تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مشيخات الخليج.. هذا دورها «فبأي آلاء ربكما تكذبان»!!

شؤون سياسية
الأربعاء 28-3-2012
بقلم: د. أحمد الحاج علي

كلنا في الوطن وكلنا للوطن، هذا هو الأصل و تلك هي الطريق السالكة لكي نبقى على قيد الحياة في الحد الأدنى و على قاعدة الوجود الحضاري للعالم في الحد الأعلى

و الوطن هو الحاضن و الجامع و هو الموحد و باني الرسالة لبيناه جميعاً أباً عن جد في لحظتي البناء و العطاء فصار مثلاً للدنيا كلها لا ينضب ولا يخبو وإن داخلته لحظات الكبوة أخذته الصحوة إلى المكان الأطيب و المجهود الذي يشع سلاماً وقوة و تفاعلاً، وتشتهر سورية العربية بهذا الأصل و بهذا المعنى، تتلاشى بعض موجاتها على الساحل الفينيقي، فإذا بها تنبعث في قرطاج و قد وصلها حنا بعل الأمثولة التاريخية التي أوشكت أن تسقط روما عبر جبال الألب في روما ذاتها ومعه شقيقته أليسار تملأ الدنيا أصالة و تضمخ الوجود عطراً و معهمابما لا يفترق عنهما و فيهما سورية الحضارة، سورية العلم و الكبرياء و الفن و الأدب والرسالة السمحة والإبداع في السراء و الضراء، ومن كان مخزونه من منبعه إلى مصبه.‏

هذه المفردات الإنسانية الراقية، فمن ذا الذي يهينه أو يدمره أو يستورد إليه عناصر الشر و الفتنة، ألم نتذكر بأن فلسطين مهد المسيح عليه السلام و لكن سورية منطلق المسيحية عبر القديس بطرس وحنانيا و يوحنا المعمدان، ألم نتذكر بأن مكة و المدينة وقد قدسهما الله وبارك فيهما و حولهما كانتا مهد الرسالة الإسلامية وعند حدود سورية و من حوران بالذات صار الإسلام بعد الفتح قيمة سورية وذمة سورية، وصار هذا البلد الأمين مورد الدنيا ومعادلها في الحضارة العمرانية و في الفكر وفي الفلسفة وفي الفقه و في التشريع و في الشعر و النثر و الرياضة و الأمثلة تترى لا يغيبها فاصل و لا ينفيها متآمر حاقد.‏

وبالأمس القريب كان الاستعمار الفرنسي البغيض يحتل سورية في موجته الهمجية بعد الحرب العالمية الأولى وعبر اتفاقية سايكس بيكو، يومها كان الوطن السوري هو الميدان الأول و الأهم من شماله ينطلق ابراهيم هنانو ويصطحبان معاً هو و الشيخ صالح العلي و يحطان الرحال في دمشق وجبل حوران السويداء والموكب واحد والراية بيد سلطان الأطرش و الروافد تتدافع من الجولان و من حمص و حماة و من ادلب ودير الزور و الحسكة و الرقة، ولولا معالم جغرافية وجيولوجية هي من إرادة الله كالبحر و الجبل و الوادي والبادية لقلنا إن سورية تتشابه جغرافيتها بما يعادل وحدة أبنائها إلى أبد الآبدين، وسورية هي الميدان الأول لكن أبناءها قادة الثورة ورواد الحرية يمتدون إلى فلسطين إلى العراق إلى مصر و تطوان متجاوزين الأزرق في الأردن إلى وادي السرحان في شمال الحجار، و الوادي هذا غير ذي زرع ولكنه مبارك بإرادة الخالق و الخلق السوريين و السرحان هو الذئب في أشرس صوره.‏

هناك كانت تتوطد إرادة السوريين حماةً للعروبة وناهضين مستنهضين لكل أفق نبيل و لكل النيات الإنسانية التي تفيض حرية وعسلاً و أملاً ووحدة للجميع، وتقترب الصورة ذاتها أكثر فإذا سورية هي شمال فلسطين وإذا فلسطين هي جنوب سورية و تندفع دولة الوحدة عبر الجمهورية العربية المتحدة بين مصر و سورية وبعدها بقليل تنفجر الثورة السياسية والاجتماعية بقيادة البعث والبعثيين في العراق في الثامن من شباط وفي سورية في الثامن من آذار من العام 1963 يومها كان النظام الأردني آيلاً للسقوط وقد أعلن الشعب هناك جمهوريته، و يومها كان الشعب العربي في الكويت و عبر القوميين العرب يتأهب للخلاص من السجن و السجان عبر المستعمر البريطاني الأميركي و بأدوات بائسة تمثلها العائلات الحاكمة في الخليج فيما كان يعرف بالمشيخات المتصالحة و التي لم تعرف سوى احتضان الجريمة وافتعال حالات الاحتراب بين القبائل و الأخذ بفكرة المناطق المحايدة و التي تحولت فيما بعد إلى مواقع و مراجع للصراع بين العائلات.‏

ولعلنا نتذكر تلك الحرب القذرة بين آل ثاني في قطر وآل خليفة في البحرين و قد هاجت بهما النخوة وأبدوا من شروط الغفلة والحقارة ما يكفي لانفجار حرب عركت الجميع القليل هناك بالاختلاف على صخرة مجرد صخرة بلا مساحة و لا أهمية تسمى (فشت الديبل)، كانت المناطق المختلف عليها تخوماً كما سماها العرب القدامى و في هذه التخوم الضيقة، كان يعقد أروع مشهد حضاري مثاله سوق عكاظ والمجاز وذو المجن و هناك في التخوم تتلاقح الأفكار وتنبعث المعلقات و يسدد الناس حاجاتهم بالتبادل ويعود الشباب كل منهم بحبيبة أو زوجة أو صداقة مع أشقائه الآخرين.‏

أرأيتم إلى أي مدى حدث التخريب المتعمد في دول الخليج، في سياسات العائلات المشبوهة بأصولها وسلوكها و لا شيء جديداً على ما يبدو أنهم قتلة ومجرمون وأصحاب غدر ويقولون بأفواهم ما ليس في قلوبهم ولندقق بمقدار بسيط في الأسرة السعودية و قد حكمت بوسيلة الغدر و القتل وما زالت ترى في الوسيلة ذاتها السلاح المطلوب الآن و الأسلوب المجدي الآن، نسيت هذه المشيخات و هذه العائلات أنها قاتلة ومجرمة و متخلفة و لأنها كذلك فقد باعت نفسها للشيطان وهدرت النفظ و الغاز و الشمروخ (النخيل المثمر) وغيرت في ملامحها و في المظاهر المحيطة بها لكنها بقيت قاتلة مجرمة متخلفة، أما سمعتم بالمثل العالمي الإسلامي و ليس السوري أو الدمشقي الذي يقول إن الحجاز أطهر أرض يسطو عليها أنجس قوم، ونعود لأصل الفكرة كلنا للوطن وكلنا في الوطن بيننا، ومن العار أو المعيب أن نسمح للانحراف أن يفترس بعضنا وأن يبتر أواصر الوجود الكريم فيما بيننا، ذلك شأن غريب وسلوك مريب والذي يختص فيه هم الحكام المشايخ في الخليج الذين مازالوا يعتاشون على الفواصل بين المسننات الكبيرة وعلى أطراف الزمن الضائع.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية