وكان من عناوين منظومة الأسئلة المستقرة هذه العودة إلى يقين الإنسان أينما كان موقعه بالنصر مهما كانت ضراوة المعارك وتعقيدات القوى المعتدية، وكان في أصل هذا البعد هذا الارتباط والالتزام معاً بالعناوين الكبرى للوطن السوري سواءً أكانت هذه العناوين مدنية أم عسكرية، راهنة أم مستقبلية وانجدلت في هذا السياق عضوية الوحدة في هذا الوطن وما عاد غريباً إلا ذلك الرقم الشاذ الذي تم تصنيعه بالمال الحرام من الخارج وبالادعاءات الحاقدة الفردية والمنتشرة بطبيعة الحال في هذه الزاوية أو تلك وهذا ما تكثف في لحظة الاجتماع والإجماع الوطني.
ذلك أن حقائق الموقف القائم غطت بوهجها وسطوع نتائجها كل الاعتبارات الجزئية والتقت مباشرة بطبيعة الإنسان السوري التي تكونت عبر التراكم العضوي والإبداع والمعاناة على خط الزمن والتاريخ منذ آلاف السنين. وهنا تبدت قيمة المستقر الأخلاقي والوطني في الأداء السياسي والعسكري وفي اندفاعات الرأي العام الشعبي وكأنما الحال يخبر عن صدمة إيجابية كان لابد منها وقد تلتها صحوة وطنية سرعان ما اندفعت من الأعماق إلى الساحات وإلى عالم الإنسان والسلوك في هذا الوطن التاريخي، وفي أصل ذلك عشنا ومازلنا نعيش هذه النزعة العميقة في إعادة ترتيب أولويات الإنسان العادي بفكره وسلوكه معاً وبما يؤكد أن منهج التحضير وحيوية الوجدان قد فعلت فعلها فتراجع ذلك لنسق من الجزئيات المتناثرة والفواصل الملحقة التي حاولت قوى كثيرة أن تدفع بها لكي تكون المعادل المستحكم في الحياة الوطنية والشعبية، وهنا تبدت قيمة التحولات الوطنية في الميدان العسكري والسياسي والتي كان من أهم وظائفها أنها أعادت ترتيب أنماط فكر وسلوك الإنسان بعد اغتراب قسري فرضته حالة الترهل ونمطية الميل للشعارات المتكلسة ونزعة المقارنة بالقوة المادية الصماء مع مجموعة القوى التي انخرطت في هذه الحرب العدوانية الشاملة على الوطن السوري.
إن الأداء في الميادين عسكرياً هو نتيجة ومقدمة في سياق واحد، أما كونه نتيجة فهذا يجسد مكوناته التاريخية ويعبر عن العوامل التي صاغت انتماءات وسلوك هذا المقاتل في الميدان، لذلك حق لنا أن نقول كان الوطن السوري هو الذي يخوض المعركة في الميدان العسكري بكل ما فيه من أعماق وذاكرة وموروث وقيم وبكل ما في هذا الوطن من تنوع واتساع في توضعاته الإقليمية والجغرافيا، بمواجهة المحتل العثماني وسياسات العار التي ينتتهجها، وهذه قصة هي ميزة تتحول مباشرة إلى امتياز في نضال هذا البلد العنيد والقاسي، وما كان للإرهاب المستقطع والنشاز ولا للقوى التي أنتجت الإرهاب وما برحت تغذيه بمعدلات فاضحة أن تدرك أهمية هذا البعد الوطني الشعبي والتاريخي لسورية العربية.
لقد استبدت بمجموعة القوى المعادية أفكار وهواجس الشيطان ولاسيما من خلال تقديرات محمومة ووقائع مسمومة كلها في الأصل خروج عن الوطن وأرادوها خروجاً على الوطن، أي نقل هذه الأفكار الموهومة والتقديرات المزعومة من منطقة الاحتمال إلى مسارات البيع والشراء والمساهمة في اغتيال الوطن بأي مقدار كان هذا الاغتيال وبأي سلاح يستخدم في هذا الاغتيال، وفي الوطن السوري تتوالد الأبعاد من الأبعاد وهذا ما يؤهله ليقينيات النصر.