تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تركيا.. من مصطفى كمال.. إلى أردوغان

دراسات
الأحد 7/8/2005
سليم عبود

يرى كثير من الكتاب والمحليين السياسيين في الشأن التركي أن مصطفى كمال أهم شخصية في الحياة التركية منذ قرون مضت, بعد الحرب العالمية الأولى, وكانت تركيا أجبرت على توقيع معاهدة (سيفر) التي تضمنت شروطاً شديدة القسوة, وتسببت في قطع الصلة ما بين أنقرة واستنبول, في هذه الظروف الصعبة, برز مصطفى كمال كقائد عسكري, وقاد حرب الاستقلال ضد دول التحالف التي احتلت (استنبول) ورفض معاهدة (سيفر) وتواصل مع الروس, وعقد معهم معاهدة ( غومرو), وعلى الجبهة الغربية تصدى للقوات اليونانية التي احتلت أزمير في 19 أيار 1919 وتوغلت في عمق (ايجة), هزم أتاتورك القوات اليونانية, وانسحب الفرنسيون من أضنة بعد توقيع معاهدة أنقرة, وعكست انتصاراته في الجبهة الغربية على الحلفاء وعلى اليونانيين حالة معنوية عالية عند الأتراك, وأسست أن يبرز كقائد وبطل لعملية الاستقلال, وفي هذا العام أي 1923 تسلم رئاسة الجمهورية, ويعتبر مصطفى كمال أول رئيس للجمهورية التركية.تمثل معاهدة (لوزان) للسلام عام 1923 نهاية صراع تركيا مع التحديات العسكرية التي نتجت عن الحرب العالمية الأولى, أجهد مصطفى كمال نفسه لإخراج تركيا من حالة اليأس, اتجهت جهود مصطفى كمال لتغريب تركيا, فأدار ظهره للشرق وساهم في بعث ثقافة جديدة تعمل على تأكيد تركيا دولة أوروبية, وأن خروجها من واقعها المريض لا يكون إلا بتخلص تركيا من نظامها القانوني القديم وبخروجها من روابطها مع الشرق المهزوم.

يسأل المحللون السياسيون: هل كان مصطفى كمال يريد إخراج تركيا من جلدها المشرقي ومن عمقها المسلم?! وهل كان يعتقد أن تواصلها مع الشرق المسلم كان يعني بقاءها في رحاب تاريخ كان سبباً في بقاء تركيا دولة مريضة وغير قادرة على تحقيق وجودها وحماية ثغورها الواسعة?! وهل كان وقوف العرب إلى جانب الحلفاء في الحرب والعمل على إخراج تركيا من بلاد الشام والجزيرة قد ترك مرارة في نفوس العسكريين الأتراك الذين جرحت الهزيمة كبرياءهم وعلى رأس هؤلاء مصطفى كمال?!‏‏

كل هذه الأسئلة تبدو مطروحة عند الحديث عن مرحلة مصطفى كمال, وثمة من يرى أن الأمر مختلف, فمصطفى كمال كان يدرك حجم المرض الذي يصيب الدولة العثمانية وأن الحل يكمن في بناء دولة حديثة تعتمد الأسس الغربية بدءاً من استبدال الطربوش بالقبعة وانتهاء بإلغاء الخلافة.‏‏

ويرى كثيرون في تركيا وخارجها أن مصطفى كمال كان شخصية دراماتيكية مثيرة للجدل, ويثير الإعجاب بجرأته على تخطي ثوابت كثيرة كانت في زمن الدولة العثمانية أشبه بالمقدسات, اتجه مصطفى كمال إلى تغريب تركيا برؤية وطنية بعد أن عمل على تحقيق وحدة تركيا الجغرافية والسياسية, وأمل بالتغريب أن تنهض تركيا من حالها الصعب.. لأنه كان يرى أن تركيا كانت أشبه بالعجوز, وأن قضية الخلافة الإسلامية وبقاءها في يد العثمانيين تشكل ثقلاً يربك توجه تركيا نحو التطور الذي ينشده.‏‏

