خلص خبراء يعملون لصالح بيزوس -مالك ذي واشنطن بوست أيضاً- إلى التقييم بثقة (من متوسطة إلى عالية) أن حساب الواتساب المستخدم من قبل ابن سلمان تولى بشكل مباشر اختراق هاتف الملياردير في شهر أيار عام 2018. إذ سبق أن التقى الرجلان في ربيع ذات العام خلال جولة موسعة قام بها ولي العهد السعودي في بريطانيا وأميركا، واجتمع مع مجموعة كبيرة من السياسيين وكبار رجال الأعمال في محاولة لاستقطاب الدعم الجيوسياسي لنظامه وتأمين عمليات استثمارية ضرورية لبلاده -في حقبة إزالة الكربون وتدني أسعار النفط-.
في ذلك الوقت، كان ابن سلمان منشغلاً تماماً بما يكتبه أحد كتاب الأعمدة في صحيفة ذي واشنطن بوست وهو جمال خاشقجي الذي انتقل للعيش في الولايات المتحدة ووظف منصته الصحفية ليكشف بشكل مباشر كذب الادعاءات الملكية من كون المملكة تسير في عمليات التحرر بشكل مبرمج.
قبل بضعة أشهر، وتحديداً في شهر أيلول عام 2017 ورد عن ابن سلمان أنه توعد بإسكات خاشقجي (برصاصة). وفي شهر تشرين الثاني قتل الأخير داخل السفارة السعودية في إسطنبول. ولاحقاً بينت كل من المخابرات المركزية الاميركية والمقررة الخاصة في الأمم المتحدة المعنية بحالات الإعدام التعسفي ضلوع ولي العهد (الذي أنكر تلك المزاعم).
لو تأملنا الأسباب التي دعت ابن سلمان أو من يدور في فلكه للجوء إلى عملية القرصنة التي تم تنفيذها على هاتف بيزوس، سيتوضح لنا أن الدافع لاتخاذ ذلك الإجراء يتمثل آنذاك بإسكات خاشقجي، وأن استخدام عملية الاختراق لم تكن إلا محاولة أولية لابتزاز بيزوس وحضه على إبعاد خاشقجي، وربما جاء قتل الصحفي بعد فشل محاولات القرصنة والابتزاز التي تم اتباعها.
بات من المعلوم أن تلك الصحيفة قد أبرزت قضية الصحفي خاشقجي بعد اختفائه في إسطنبول، الأمر الذي عرّض النظام السعودي إلى النقد اللاذع، كما أن تفاصيل علاقة بيزوس (الغرامية خارج نطاق الزواج) التي نشرتها صحيفة (ناشونال إنكوايرر) في شهر كانون الأول عام 2019، أفضت إلى نهاية زواجه وبالتالي تكبيده طلاقاً مكلفاً. وفي هذا السياق، فإن ما حصلت عليه صحيفة انكوايرر من معلومات نجم عن الاختراق السعودي، ولا شك أن مثل هذا السلوك يشابه في مضمونه نمط سلوك العصابات. وهنا نستذكر ما جرى في شهر تشرين الثاني عام 2017 من احتجازعدد كبير من نخبة المجتمع السعودي وابتزازهم لدفع ملايين الدولارات لنظام ولي العهد، بالإضافة إلى محاولة عصابته ممارسة الضغط على رئيس الوزراء اللبناني الزائر للاستقالة في عام 2017. لكن كلاً من السعودية ومالك صحيفة ناشونال إنكوايرر نفياً ضلوع المملكة في نشر قصة بيزوس.
وفي هذا المقام، إن كانت المزاعم الأخيرة المتعلقة بسلوك ولي العهد السعودي وحاشيته صحيحة فإن ما حصل سيضاف إلى سجلهم السابق الذي يثير القلق، ويثير العديد من التساؤلات التي تتمحور حول الشخصيات المهمة التي تراسل ابن سلمان معها عبر الواتساب، ومن هي الشخصيات التي استخرج معلومات عنها لاستخدامها ضدهم في وقت لاحق؟ وهل تشمل شخصيات في السياسة والحكومة والأعمال التجارية، بما في ذلك شخصيات رفيعة المستوى في واشنطن ولندن؟ وهل ولي العهد متهور أو غبي لهذه الدرجة لاتخاذ تلك الإجراءات ضد دول لطالما اعتمد نظامه عليها في بقائه واستمراره؟
منذ تولي ابن سلمان زمام السلطة، أصبحت حكومتا الولايات المتحدة وبريطانيا الداعمين الرئيسيين له. وضخمت واشنطن ولندن بحماسة حملته الدعائية عام 2018 المتعلقة بالبرنامج (الإصلاحي) الذي طرحه، إذ لم يبخل وزير الخارجية البريطاني آنذاك بوريس جونسون في كيل عبارات المديح لولي العهد السعودي باعتباره مصلحاً ليبرالياً حتى قبل زيارته إلى المملكة في شباط عام 2018. بينما خالفته في ذلك العديد من منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية بشكل مباشر، مسهبة في الحديث عن أعمال القمع الوحشي ضد المعارضين على غرار ما حصل من اعتقال عدد كبير من ناشطات حقوق الإنسان اللاتي تعرضن للاعتداء الجنسي والتعذيب بما في ذلك الجلد والصعقة الكهربائية.
يضاف إلى ذلك، أن الحرب الوحشية التي يخوضها ابن سلمان على اليمن (التي أودت بحياة الآلاف وتجويع عشرات الآلاف) لم يكن ليتسنى له خوض غمارها لولا الدعم المقدم من بريطانيا وأميركا. ولو أن حلفاءه الأنغلو -أميركيون قد رفضوا نتائج التحقيق السعودي في عملية قتل خاشقجي-أواخر عام 2018- باعتباره يفتقر للمصداقية وبدلاً من ذلك تمسكوا بإجراء تحقيق جنائي دولي لما كان ليكتب لنظامه النجاة. لكن ما اكتشف مؤخراً يجب أن يدفع بالعقلاء في واشنطن ولندن للحد المتزايد من التعامل مع هذه الشخصية الخطيرة وغريبة الأطوار في السنوات الماضية، وربما العقود المقبلة.