«أبو رمانة» قدم مجموعة من الباحثين وعبر تسليطهم الضوء على كيفية مقاومة الغزو الثقافي للشعوب رؤيتهم والدور المنوط بالمثقف في مواجهة هذا الغزو، وكان العنوان «مقاومة الغزو الثقافي.. التتريك نموذجا» قدم للندوة محمد خالد الخضر رئيس فرع إدلب لاتحاد الكتاب العرب.
يستهدف المنظومة القيمية
الباحث بكور عاروب منسق المركز السوري لبحوث الرأي العام في دمشق، يعرف الغزو الثقافي ويميزه عن التبادل الحضاري بين الأمم بالقول: إن الغزو الثقافي هو اعتداء ممنهج يعتمد على قوى خاصة بالعدو وقوى عميلة في المجتمع المستهدف تسهل عملياته وتمررها.
والغزو الثقافي يستهدف أصلا المنظومة القيمية الضامنة لتماسك المجتمع المستهدف، وفي الواقع فإن الغزو الثقافي التركي وعملية التتريك في بعض المناطق التي احتلتها تركيا ضمن حدود الجمهورية العربية السورية أو استهداف الشباب السوري والكوادر السورية في تركيا، اعتمد هدفا أساسيا له وهو ضرب الجغرافية الاجتماعية السورية وتفتيتها، أملا في الوصول إلى هدف لاحق هو تفتيت الجغرافية الطبيعية وتحقيق أطماعه الخاصة به وأطماع المنظومة الغربية الأميركية الصهيونية من خلال الحزب الإخواني (العدالة والتنمية) بالوكالة عن المشروع الصهيوأميركي.
وأضاف: إن أهم أدوات التركي في هذا الغزو هو التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وإخوان سورية خاصة، واعتماده القذر على التضليل والخداع في هذا الغزو وتبريره وتمريره، هذا إلى جانب محاولة التركي ملء الفراغ الوهابي السلفي المتخلف الإرهابي بمركب الصوفية الجهادية وهومشروع خطر جدا.
على أن أهم أدوات الغزو الثقافي التركي والتتريك تكمن في الدين واستخدامه لتنفيذ برامج الطاعة السياسية في وجود أكثر من 3200 مكتب نورسي في تركيا وهي «بيوت مغلقة للتعليم الديني واستهدفت الآلاف من طلاب الجامعات والكوادر» وهي ظاهرة خطيرة بحاجة إلى متابعة دقيقة وتماسك شديد في مقاومة تأثيرها مستقبلا على المجتمع السوري.
التسلح بالوعي والتمسك بالجذور
أما د. علي دياب رئيس تحرير مجلة التراث العربي يرى أن الغزو الثقافي أو الفكري أو الأيديولوجي هو انتهاك القيم التي تشكل خصوصية فكرية لأمة ما، وينسحب ذلك على مفهوم العولمة والتغريب وما إلى ذلك من مصطلحات، وهذه هي معاناتنا في سيطرة الثقافة الأجنبية على ثقافتنا العربية.
ويحاول الغرب إقناع أمتنا العربية بضرورة انسلاخها تماما عن كل مايربطها بماضيها، وإعادة تشكيل المجتمع على النموذج الغربي من حيث العادات والتقاليد والسلوك الاجتماعي، وللأسف نعيش في عصرنا غزوا ثقافيا أصبح ذا دفع ذاتي يتم دون مجهود من الجهات الغازية، وهنا مكمن الخطر.
ويرى د. دياب أشكالا للغزو الثقافي «برنامج تلفزيوني، نظرية فيلسوف أو أديب مستغرب..» وعملية الغزو الثقافي تستهدف الجذور لا القشور، وتحاول القضاء على الجوهر لا الشكل، وتساعدها في ذلك ثورة الاتصالات وقبلها المواصلات، وبذلك تم القضاء على عامل الزمن، وهذا الغزو هو أخطر من الغزو العسكري، ويضاف إلى ذلك فإن نجاح الغزو الثقافي يستطيع تحقيق أهداف بسبب التخلف والجهل وعدم الوعي.
وعند توفر عامل الوعي والتمييز بين ماهو مفيد وما هو ضار تتحول العولمة إلى شيء مفيد، وخصوصا عندما نستفيد من تطورهم العلمي، وهنا يترتب علينا القيام بحملات وطنية لمواجهة أشكال الغزو المختلفة والتركيز على صياغة نظام تعليمي قوي يواجه هذه التحديات، ولاننسى دور الإعلام بعد التعليم في مواجهة الغزو الثقافي، وعدم تغليب نظرية المؤامرة في عملية الغزو الثقافي، فعندما نكون محصنين لانتأثر، وعندما تتوافر القوة تكون السيادة لصاحبها في السياسة والفكر والاقتصاد، كما يتوافر الانتصار في المعركة للأقوى عسكريا.
تركيا أداة أميركية
يجب ألا نعطي للغزو الثقافي التركي أكثر من حجمه كما يبين علي عزيز عضو الأمانة العامة لاتحاد الكتاب الفلسطينيين، ويضيف: لأن الدور التركي الثقافي يستظل بمخططات وبرامج الإدارة الأميركية والعدو الصهيوني، فالإدارة الأميركية تحكمت على نحو خطير وعلى امتداد ثلاثة عقود بالشعوب والمصائر وهي تنظر إلى العالم الثالث بصفة عامة باعتبارها فائضاً بشرياً، وتنظر إلى أقرب شركائها بالغرب الأوروبي بازدراء شديد، وقد أعلنت أميركا أن مجتمع التكنولوجيا والاقتصاد والثورة الرقمية بات له المستقبل.
عندما أتحدث عن الغزو الثقافي في ظل غياب التوازن والحرب الباردة، أقول أن تركيا لم تكن يوما إلا واحدة من الأدوات، وأوباما في زيارته إلى مصر واسطنبول تحدث عن نموذج الإسلام المعتدل، وهذا الأمر يعد أسلوباً جديدا في الاستراتيجية الأميركية، يترافق مع صناعة الجيل الرابع من الحروب، حيث تم أخذ قيادات الإخوان المسلمين من المغرب العربي حتى مشرقه إلى جلسات استماع في الكونغرس الأميركي.
وأضاف: وفيما يتعلق بالغزو الثقافي جرت عملية استخدام لنظام أردوغان وحركة الإخوان المسلمين، لذلك عندما نتحدث عن الغزو الثقافي فيمكن ربطه بعاملين»الاستهداف الكوني الجيواستراتيجي لسورية»، فسورية هي القلعة القومية، هي دولة المركز في الصراع العربي الصهيوني بامتياز، فكان الاستهداف لهذا الصراع وللأمن القومي ولإمكانات الجيش العربي السوري ولمؤسسات الدولة، وكانت المعركة 60% منها إعلاماً وإنفاق عشرات المليارات.
وفي سياسة «أردوغان» تركيا تسعى إلى المزج بين القومية ولعبة الإخوان المسلمين، وهنا ندخل في تديين السياسة وتسييس الديانة، لذا يجب ألا نبالغ بالغزو الثقافي لأنه غزو عقدي في استظلال ديني.
ولايعتقد أحد من قاتل في سورية «فلسطيني، لبناني، سوري حلفاء»، ليس لأحد منة على سورية، سورية خاضت المعركة دفاعا عن الجميع في الخندق الأول، وأن المعركة كانت معركة السيادة الوطنية السورية، وهي سيادة قومية.