تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تفاوض تحت سقف حديدي

الأربعاء 27-11-2013
سهيل ابراهيم

المقدمات الصحيحة تقود دوماً إلى نتائج صحيحة، والدبلوماسية الايرانية في معالجة ملفاتها الخارجية وفي صدارتها الملف النووي، كانت واعية الى هذه المعادلة المنطقية، ومتحمسة لإثبات صحتها في كل المراحل التي قطعها هذا الملف،

منذ أن تحول الى ساحة صدامية مع الغرب ومع واشنطن تحديداً، حتى اللحظات الأخيرة التي أعلن فيها الاتفاق على مشروعيته فجر الرابع والعشرين من تشرين الثاني الجاري، في جو احتفالي شهدته جنيف السويسرية على مرأى ومسمع من العالم كله.‏

عدد غير قليل من الدبلوماسيين الايرانيين تناوبوا على إدارة المفاوضات الصعبة حول هذا الملف مع الدول الست الكبرى خلال العقد الماضي، لكن الجميع كانوا قد وضعوا سقفاً لهوامشهم التفاوضية غيرَ قابل للمساومة، هو حقُ الايرانيين بصناعةٍ نوويةٍ سلمية، بعقولهم وموادهم الخام وكوادرهم الغنية، وكل ما تبقى هو من التفاصيل التي يمكن للمفاوضِ الإيراني المناورة فيها والأخذ والرد بالقدر الذي يتطلبه المناخ التفاوضي مع قوى متغطرسة، وضعت عنواناً معاكساً لهدفها التفاوضي، هو تفكيك المنشآت النووية الإيرانية، وشطب البرنامج النووي من عقول الإيرانيين بذريعةِ أنه مشروعٌ عسكري يهدد الأمن والسلام في المنطقة والعالم!‏

لم يقل أحدٌ من الإيرانيين في أي موقع من مواقع المسؤولية منذ احتدام الصدام حول هذا الملف، إن طهران ذاهبة لصناعة قنبلة نووية، بل ومن أرفع مواقع المسؤولية قالوا إن صناعة السلاح النووي تقع في خانة الحرام في شرعهم الديني، لأنه سلاح تدمير شامل ينافي تعاليم الدين، وربما كان بعض الغرب يصدقهم في سره، لكن امتلاك ايران للطاقة النووية حتى من بابها السلمي كان مقلقاً لمن يرسمون الاستراتيجيات في مراكز البحوث الغربية ولمن كان منهم قادراً على القراءة المبكرة للثقل الإقليمي والدولي الذي ستمثله إيران النووية في حال نجاح مشروعها العنيد، خصوصاً في زمن بروز تبدل جدي لمقاييس القوى في النظام العالمي، وظهور القوى الأوراسية الجديدة التي بدأت تدريجياً بالإطاحة بنظام القطب الأوحد، وغروب الشمس عند امبراطوريات داهمتها الشيخوخة، وشروقها على أقاليم فتية تصعد نحو القمة بهمة لا تفتر!‏

أكثر من مرة وصل الصدام إلى حافة الهاوية، وكاد العالم يحبس أنفاسه خوفاً من طلقة قد تفتح جحيماً، وأكثر من مرة حُددت مواقيتٌ وساعاتُ صفر، وتحركت أساطيلٌ بين الخليج والبحر المتوسط مروراً بالبحر الأحمر، وفق الحسابات التي كانت ترى بأن المواجهة لن تكون مع دولة طموحة ورائدة في فن الصبر اسمها ايران فحسب، بل مع محور مقاوم يمتد من المياه الدافئة في المتوسط إلى حدود القوقاز، بكل ما يملكه هذا المحور من إيمان راسخ بحقوقه، لا ينفع معه أي تهديد أو وعيد، ثم تتغير المواقيت وتعود السفن الحربية أدراجها، وتذهب الوفود إلى التفاوض بعقول باردة، مرة واثنتين وعشرة، واللغة الإيرانية لا تتبدل إلا في التفاصيل، أما السقف المرسوم لساعة الاتفاق، فهو حق ايران المشروع بالطاقة النووية السلمية، بعقول علمائها وقدراتها الذاتية وكوادرها الغنية المدربة والذكية !‏

فجر الأحد الماضي أذعن الغرب لهذا الحق ووقع على الاتفاق المرحلي، وهو يعرف أن مستقبل إيران النووي لم ولن يكون بعد اليوم طوع بنانه، ودور إيران وثقلها الإقليمي والدولي بات في يدها وحدها، مهما جفا النوم عيون شيوخ النفط في الخليج، ومهما تدربت مقاتلات نتنياهو الحربية على المهمات طويلة المسافات، فاللعبة انتهت على مسرح الكبار، وعلى الصغار منذ الآن أن يذهبوا إلى غرف نومهم في وقت مبكر !‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية