تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


وللاغتراب أنواع أخرى

مجتمع
الأربعاء 27-11-2013
خلود حكمت شحادة

مغترب في بلد كان ملاذاً لكل من اغترب عن بلاده، حضناً دافئاً لكل من طاله شتاء الحروب والتهجير.. سورية تلك الأم الرؤوم والقلب الحنون لكل من هُجّر وشردته الحروب كانت دائماً كذلك وستبقى رغم الألم الذي حل بها وبأبنائها.

جرح ينزف في الجسد السوري أدماه لا مبالاة البعض وغياب الوعي من آخرين، رياح الغرب التي هبت في ربوع أرضنا لتقتلع أشجاراً ضعيفة وبالمقابل لتظهر أشجار السنديان الراسخة جذورها في أعماق الوطن والتي كانت دماؤها مداداً تروي الأجيال القادمة لتحمي سورية من شر أعدائها، وعي شعب أدرك الحقيقة وعرف طريقه وعلم معنى الوطنية.‏

الأمان ليس بجدران‏

والخطر الأكبر اليوم الذي داهمنا وخاصة أطفالنا هي حالات التهجير القسري التي تعرضت لها الأسر بسبب العصابات الإرهابية التي دمرت وحرقت منازلهم وقتلت صغيرهم قبل الكبير ليضطر البعض إلى الهرب واللجوء إلى أماكن أكثر أماناً ولكن يبقى أماناً للمكان فقط وللأسف كثير منا لايدرك معنى الأمان النفسي والعاطفي لذاك الطفل الذي أصبح مغترباً صغيراً في أسرته بعدما تغير مكان سكنه ومدرسته وربما شاركته عائلة أخرى في سكنه أو عائلات أكثر في مراكز الإيواء ليبتعد عن نفسه ومجتمعه.‏

كلنا يعلم أن الطفل يولد غير مزود بأنماط السلوك الإنساني ومع الأيام يكتسب إنسانيه من التنشئة الاجتماعية ليتحول من كائن بيولوجي إلى كائن اجتماعي، فالفرد لا يسـتطيع أن يحيا حياة اجتماعية سليمة بالاعتماد على خصائصـه البيولوجية فقط إنما لابد أن يتعلم طرق وأسـاليب المعيشـة والمشاركة في البيئـة الاجتماعية والسياسية وأهمية التطوع والتعاون من أجـل خدمة الآخرين هذا ما أكدته لنا الباحثة الاجتماعية والمرشدة النفسية لما اليوسف وأضافت: كل ذلك يشكل أهـم القيم التي تجعل الإنسان فرداً نافعاً وليس مغترباً والحديث اليوم عن اغتراب الطفولة كمرض خطير يهدد أجيالاً قادمة.‏

تعريف الاغتراب‏

قام علماء النفس بتعريف الاغتراب على أنه شعور الفرد بالعزلة والضياع والوحدة ، وعدم الانتماء، وفقدان الثقة، والإحساس بالقلق والعدوان، ورفض القيم والمعايير الاجتماعية، والاغتراب عن الحياة الأسرية والمعاناة من الضغوط النفسية ويقسم إلى اغتراب ذاتي وآخر اجتماعي.‏

الاغتراب الذاتي‏

الشخص المغترب هو شخص فقد اتصاله بنفسه وبالآخرين، وهي خبرة تنشأ نتيجة للمواقف التي يعيشها الفرد مع نفسه ومع الآخرين ولا تتصف بالتواصل والرضا يصاحبها أعراض تتمثل في العزلة والانعزال والتمرد والرفض والانسحاب والخضوع ، أي أن الاغتراب عن الذات هو الشعور بأن الذات ليست واقعية.‏

الاغتراب الاجتماعي‏

وهو شعور بعدم التفاعل بين الذات وذوات الآخرين ونقص المودة والألفة مع الآخرين وندرة التعاطف والمشاركة وضعف الروابط الاجتماعية مع الآخرين.‏

وطفلنا قد لا يدرك الوجوه المادية لهذا الاغتراب لكنه يحس بالقهر المرافق له ويعاني منه والسبب في ذلك هو عدم قدرة الأهل على نقل العناصر القيمية المجتمعية المكونة لهويتهم إلى أطفالهم وبالتالي فقدان الهوية.‏

اغتراب الحروب‏

أبرز الفئات التي تصاب بالاغتراب بنوعيه أولئك الذين تُهجرهم الحروب وتبعدهم عن مجتمعهم الأسري الصغير فمنهم من يفقد أحد والديه وبالتالي يعاني من فقدان الأمان العاطفي ما يعكس حاجته إلى الحب ليبحث عن الطمأنينة المفقودة فالأطفال المهجرون جراء الحروب يعانون من نبذ غير إرادي حيث تتنامى المشاعر العدوانية لديهم.‏

و طبول الحرب عندما تقرع يعزف الفقر معزوفته على أبواب كثيرة تصل أحياناً لدرجة التشرد والتسول في الشوارع والمجاعة وفقدان سبل الرعاية الأولية للأطفال لتكون الهجرة هنا غير مشروطة وغير مدروسة تنحصر في تأمين الحاجات الأولية للمهاجرين الذين غالباً ما يستقبلون في مخيمات أو في تجمعات سكانية معزولة ليعيشوا على المساعدات وبغض النظر عن مدى إدراك الطفل لهذه المعايشة فإن حرمانه من حاجاته الأولية هو بحد ذاته انتهاك لإنسانيته ولحقه في الحياة، واليوم مشاهد كثيرة نراها في الشوارع من تسول واضح وآخر مقنع بسلاح بيع مادة ما قلما يحتاجها الشاري أو مسح لنوافذ السيارات وهذا إقحام للطفولة بما ليس لها به ليشعر الطفل بأنه مسؤول عن عائلة وهو مصدر رزقها هكذا أجاب أطفال في الشوارع تركوا مدارسهم قسراً وانطلقوا لجمع المال بغية العيش وبسبب فقر حالهم أو تهجيرهم أو... إلى ما هنالك من أعذار وما أكثرها، تقول اليوسف على الرغم من المحاولات الحثيثة من قبل الأهل والقائمين على تلك الأسر المهجرة أينما وجدوا تبقى قدرة الطفل على تغيير عاداته اليومية شبه معدومة تصل أحياناً لحالات اكتئاب طفولية لمجرد تغيير الطفل لمدرسته أو منزله لتبرز العدوانية والقلق على شكل مخاوف طفولية تتحول أحياناً إلى حالات ذعر ليلي وكوابيس كردة فعل دفاعية أمام الإحساس بالغربة والاغتراب وفي ورشة عمل تُعنى بأمور الطفل كانت مداخلات متعددة من الحاضرين والمشرفين حول الطفولة وحاجاتهم وكانت الآراء متقاربة وتحرص على عدم اغتراب الطفل وشعوره بها والمحافظة عليه مع أسرته وفي مجتمعه، وقالت الدكتورة هديل الأسمر: (أن بعض الأطفال إذا نزعوا من أسرهم حققوا نجاحات أكبر وكان بسلام نفسي أكبر حسب تلك الأسرة فربما في تلك الأسرة خلل يصعب على الطفل التعايش معه والاندماج بشكل سليم في أسرته وحياته فتكون رعايته من قبل مؤسسات أو أفراد آخرين فيها الخير له) وطبعاً وكلنا يعلم ما المقصود بحالات تلك الأسر وما السلوكيات التي من الممكن أن توجد فيها وكيفية التعامل مع أطفالها.‏

على حافة الهاوية‏

الاغتراب بمعناه الكبير هاوية ينزلق بها الكثيرون ليغتربوا في أسرة أو مدرسة أو أي جماعة، متاهة كبيرة يضيع فيها كثيرون فما السبيل لإنقاذ أطفالنا من جدرانها، اغتراب أطفالنا مرض وفيروس خطير يقتحم مستقبلهم فلنحافظ عليهم ولنقف إلى جانبهم كأسرة واحدة وليس المطلوب تغيير لون جلد أو بناء سد الأمر أبسط من هذا لا يتطلب سوى الرعاية النفسية الصحيحة والانصهار في مجتمع واحد أهلي وحكومي لإبعاد النفايات السامة التي تم نقلها لأطفالنا عبر هواء ما أسموه ربيعهم العربي وليكن أطفال سورية أزهاراً في ربيعها يفوحون عبقاً وحياة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية