وكعادتهم تسابق أبناء الحسكة إلى أهله وأقاربه لتهنئتهم بشهادته فلم يجدوا أحداً في البيت، تركوا رسالة لكل من يأتي بأنهم لن يقيموا عزاء في بيتهم لأنهم في مواقع الدفاع عن المدينة وتطهيرها من الإرهابيين، وأنهم لن يعودوا حتى يعود الأمن والاستقرار إلى المدينة.
هذه الأسرة الكبيرة (الطبقة) هي من العائلات الكثيرة في الحسكة التي أصبحت المثال والقدوة للبطولة والتسابق على الشهادة والوفاء للوطن منذ بداية الحرب على سورية وحتى الآن.
اليوم لم يعد الناس الشرفاء بحاجة إلى من يوقظهم وينبههم من المخاطر التي تحيط بسورية ونسيجها ومجتمعها، وليسوا بحاجة لمن يقنعهم أن ما حصل كان نتيجة تضافر جهود الخارج لمحاسبة سورية وتدميرها وليس من أجل إصلاحها، وفي مثل هذا الحال أصبحت الذهنية الوطنية أكثر حرصاً وقوة للتمسك بثقافة الوطن الواحد والعقد الاجتماعي الواحد الذي هزم كلّ غزوات الأعداء، وها هو اليوم يهزمهم من جديد. وفي نفس الوقت أصبحت لديهم ثقة راسخة بأن النصر في نهاية الأمر هو للشعب والدولة والجيش، وربما من الحسكة سيعلمون أيَّ منقلب ينقلبون، لأن ما حدث منذ الرابع والعشرين من حزيران الماضي عندما تورط الإرهابيون بالهجوم على الحسكة وفي خططهم العدوانية، كما في كل مكان، يضربون ويحرقون ويدمرون ويقتلون بلا رحمة ويخرقون كل القيم والأخلاق والكرامة البشرية يدنّسون حضارات أينعت وازدهرت على أرض الخابور منذ آلاف السنين.. يدنّسون مدنيّات عظيمة كانت حافلة بالمروءات والعبقريات والمواهب والعطاءات.. أحلامهم دفعتهم لأن تكون الحسكة عيدهم فكانت مقبرة لهم عبر إرادة التحدي وتوحّد كل مكونات المجتمع ووقوفها إلى جانب الجيش وانتصاراته وارتقاء مؤسسات الدولة الرسمية والحزبية والأهلية والقائمين عليها إلى مستوى المسؤولية الوطنية.
نعم إنه الحصاد المثمر للوحدة الوطنية المتماسكة ومن حقنا أن نفتخر ببيتنا الداخلي الذي أظهر وعياً متميزاً وإدراكاً عميقاً لحجم التحديات التي تواجهه. وفي الوقت الذي زادت فيه الضغوط فقد زاد هذا البيت تماسكاً ومحبة، والأهم من ذلك ولاءً للوطن ولذلك الحق مع أهل الحسكة تأجيل العزاء بالشهداء لاختصار المسافة إلى النصر المؤكد.