كان اتاتورك حزيناً على الحال الذي وصلته تلك الامبراطورية المريضة, ويعجب بما حققه الغرب من نهوض اقتصادي وسياسي وعسكري واجتماعي.. وهذا ما دفع به إلى تطبيق النظام الغربي كنمط للحياة الجديدة في تركيا, فألغى الخلافة الإسلامية اقتناعاً منه بأنها لا تستقيم مع مبدأ النظام الجمهوري, وأنها تشكل حاجزاً في وجه الحركة الإصلاحية, وأبعد أفراد السلالة العثمانية إلى خارج البلاد, وعمل على فصل الدين عن شؤون الدولة, وأرسى مبدأ العلمانية, وألغى وزارة الشرعية والأوقاف واستحدث رئاسة الشؤون الدينية ومديرية الأوقاف وجعلهما تابعتين لرئاسة الوزارء, وألغى ارتداء العمامة والطربوش, وأصبحت القبعة الغطاء الوطني للرأس, وأزيلت التكايا والزوايا والأضرحة الدينية, وألغيت الألقاب المذهبية والطائفية وتم إلغاء تعدد الزوجات, واستعيض عن عقد القران الديني بالمدني, وجعل الطلاق من صلاحية المحاكم المختصة وأعطيت المرأة حق الترشيح والانتخاب وصدر قانون اسم العائلة (اللقب أو الكنية), ومنح مصطفى كمال لقب (أتاتورك) كرمز له ليكون أبا روحياً لكل الأتراك وتم وضع الأبجدية التركية, إذ تحولت الحروف من العربية إلى اللاتينية, وتشكلت لجنة لتنقية اللغة التركية من العربية والفارسية, واعتبر ذلك خطوة ضرورية للاتجاه بتركيا في طريق الحداثة.‏‏

من يزور الدولة التركية يرى صور وتماثيل أتاتورك في المكاتب وفي الساحات, وفي واجهات المباني صور وتماثيل متنوعة وبأوضاع مختلفة.. بعضها بلباس جندي وأخرى بقبعة على الطراز الغربي, وفي ثالثة يفكر أو يكتب الخ.. صور وتماثيل كثيرة ويقرأ المشاهد في عينيه الزرقاوين, وجبهته العالية النافرة بين صدغين قويين تلك الدراماتيكية المثيرة التي تعبر عن قوة وشجاعة.‏‏

ظل مصطفى كمال أتاتورك رئيساً للجمهورية من عام 1923 إلى عام ,1938 خلفه (عصمت اينونو) من 1938 - ,1950 وتبعه (جلال بايار) من 1950 - ,1960 تلاه (جمال غورسل) 1961 - ,1966 ثم (جودت صوناي) 1966 - ,1973 ثم (فخري س فوروتورك) من 1973 - ,1980 ثم (كنعان افرين) 1982 - ,1989 وبعده (تورت اوزال من 1989 - ,1993 ثم (سليمان ديمريل) 1993 - ,2000 ويأتي (أحمد نجدت سيزر) الحالي إلى رئاسة الجمهورية عام .2000‏‏

بدأ حزب أتاتورك الذي أسسه يفقد قوته بعد عام 1945 ولكن القوات المسلحة ظلت الضامن لحماية مبادىء أتاتورك ونهجه, وبتعبير أدق للعلمانية التركية, وعندما بدأ التجمع الاقتصادي الأوروبي بالتوسع في جنوبي أوروبا تم تجاوز رغبة تركيا في الانضمام إلى التجمع, وهذا ما عكس مرارة لدى كثير من الأتراك, وظل (العسكر) على تمسكهم ببقاء تركيا عضواً في الحلف الأطلسي.‏‏

تعرضت تركيا عقوداً لهزات كبيرة, راحت تتآكلها أزمات كثيرة.. حركة الأكراد.. وأزمات اقتصادية حادة متتابعة, وتطورت الأزمة القبرصية وأصبحت تشكل خطراً على أمن تركيا ونهوضها الاقتصادي من أزماتها, وكان العسكريون يتدخلون في الحياة السياسية عندما يشكون بنوايا السياسيين الأتراك بعمل ينعكس على العلمانية سلباً, فهم لم يكونوا راغبين في التنازل عن أي مبادىء يرون في التنازل عنها يشكل مساومة على مستقبل تركيا العلمانية.‏‏

في عام 2003 وصل أردوغان إلى السلطة, ويرى كثيرون في تركيا أن رجب طيب أردوغان شخصية دراماتيكية مثيرة وتستحوذ الإعجاب, وذات أثر فعال في قيادة مرحلة جديدة لا تقل أهمية في حياة تركيا عن المرحلة التي قادها مصطفى كمال, ويرون أن تركيا في عهد أردوغان تلمست جذورها, وأيقظت ثقافتها الإسلامية المشرقية, وعرف أردوغان في الوقت ذاته كيف يوازن خطواته نحو الغرب في فهم لطبيعة الغرب وأهمية الشرق لتركيا سياسياً واجتماعياً واقتصادياً.‏‏

فهو لم يستطع أن يخلق توازناً تركياً مع الغرب والشرق وحسب, وإنما خلق توازناً في الحياة السياسية التركية بين الجناحين العسكري والمدني لأول مرة, وأفسح المجال للسياسيين المدنيين في الإمساك بمقاليد العمل السياسي دون تدخل من قبل مؤسسة الجنرالات.‏‏

كان حزب التنمية والعدالة بزعامة أردوغان قد نجح في انتخابات 2/11/2002 من بين خمسين حزباً وحصل على 363 مقعداً من مجموع 500 مقعد.‏‏

في ظل حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامية الذي يقودها أردوغان جرت تغييرات إصلاحية استراتيجية تتطابق مع المعايير الأوروبية للديمقراطية في حقوق الإنسان وفي اقتصاد السوق لتكون تركيا جزءاً من أوروبا, ولكن لا يعني هذا أن الحزب الإسلامي بقيادة أردوغان تخلى عن جوهره أو قطع علاقاته مع جذوره, لا بل التفت إليها وحاول إحياءها وأقام علاقات وطيدة مع الدول المجاورة التي لم تستقر علاقة تركيا السياسية معها طويلاً, كما هو الحال مع سورية وإيران, ولم ينجرف كما كان كان من قبل باتجاه تنفيذ الرغبات الأميركية أثناء حرب أميركا على العراق وبعدها, ولم يقبل أن تكون تركيا فك الكماشة الضاغط على سورية, أو الدولة المشاكسة لسورية كما ترغب الإدارة الأميركية وبخاصة بعد أن احتلت تركيا العراق وبدأت بالضغوط على سورية للتخلي عن ثوابتها.‏‏

إن النهج السياسي الذي اتبعه أردوغان عمق علاقاته بالدول العربية والإسلامية, ولم يؤثر ذلك على محاولته تجاوز حوافز الدخول إلى أوروبا, ,وقدم أنموذجاً إسلامياً متطوراً للغرب عبر خطاب متطور, وبرهن على أن الإسلام ليس كما تصوره وسائل الإعلام الغربية ينتج الإرهاب والدم والكراهية ويرفض الديمقراطية والإصلاح والسلام والحوار وقيم الغرب الحضارية, والتفاعل الحضاري مع الآخر وقد عمل رجب طيب أردوغان على تحييد المؤسسة العسكرية عن الحياة السياسية من خلال فصل السلطات, وهذا ما أعطى المجتمع المدني التركي القدرة على التدخل الفعلي في تشريع القوانين, وكانت النتائج التي حصل عليها أردوغان مع القادة ال¯ 25 للاتحاد الأوروبي في بروكسل بتاريخ 17/12/2004 تشكل بداية لبناء مرحلة جديدة مع الاتحاد الأوروبي وقد وصفت هذه النتائج في تركيا بالتاريخية, ورأى بعض الأوروبيين في تلك النتائج الخطوة الأهم في موضوع انهيار نظرية صراع الحضارات والأديان, وبالرغم من ذلك مازال قلق كثير من الأوروبيين يتصاعد من التأثير الإسلامي.. وأثر ذلك على مستقبل العلمانية في أوروبا.. أو بتعبير أصح على المسيحية فيها.‏‏

إن هذا الصد الأوروبي الذي يتصاعد بين الحين والحين تجاه دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي, وتلك العنصرية التي تواجه الأتراك المقيمين في كل من ألمانيا وهولندا جعل أردوغان يعطي موضوع العلاقة مع الدول العربية الإسلامية وبخاصة مع سورية أهمية كبيرة, وفتح فرصاً لتوطيد علاقات عربية-تركية بعيداً عن الإرث الثقيل في قضايا المياه وإسرائيل وذكريات السلطنة العثمانية, فأردوغان يرى أن الفضاء الطبيعي لتركيا اقتصادياً وسياسياً بحكم الثقافة والتاريخ والجغرافيا هو المشرق العربي الإسلامي وفي ظل هذا الاتجاه انتخب الدكتور كمال الدين إحسان اوغلو أميناً عاماً لمنظمة المؤتمر الإسلامي.. وحاول أن تلعب تركيا دوراً ريادياً في عملية توسيع التعاون بين دول البحر المتوسط ضمن اتفاق برشلونة, ونجح أردوغان في اجتماع بروكسل الذي انعقد ما بين 12-13 كانون الأول 2003 بالتأكيد على قدرة تركيا في تحقيق إصلاحات تنسجم مع معايير كوبنهاكن السياسة.‏‏

إن هذا الحراك السياسي الذي خلقه وصول أردوغان إلى السلطة في تركيا يدفع بنا لمعرفة من هو رجب طيب أردوغان وكيف نشأ وما منطلقاته الفكرية والسياسية:‏‏

أردوغان هو اليوم زعيم حزب العدالة والتنمية, ويقال إنه أكثر السياسيين شعبية في تركيا, وهو في الأصل من عائلة فقيرة, يمتلك شجاعة كبيرة في مواجهة تحديات العمل الحزبي والسياسي, ولد رجب طيب أردوغان عام 1954 و كان والده يعمل عنصراً في خفر السواحل بمدينة (ريزة) على ساحل البحر الأسود, عمل وهو طفل ببيع (الليموناضة) وكعك السمسم في شوارع استنبول, ودرس في مدرسة إسلامية, ولعب كرة القدم على سبيل الاحتراف, حائز على درجة جامعية في الإدارة من جامعة (مرمرة) في استنبول ,التقى نجم الدين أربكان وانضم إلى الحركة الإسلامية,ذات يوم أبلغه رئيسه في سلطة المواصلات في المدينة,وكان عقيداً متقاعداً بأن عليه أن يحلق شاربيه,رفض أردوغان وتعين عليه أن يترك عمله,شهد عمله في حزب الرفاه كما يعرف بالحزب الإسلامي الذي حظر عام 1998 نشاطاً وحماساً أكد قدرته الحزبية,وفي عام 1994 أصبح أردوغان عمدة استنبول وأدين عام 1998 بتهمة التحريض على الكراهية الدينية,وكان الاتهام يستند إلى أنه قرأ القصيدة الشعرية التالية (المساجد ثكناتنا, والقباب خوذنا, والمآذن حرابنا, والمؤمنون جنودنا).‏‏

لا يعارض أردوغان دخول النساء إلى المكاتب الحكومية والمدارس من دون حجاب, سئل إذا كانت زوجته سترتدي الحجاب إذا دعيت إلى حفل استقبال رسمي قال: في هذا الحال لن يأخدها إلى الحفل الحفل.‏‏

لا يتحدث أردوغان أي لغة أجنبية, وقد وصف مراسل ال¯ (بي بي سي) في استنبول تركيا قبل الحرب على العراق, إن تركيا بقيادة أردوغان لا تريد أن تكون القطار الإسلامي للولايات المتحدة إلى العراق.‏‏

تعليقات الزوار

مشجع لعلاقة سورية تركية مميزة  |    | 07/08/2005 13:54

أريد أن أشكر الكاتب على مقالاته السياسي حول العلاقة السورية التركية ، شاهدت الكاتب مرة حوار سياسي في ‘حدى المحطات الفضائية فأحببت كل مايكتبه .وشكراً له

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية