الاجتماعي من خريجي قسم علم الاجتماع يتم تعيينهم في مدارس الحلقة الأولى، كون الطالب في تلك المرحلة لم يصل بعد إلى مرحلة المشكلات النفسية ولكن حياته الاجتماعية وبيئته هي التي تحتاج إلى رعاية وتوجيه.
وتضيف محمد :أنه تم تعيين خريجي علم الاجتماع في هذه المرحلة بالذات كون دراستهم لا تحمل في سنواتها مواد علم نفس، وطفل الحلقة الأولى يحتاج لتوجيه اجتماعي، بينما مرشدو الحلقة الثانية من خريجي كلية التربية والإرشاد النفسي وموادهم الدراسية تحيط بالمشكلات النفسية وسن المراهقة والنمو لذا تم اعتمادهم للحلقة الثانية.
وتابعت قائلة: من الضروري وجود مرشد اجتماعي وآخر نفسي في كل مدرسة، ولكن الإمكانيات فرضت علينا وجود مرشد اجتماعي في المدارس الابتدائية ومرشد نفسي لطلاب الحلقة الثانية، وهناك مدارس قليلة فيها مرشد اجتماعي وآخر نفسي، وهذا ما نعمل عليه، تفعيل دور الاختصاصي الاجتماعي والنفسي في مدارسنا كافة.
وأشارت إلى أن وزارة التربية تقوم بمتابعة وتقييم عمل المرشدين الموزعين على مدارسها من خلال جولات يقوم فيها موجهون لمتابعة عملهم، ووضع الملاحظات اللازمة، منوهة بأن المرشد يبدأ عمله برصد الظواهر الأكثر تواجداً في المدرسة، ثم يقوم بتوثيقها، ويضع خطة إرشادية لتطبيقها خلال السنة الدراسية بالتعاون مع الإدارة، وتتخلل هذه الخطة ثلاثة جوانب: وقائي، ونمائي، وعلاجي.
وعن الفرق بين المرشد الاجتماعي والنفسي تشير آمال أنطكلي وهي مرشدة في إحدى مدارس دمشق منذ عشرين عاماً إلى أن أمور الطالب وظروفه الاجتماعية وفراق أحد الوالدين أو مشكلات أسرته وغيرها هي من اختصاص المرشد الاجتماعي ويتركز الاهتمام بهذه الظروف في مرحلة التعليم الابتدائية أكثر منها في طلاب الحلقة الثانية التي كان التركيز فيها على مرحلة المراهقة والتغيرات الجسمية والنفسية والشكلية التي يخاف المراهق منها، وهنا يبرز دور المدرسة والأسرة في احتواء ذاك الطالب ومشكلاته.
وتابعت: مهمتنا كاختصاصيين تربويين هي الوصل بين الطالب والمدرّس ومساعدة الأجيال الجديدة على التفكير وإيجاد الحلول وتوفير مناخ مناسب لطالب متأخر دراسياً بسبب ظروف اجتماعية معينة، وكل ذلك يتم بالتعاون مع الإدارة ووجود الاحترام والتواصل مع الآخرين بشكل سوي ووجود نقاط مشتركة بين عناصر الهيكل الوظيفي واحترام التسلسل الوظيفي.
خطة شهرية
وأشارت أنطكلي إلى وجود خطة شهرية لكل موجه تحتوي مواضيع اجتماعية وبرامج وخططاً لبناء الذات وتخضع تلك الخطة للتقييم كل شهرين من قبل المشرف على مجموعة الاختصاصيين الذين يطبقون الخطة نفسها، وذكرت أنها لا تقتصر على ساعات الفراغ لمناقشة موضوع أو مشكلة مع الطلاب بل تتعاون مع زملائها المدرسين لدعم الطالب نفسياً من خلال النشاطات اللاصفية، ولدينا سجلات ووثائق، منها سجل التوجيه خلال حصة الفراغ، التقرير الشهري، سجل التعرّف على المستوى التحصيلي، تسجيل الحالات الفردية، بطاقة التلميذ الإرشادية، سجل الاتصال بالأهل، سجل رعاية الطلاب المتفوقين، سجل الرعاية لطالب متسرّب، سجل الرعاية الفردية لتلميذ متأخر دراسياً، سجل تلميذ معوق، سجل الغياب المتكرر، سجل زيارات أولياء الأمور..
تاليا خضر مرشدة اجتماعية تحدثت عن طبيعة العمل بالقول: النقطة الأهم في عملنا هي كيفية بناء حوار مجد بين المربي والطفل، وضرورة أن يكون بعيداً عن التقريع والإهانة، والإحاطة باهتمامات الطفل ومستلزماته، وتوفيرها بالحد المعقول والممكن، فالسلبيات متعددة في هذه المرحلة العمرية، حيث المشاعر الطبيعية تنتج في السنوات الأولى، وهي تعتبر أخطر وأهم السنوات على الإطلاق، لذلك من الضروري احتواء الطفل، والإصغاء له، مضيفة بأن إحدى المشكلات التي كان يجب معالجتها هي حالة النشاط الزائد عند مجموعة من الأطفال في المدرسة.
بدوره تحدث أحمد برهوم «مدرس» عن دور الإرشاد التربوي داخل المدرسة وخارجها وقال: في ظل ما نشهده من فوضى عارمة في الكثير من المصطلحات والمفاهيم بات من الضروري إيجاد مرشد لتلاميذنا، إذ يتأثر التلميذ أحياناً بمعلمه أكثر مما يتأثر بوالديه، ويستطيع أن يبني جسراً من الثقة مع معلمه أكثر من والده.
فالمرشد التربوي بما تعلمه من طرق وأساليب وتحليل لنفسية التلميذ يعرف كيفية كبح جماح رغباته.
والخلاصة.. تبقى المسؤولية مشتركة بين البيت والمدرسة في تهيئة الطلاب ونجاح أول يوم دراسي سيترتب عليه نجاح عام بأكمله، لأن البدايات تأتي مبشرة بالخير والتفاؤل، لذلك فإن الجهود تتضافر في الحقل التربوي والتعليمي من أجل عام دراسي موفق يتكلل بالنجاح.
ولعل أبرز الأهداف التي تركز عليها الهيئة الإدارية والتعليمية في المدرسة هو إعداد برنامج على مدى العام الدراسي وتهيئة البيئة الخصبة الجاذبة للطلبة، ومن هنا يبرز دور جميع التربويين في تحقيق هذا النجاح، ولعل المرشد الاجتماعي في المدرسة له دور كبير وفعَّال في تحقيق الأهداف والمساهمة في التهيئة النفسية للطلبة لما له من تواصل مستمر مع الطلاب وأولياء أمورهم من خلال استقبالهم وبحث مشكلات الأبناء معهم بطريقة علمية واجتماعية تصل بنا إلى مستقبل سوي وتربية سليمة لأبنائنا.
ربما يتحدد نجاحنا في هذا المضمار حين يتوجه أحد هؤلاء الصغار إلينا بسؤال ما؛ فإن أحسنّا الإجابة سنكون على السكة الصحيحة، وإن لم نجد إجابة فنحن أمام إشارة استفهام كبرى، ويترتب علينا بذل مزيد من الجهد.